هل ثَمَّة علاقة بين الحكم المفاجئ بإعدام طارق عزيز والهجوم الإجرامي الذي استهدف كنيسة سيدة النجاة في بغداد؟ وهل من المنطقي أن يتبنَّى تنظيم القاعدة –والمفترض أنه يعاني من ضربات قاتلة واعتقال وقتل العديد من قياداتِه ووزراء دولتِه الإسلاميَّة- قضيَّة امرأتَيْن في مصر تعرَّضتا لضغوطات غير منطقيَّة من الكنيسة لدفعهم عن اعتناق الإسلام؟ وهل أصبح هذا التنظيم والذي يُفترض أنه في أيامه الأخيرة من القوَّة والاسترخاء بحيث أنه يستطيع تجاوز كل نقاط التفتيش بالقرب من المنطقة الخضراء وينتقل من قضايا العراق و"الرافضة" وفلسطين إلى قضيَّة في مصر؟ ولماذا المسيحيين بعد الشيعة؟ ومَن الذي يدفع نحو تأجيج الصراعات العرقيَّة والدينيَّة والمذهبيَّة في المنطقة، والتي حرص على إشعالها الاحتلال الأمريكي في العراق؟ هذه الأسئلة تتلاقى، وما يجري في السودان واليمن ولبنان والصومال وفي غيرهم، لتذكرنا بما كان يحذِّر منه الراحل ياسر عرفات ومن عقود، عن مخطَّطات لتفتيت المنطقة العربيَّة وتحويلها إلى مجموعات متناحرة ودويلات فُسيفسائيَّة تكون الدولة العبريَّة فيها القوَّة الإقليميَّة المهيمِنة. وإذا ما كان لنا إلا أن نرفض وبشكلٍ جازم وحازم جميع العمليَّات الإرهابيَّة والتي تستهدف المدنيين والأبرياء، إلا أننا في ذات الوقت لا نملك إلا أنْ نسجِّل ملاحظات حول العديد من قضايا "الإرهاب" فقضيَّة الأنثراكس وطريقة تصعيدها بعد أحداث سبتمبر، ومن بعدُ الإعلان عن انتحار العالم الأمريكي بروس إيفينز في صيف 2008، إثر اشتباه أجهزة الأمن في إرساله رسائل الأنثراكس عام 2001 بُعيد أحداث سبتمبر، وذلك قبيل توجيه اتهامات رسميَّة له، الدكتور بروس إيفنز –المتهم المفترض- عمل على مدى ثمانية عشر عامًا في معهد البحوث الطبيَّة الخاصَّة بالأمراض المعدية وبحوث الدفاع البيولوجي التابع للجيش الأمريكي في فورت ديتريك بولاية مريلاند, بل إن الرجل ساعد مكتب التحقيقات الفيدرالي بصفته عالِمًا بيولوجيًّا خلال التحقيقات التي أجراها المكتب لتحديد مصدر الرسائل التي كانت تحتوي على الجمرة الخبيثة. أما قصَّة النيجيري عمر عبد المطلب فهي الأخرى تحمل الكثير من علامات التعجُّب والحيرة، فوالد المتَّهم قام بنفسه بإبلاغ السفارة الأمريكيَّة عن نوايا ابنه، كما أن الشاب النيجيري كان على القائمة الأمريكيَّة للممنوعين من السفر جوًّا. وعلى الرغم من إدراجِه ضمن لائحة تضمُّ أشخاصًا متهمين بتورطِهم بصفة مباشرة أو غير مباشرة في "أعمال الإرهاب"، فإن الرجل استطاع أن يحصل على تأشيرة دخول إلى الولاياتالمتحدة، فيما كانت بريطانيا قد رفضتْ منحَه تأشيرة دخول طلابيَّة، كما كتبت صحيفة "واشنطن بوست" أن عمر عبد المطلب اتَّخَذ لنفسه على موقع "جواهر كوم" اسْمًا مستعارًا هو "فاروق 1986" وقد كتب منذ عام 2005 نحو 310 رسائل على منتديات إسلاميَّة تشير لتوجهاتِه الجهاديَّة، فكيف يستطيع شخص بهذه المواصفات ضمن هذه الظروف الحصول على تأشيرة أمريكيَّة وتهريب عبوَّة متفجِّرة لطائرة أمريكيَّة؟ وهل تَمَّ محاسبة موظف أمريكي رسم على هذه الخلَل الفاضح إذا افترضنا حسن النيَّة؟ في حين أثارت قضيَّة الطُّرود المفخَّخة الكثير من تساؤلات مراقبين ومحلِّلين، فالأخبار حملت الكثير من التناقضات؛ فشركتا "يو بي إس" و"فيديكس" اللتان تم اكتشاف الطرود المفخَّخَة على متن طائراتِهما هما أكبر شركتين أمريكيَّتَين للشحن الجوي في العالم ويتبعان إجراءات أمنيَّة مشدَّدة جدًّا، ولذا من المستغرَب أن تمرَّ عليهم الطرود المفخَّخَة بكل سهولة، هذا بالإضافة إلى أنه من غير المنطقي أن ترسل آلات طباعة من اليمن للولايات المتحدة وبالتحديد لمعابد يهوديَّة، فيما تثير مسارعة أوباما لعَقْد مؤتمر صحفي بعد دقائق من الإعلان عن اكتشاف الطرود وقبل التأكُّد من احتوائها على متفجِّرات الحيرة والتعجُّب، ومما يزيد المسألة غموضًا تلميح وزير المواصلات الإسرائيلي يسرائيل كاتس إلى معرفة الدولة العبريَّة بالطرود البريديَّة الملغومة قبل اكتشافها، فقد نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عنه قوله: "منذ الخميس وممثلو إسرائيل يضمنون أمن الشحنات الموجَّهة إلى إسرائيل عبر المطارات في أنحاء العالم"، ملمحًا بأن دولتَه تلقت تحذيرًا عن نيَّة لإرسال متفجِّرات إلى المعابد اليهوديَّة بأمريكا قبيل الكشف عن مسألة الطُّرود. لقد أصبحت التحذيرات من العمليَّات "الإرهابيَّة" مثيرةً للدهشة والاستغراب، خصوصًا وهي تتبع سيناريو متشابهًا، فمصادر غربيَّة تعلن عن معلومات شبه مؤكَّدة عن عمليَّات "إرهابيَّة" وشيكة، ومن بعد توزّع "القاعدة" بيانات مسجَّلة تؤكِّد تلك المعلومات فتبثُّها قنوات إخباريَّة مرموقة من غير أن نسمع احتجاجًا غربيًّا ولو على مستوى السفارات على بثّ أشرطة تحثُّ على القتل والكراهية، المعلومات المسبقة أمرٌ تكرَّر حتى في مسألة الكنيسة في العراق، فلقد صرَّح مسئول أمني عراقي بأن معلومات كانت متوفِّرةً لدى أجهزة الأمن العراقيَّة حول النيَّة باستهداف الكنائس. أجواء الإرهاب والتخويف منه وبيانات "القاعدة" والعمليَّات التي تحمل بصماتها وهي عبارة يكرِّرها المسئولون الغربيُّون وحلفاؤهم كثيرًا، أمور تستهدف على ما يبدو تحقيق أهداف عدة منها: الهيمنة والسيطرة وانتهاك سيادة الدول والتهيئة لأشكال عصريَّة من الاستعمار، إبقاء الدعم الشعبي الغربي لحربي أفغانستان والعراق وحروب محتملة في الأفق القريب، إبقاء المنطقة العربيَّة والإسلاميَّة في حالة من الاستنزاف وانعدام الاستقرار، وهو ما يجعل التطوُّر العلمي والتقني أمورًا بعيدة المنال، ولتبقى المنطقة أسواقًا استهلاكيَّة واسعة، وضع مسلمي الغرب في حالة دفاعيَّة وفي أوضاع قلِقة ومحاصرتهم بقوانين مكافحة الإرهاب، وبالتالي تهميش أدوارهم السياسيَّة والاجتماعيَّة، جعل احتلال فلسطين وجرائم الحرب الصهيونيَّة أمورًا ثانويَّة مقارنةً بجرائم إرهابيَّة تستهدف الجميع، الحرب على ما يسمى بالإرهاب تعمَّدَت أن تجعل خياراتِنا الشعبيَّة بائسة، فإما القبول بأنظمة دكتاتوريَّة تدعم بحماس تلك الحرب، وإما التعايش مع إرهاب المتطرِّفين والقتلة، وبالتالي القضاء على المشروع الإسلامي الحضاري الوسطي والذي يحارب الفساد ويحمل رسالة الرحمة للعالمين. إن المنطق والإنصاف يتطلَّب مواجهة عالميَّة للإرهاب تنطلق من تشكيل لجان دوليَّة مشتركة تبحث في القضايا الإرهابيَّة ابتداءً من أحداث سبتمبر وانتهاءً بقضية الطرود، فليس من المقبول أن تكون الحرب على الإرهاب غطاءً لممارسة أسوأ أنواع الإرهاب، ولم يعد ممكنًا السكوت على سيناريوهات مشبوهة وحبكات قصصيَّة مُريبة. المصدر: الاسلام اليوم