استخدمتا فزاعة المرحلة الانتقالية لإغراء الشعب بالموافقة.. لعبا على المشاعر الوطنية.. والاستفتاء لديهما شرعية أكبر منه تصويت "الاستقرار، وإنهاء المرحلة الانتقالية".. مصطلحان يكفيك أن تدخلهما فى أي خطاب سياسي لتجد له تجاوبًا واسعًا من شعب بات لا يكره فى حياته اليومي أكثر من الاحتشاد والتظاهر، طالما ما وصفوه بالميل نحو الخضوع فى سبيل البعد عن الاضطرابات، ولكن هذه المعادلة باتت جلية بعد مرحلة انتقالية ثانية يمر بها على مدار ثلاثة أعوام لا يمضى يوم واحد فيها الا وتعلق فى الذاكرة بحدث سيئ أو واقعة مشئومة. وفى ظل هذا الميل القوى نحو الاستقرار لا يأتى أي نظام سياسي أيًا كانت توجهاته إلا وبدأ فى استغلاله مساومًا الشعب على راحة معيشته، أنظمة تبتز الشعب على حقوقه، هذا بالفعل ما شاهدناه فى كلمة عمرو موسى، رئيس لجنة الخمسين، التى ألقاها مساء أمس على مسامع الشعب عندما حدثهم عن ضرورة التصويت بالموافقة على الدستور الجديد من أجل إنهاء المرحلة الانتقالية وإعادة مصر إلى مكانتها، جملة رنانة ما أن تسقط على أذن المواطن ليستعيد كل مشاعر الوطنية والانتماء للدولة. نفس الأسلوب هذا استخدمته تأسيسية 2012 التى ترأسها المستشار حسام الغرياني، الذى قال أيضًا فى الجلسة الختامية لعمل اللجنة كلمات شبيهة بكلمات موسى، وراح يبنى للمواطن أحلامًا وخيالات للعيش الكريم والحقوق التى يكفلها دستور لجنته، ولكن تظل الحقيقة أن هذه الدساتير سواء الموضوعة فى 2012 أو 2013 لم تراعى مصالح المواطن بقدر ما تراعى التوافق مع التوجهات السياسية للقائمين على وضعها. الاختلاف الوحيد الذى يمكن أن نلحظه فى المشهد الأخير للجنتين هو التوقيت الذى انتهيا فيه عملهما، فالأولى متهمة بوضع دستور "نص الليل" نظرًا لإنهاء عمل اللجنة فجرًا، فيما أنهت لجنة الخمسين عملها فى العلن، ويبرر أصحاب الأولى ذلك بأنهم كانوا مطاردين بضغط شعبي وقانوني وتهديدات بحل اللجنة، فيما تعمل الثانية فى ظروف دعم وتهليل إعلامي قوي. وفي هذا السياق قارن الدكتور ياسر كاسب، رئيس المركز الإقليمي للأبحاث السياسية، بين اللجنتين، مؤكدًا أنهما لا يعتبران الأمثل فى تاريخ لجان كتابة الدساتير المصرية، مؤكدًا أن كليهما يعتمدان على الأيدلوجية بشكل كبير.
ولفت "كاسب" إلى أن كلتا اللجنتين لم يكتفيا بإنهاء عملهما بالتصويت النهائي على المسودة النهائية ولكنهما دخلا مرحلة الترويج ومساومة الشعب على حقوقه وابتزازه.
ووصف كاسب هذه الطريقة فى الخطاب السياسي بالابتزاز الوطنى، حيث إن كلاً من الغريانى وموسى تعمدا أن يتحدثا عن مكانة مصر والرفاهية والعصر الجديد الذى سيدخل الدستور الدولة فيه، مشددًا على أن هذه الكلمات الإنشائية يعلم الساسة أنها لها تأثير قوى لذا يلحون فى استخدامها.