في تظاهرة فنية فريدة تستعد العديد من المسارح في العالم لتقديم عروض بلغات متعددة تطرح مشاكل الأطفال والشباب في قطاع غزة وتعرض آمالهم وأحلامهم من خلال مونولوجات كتبها مجموعة منهم في غزة تسرد بعضا من معاناتهم في ظل الحرب والحصار الذي يعيشه القطاع منذ سنين والذي بلغ أوجه في الحرب الإسرائيلية الأخيرة (ديسمبر 2008 ويناير 2009). ويعتبر هذا الهجوم الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة الأعنف من بين الإعتداءات التي تعرض لها الفلسطينيون حيث سقط ضحيته خلال 22 يوما 1380 فلسطيني (من بينهم 431 طفلا) وجرح 5380 آخرون (من بينهم 1872 طفلاً) بينما دُمرت الكثير من المنازل والمدارس وقصفت حتى المستشفيات وأماكن العبادة والمراكز الثقافية ومبان تابعة للأمم المتحدة. هذا العنف واستمرار الحصار لهما أيضا الكثير من الآثار السلبية فهما يشكلان تهديدا جديا للصحة النفسية والوضع الاجتماعي للأطفال واليافعين والبالغين الذي يبلغ تعدادهم 840,000 شخص من أصل أكثر من مليون ونصف نسمة يعيشون في القطاع. محاولة العودة الى الحياة الطبيعية المؤسسات الأهلية المتخصصة في مجال الصحة النفسية اعتبرت أن أحد أهم وسائل التدخل السريع مع الأطفال والمراهقين بعد الأزمة يتمثل في "دعم النشاطات التي ستعيد للاطفال والشباب معنى الحياة الطبيعية". وفي هذا السياق، جاء مشروع مسرح عشتار (رام الله - غزة) للعمل بشكل فاعل ومباشر مع الأطفال في القطاع لمساعدتهم على العودة تدريجيا لتوازنهم النفسي وفي محاولة لاسترجاع ايقاع حياتي طبيعي وتمكينهم من كسب بعض الثقة في المحيط من خلال النشاط المسرحي والكتابة ولإعطائهم أيضا فرصة للتعبير عن أنفسهم. مع مفتتح عام 2010، بدأ مدرب عشتار في غزة بتدريب 33 شاب وشابة حيث قاموا بكتابة مونولوجاتهم الشخصية التي تعبر عن أفكارهم وأحاسيسهم وأمنياتهم وتروي تجربة الحرب المأسوية التي عاشوها. وفي 17 أكتوبر 2010 وعلى الساعة العاشرة صباحا سيُسيّر هؤلاء الشبان من على شاطئ غزة مونولوجاتهم على شكل قوارب ورقية في إشارة رمزية لتوصيل رسائلهم للعالم بينما ستقدم المونولوجات من طرف الشبان على خشبة المسرح في مقر الأممالمتحدة. في الوقت نفسه، سترسو القوارب الورقية بما تحمله من رمزية في العديد من المسارح مساء السابع عشر من اكتوبر حيث ستقدم هذه المونولوجات من طرف شابات وشبان في أكثر من 40 مدينة في العالم بالانجليزية والفرنسية والالمانية كذلك بالصينية والسويدية والاسبانية والايطالية وغيرها في محاولة لتوصيل صوت غزة الى العالم ولمد جسر تواصل بين الشباب تضامنا مع أقرانهم في غزة ولفت انتباه شباب العالم إلى قسوة الحرب والدمار، ولإيجاد سبل لمساندة أبناء جيلهم الذين يتعرضون لظروف قاسية. بعد ذلك سيتم اختيار أحد الشبان من كل دولة للسفر إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث ستعرض مونولوجات أطفال غزة باللغات المتعددة من قبل بلدان مختلفة بتاريخ 29 نوفمبر الذي يُصادف "يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني" أمام