لا شك أن أيًا ممن يحبون بلدنا الطيب إذا تمعن قليلاً فى مشاكلها التى تمر بها فى تلك اللحظة الحرجة، سيجد أن أغلب أسباب ما نعانيه من مشكلات هو عدم وجود إدارة علمية، وهذه للأسف صفة يتمتع بها الكثير من نخبتنا، سواء حكومة أو معارضة، فالكل حتى الآن يعيش فى أسر الكاريزما، وهى الصفة التى للأسف يفتقدها الجميع، والتى كانت معول النجاح خلال فترة من حياتنا مرت وانتهت بسلبياتها وإيجابياتها، إلا أن معظم أعضاء نخبتنا وإعلاميينا يحبون أن يعيشوا فى الماضى، فتجد الكل ينتقد ماضى الكل، بينما إذا سألت عن المستقبل والتخطيط له والتعامل معه خرست الألسنة وصم القوم. للأسف إذا كنا نحب بلدنا، فليس لنا إلا خيار العلم، وعلى رأسه علم الإدارة الذى تمتد فروعه إلى إدارة الأزمات وإدارة التواصل وإدارة الخلاف، لأن الإدارة هى فن التعامل الأمثل المبنى على أسس الوصول إلى أفضل النتائج على الأرض بعيدًا عن جو الشحن والانفعال والسباب والإقصاء وشيطنة الآخر الذى للأسف سقط فيه الجميع، وأصبح لازمة من لوازم حياة المصريين وعلى فضائياتهم وفى أحاديثهم، وهو ما يزيد حجم الشحن والشحن المضاد الذى أيضًا تتفنن فضائياتنا فى إطفائه بسكب البنزين عليه، بحثًا عن مزيد من الإثارة لتحقيق ارتفاع فى نسب المشاهدة، وهى عملية كما نرى علمية، لأن علم الإدارة يعالج كل شىء لديه هدف يريد الوصول إليه فيأتى علم الإدارة ليكون الجسر الواصل بين الشىء والهدف بعد دراسة كافة المعطيات والمؤثرات ونسب التأثير، وكلها أمور تخضع للحساب ولا مجال فيها للأهواء الشخصية إلا بنسبة ضئيلة لا تمنع تحقيق المطلوب، ولا تؤثر سلبيًا عليه إلا فى أضيق الحدود. إذا طبقنا ما نقول على الحالة المصرية وجدنا العجب ولسنا وحدنا فى العالم، إلا أننا نلجأ للانتقائية فنأخذ جزءًا من هذا وندع آخر ربما يكون هو سبب النجاح، لأن كل تجربة ناجحة لها عواملها المتعددة التى لا يجب إغفال أحدها، فمثلاً وبداية إذا كنا جادين فى حل مشكلة المحليات، فبالتأكيد الطريقة التى يلجأ إليها الإخوان والرئاسة فى تعيين المحافظين بنفس أسلوب تعيين المستشارين ومساعدى الرئيس التى رغم ثبوت فشلها وانعكاسها سلبيًا على الرئاسة نفسها، فما زلنا نراها تتكرر ونجد أن قائمة المحافظين الجدد لا ترتكز على معيار الكفاءة، وإنما على توزيع المناصب لاستمالة تلك الجهة أو تلك، بينما إذا أردنا النجاح على مستوى المحليات، فلابد أن يكون المحافظ الذى يدير المحافظة وصل إلى مكانه بالانتخاب، ليعلم أنه هنا فى تلك المحافظة لخدمة أهلها فتصبح عيناه كلتاهما على محافظته، وليست كما يفعلون "عين بالمحافظة والأخرى بالقاهرة"، حيث الرئاسة والمركزية التى يدين لها بمنصبه، فلماذا يرهق نفسه فى محافظته وفى مشاكلها، طبعًا هذا لا ينفى الإخلاص عن البعض، وهناك تجارب ناجحة على مستوى المحافظين، ولكن لغياب الأخذ بالعلم تصبح مجرد استثناءات، بينما إذا لجأنا إلى الإدارة العلمية والاختيار المبنى على انتخاب الأفضل، فسنجد هنا أن النجاح واحتمالاته ترتفع كثيرًا، وتصبح ملزمة للجميع، وبالتالى احتمالات التوفيق فيها أعلى، بالإضافة إلى أن النجاح يجذب نجاحًا، فستجد أن التجربة إذا نجحت ستشجع على نفض الأكفاء لغبار السلبية وتشحذ فيهم روح المبادرة والسعى للأفضل، وإذا تحقق ذلك وجدنا أن كل مواطن من محافظة ارتبط أكثر بمحافظته التى تهتم بمشكلاته وتتفنن فى دراسة الاستخدام الأمثل لإمكانيات المحافظة وثرواتها، مما ينعكس عليه حبًا والتزامًا وتفاعلاً مع محافظته، وإذا تكرر ذلك على كافة المحافظات، وجدنا أن مشكلة المدن الكبرى قد حلت مثل القاهرة والإسكندرية كمحافظات جاذبة تعانى من الازدحام وقلة الخدمات. يبقى أن يكون كل محافظ فى محافظته يعلم أن ولاءه وجهده ورب عمله هو المواطن البسيط ابن المحافظة فيجتهد أكثر فى ظل شفافية للتقييم وضمن خطة علمية مسبقة تحدد الأهداف المرجوة حسب الإمكانيات الفعلية المتاحة، لتصبح خطة عمل وليست سرابًا ولا أحلامًا. دعونا نتخيل أن ذلك يتم بمحافظاتنا فى شمال وجنوب سيناء ومحافظات القناة السويس والإسماعيلية وبور سعيد، على أن يقتصر أمر وتدخل الحكومة بالقاهرة على الأمن والأمن القومى وتمويل المشروعات الكبرى، لأن هذه المحافظات بالذات بها طاقات وإمكانيات تحتاج لإعادة اكتشاف، ولنضرب مثلاً على ذلك، كم جامعة لدينا فى تلك المحافظات؟ وكم دراسة ميدانية تم عملها لدراسة الثروات بتلك المحافظات؟ لاحظوا أننا يجب أن نسعى للعلم وبه دائمًا، لأنه أكثر السبل أمنًا للوصول إلى غاياتنا، وهنا تأتى عبقرية المكان الذى لابد أن يكتشفه المقيمون به لن يتم ذلك إلا بالتواصل بين الجامعات والمراكز البحثية والتنفيذيين بكل محافظة. إن ثورة مبهرة كثورة يناير لابد أن تواكبها ثورة شاملة فى عقولنا وأدائنا، وأن نفكر جميعًا فى مصر ونقبل النقد ونتفهمه ونعلم أننا جزء من كل، له فى رقبتنا حق الرقابة والنقد، وأن العلم وتطبيقه هو الأساس الذى نبنى عليه قراراتنا حتى فيما يخص إدارة أزماتنا ومشاكلنا. السيد الرئيس.. أعتقد أن ما تحتاجه الرئاسة الآن هو أساتذة وعلماء واستراتيجيون متخصصون فى إدارة الأزمات والتعامل مع 30 يونيه على أنه أزمة تحتاج معالجتها بأسلوب علمى بعيدًا عن همجية الحشد والحشد المضاد، فمصر العظيمة وثورتها الملهمة أنصع من أن يلوثها دم المصرى من أخيه المصرى.. فيا سادة.. أرجوكم احتكموا للعلم وأحسنوا الاختيار المبنى على العلم ليمر بلدنا من هذا المنحنى الصعب إلى براح الاستقرار بإذن الله. أسال الله التوفيق للجميع وأن يحفظ مصر وأهلها من الفتن والضلال.