الجمعية العمومية في مقر الأممالمتحدة بغرض توجيه رسالة عالمية موحدة من أطفال وشباب العالم "لتجنيد المزيد من الدعم لكسر الحصار المفروض على أهل غزة ومنح الشباب المقيم في القطاع إمكانية ممارسة حياة طبيعية". مونولوجات غزة في سويسرا مونولوجات غزة ستحط رحالها أيضا على خشبة مسرح "روته فابريك" الشهير في مدينة زيورخ حيث أخذت تهاني سليم، الممثلة والمخرجة العربية المقيمة في زيورخ المبادرة بعد أن تم الإتصال بها من قبل مسرح عشتار الذي سبق لها أن عملت فيه لفترة طويلة. ورغم ضيق الوقت، جرت عملية التنسيق في وقت قياسي حيث قامت المخرجة بالاتصال ب "روته فابريك" ومجموعة "كافيه بلاستين" (مقهى فلسطين الثقافي) اللذين استجابا بشكل سريع ليكونا شريكين بالمشروع. وتتواصل الآن الإستعدادات والتدريبات المسرحية على قدم وساق. وفي تصريح ل swissinfo.ch تقول سليم: "للأسف تم الاتصال بي متأخرا ولذلك كان من الصعب ايجاد قاعة للعرض بشكل سريع فلم يكن لدي سوى ستة أسابيع للتحضير والتدريب ولولا مساهمة "روته فابريك" و"كافي بلاستين" لتعذر تحقق هذا العمل". أما الصعوبة الأخرى التي واجهت العمل فكانت تتمثل في "إيجاد مجموعة من الشبان المتحمسين للمشاركة والذين يتوفر لديهم الوقت لاجراء تدريبات مكثفة خلال وقت قصير". ومع أن فترة التدريبات النهائية والعرض تصادف عطلة الخريف للمدارس (وهو ما اعتبرته السيدة تهاني سليم في البداية شيئا إيجابيا)، لكن هذه الإجازة شكلت للأسف عائقا آخر بوجه العمل حيث أن الكثيرين يسافرون لقضاء العطلة خارج البلاد وهو ما أدى إلى إعادة تشكيل الفريق أكثر من مرة وتطلب جهدا اضافيا من المخرجة. اهتمام الشريك السويسري تشتهر "روته فابريك" في زيورخ بأنها مؤسسة ثقافية ذات منهج تعليمي وحسب مفهومها فإن "الثقافة سياسة والفن سياسة“، لذلك فمن الطبيعي بالنسبة لها التطرق إلى مفاهيم وقضايا إقليمية ووطنية وعالمية. وفي تصريح ل swissinfo.ch يقول كيروس كيكوس أحد المسؤولين عن التخطيط في "الروته فابريك": "إن قضية الصراع في الشرق الأوسط من أهم القضايا العالمية التي لاتزال عالقة وعصية عن الحل ولذلك فمن المهم بالنسبة لنا في المؤسسة التنبيه إليها وتسليط الضوء باستمرار على مجريات الأحداث وليس فقط السياسية وإنما - وهو الأهم - التركيز على الجانب الإنساني والمصير المأساوي الذي يتعرض له الاشخاص هناك نتيجة هذا الصراع الذي دام لسنوات". وفي هذا الاتجاه - يضيف السيد كيكوس - "يُعتبر مشروع مونولوجات غزة مهما بالنسبة لنا لأنه لايطرح الموضوع كالمعتاد على من يقع الذنب.. من الضحية ومن الجلاد.. وإنما يظهر النتائج الوخيمة لهذا الصراع وهذه الحرب، ويكشف عواقب الإحتلال والعنف والعدائية وخاصة على الأبرياء الذين لا ذنب لهم في هذا الصراع، أي الأطفال والشباب". وبالنظر إلى أن "مونولوجات غزة (التي كتبت من أطفال وشباب يعيشون أزمات نفسية بسبب هذه الحرب الجنونية) تعكس بوضوح ماذا يعني بالنسبة لطفل أن يعيش وينشأ في مكان تمثل فيه الحرب والأزمات حياة يومية" مثلما يقول السيد كيروس كيكوس من مركز "روته فابريك" فإن "اهتمامنا بهذا المشروع ينصب أيضا على أن نكون شركاء في هذه التظاهرة الدولية كي نتواصل مع مؤسسات أخرى في دول عديدة ولإعطاء هذا الموضوع بعدا دوليا وبذلك إظهار تضامن أكبر مع هؤلاء الاطفال، وهو تضامن له دلالة رمزية لايجب التقليل من أهميتها" على حد قوله. العرض الفني في سياق متصل، يتألف فريق العمل في زيورخ من ثمانية شبان وشابات في مرحلة عمرية تتراوح بين 14 و19 عاما، أبدوا تاثرا عميقا بتجربة وكتابات شباب غزة واهتماما بالمشاركة في العمل وتقديم الدعم والمساندة لنظرائهم في قطاع غزة. ومع أن فترة التدريب كانت محدودة ومكثفة لكنها كانت أيضا ممتعة ومثيرة بالنسبة للمشاركين. في البداية تركز جزء من التحضير على نقاشات حول الوضع في فلسطين عموما وفي غزة تحديدا، ثم بدأت التدريبات الحركية والمسرحية مع قراءات دقيقة للمونولوجات وتوضيح لبعض الأمور الغامضة والخاصة بطبيعة الحياة والأجواء في غزة، ثم كان عليهم البحث عن معلومات وقراءة الأخبار بهذا الخصوص. وقد تركز عمل المخرجة على نسخة العرض حيث تقدم مجموعة التمثيل قراءات لحوالي عشرة مونولوجات في قالب مسرحي يرافقه عزف موسيقى من اختيار وتاليف الموسيقي عساف مسمح. العرض سيقدم يوم الأحد 17 أكتوبر 2010 على الساعة الرابعة عصرا على مسرح "روته فابريك" في مدينة زيورخ وسيكون متبوعا بورشة عمل يقوم من خلالها الممثلون الشباب مع المخرجة والموسيقي بتفعيل الجمهور والعمل معه ضمن مجموعات للتعبير عن رأيه بالموضوع المطروح من خلال الكتابة والرسم ومن ثم عرض بعض الأعمال على الحضور. وفي الختام، يمكن للمتفرجين متابعة النقاشات والتمتع بالمأكولات الفلسطينية التي ستقدم بالمناسبة. تضامن بين الفنانين يمكن القول أن مونولوجات غزة أشاعت جوا من التواصل والتعاون بين مجموعة من المسارح والفنانين ومنحتهم فرصة نادرة للتعارف وشكلت حالة من التضامن ليس فقط مع أطفال وشباب غزة وإنما بين الفنانين أنفسهم ظهرت في تعاونهم مع بعضهم البعض لإنجاح التظاهرة ومساندة بعضهم من خلال تبادل المعلومات والخبرات. فبحكم التقارب الجغرافي واللغوي نشأ مثلا تعاون بين مخرجة العمل المقيمة في سويسرا وقريناتها في ألمانيا المخرجة "ليديا زيمكة" و"أنجيلا فالديغ" في النمسا. وتعتبر المخرجة زيمكة المقيمة في برلين أن أهمية المشروع "تكمن في بساطة الفكرة وعمق المحتوى وبعد التأثير وخاصة بسبب انتشار المشاركة في بلدان عدة"، وهو أيضا "ملفت للإنتباه لأنه يُقدّمُ من وجهة نظر شبابية" على حد قولها. المشاركون الشباب في برلين - كما صرحت زيمكة ل swissinfo.ch "أبدوا استعدادا عاليا للمشاركة وشغفا لمعرفة حقيقة الوضع في غزة وخصصوا جزءا كبيرا من وقتهم للبحث والكتابة حول ما استخلصوه" وأضافت "إنهم يبدون اهتماما عاليا ورغبة في التضامن مع أهالي غزة ويستمتعون بالعمل لتميز فكرته فهو ليس عملا مسرحيا فقط وإنما له دلالة أعمق". في فيينا أيضا في العاصمة النمساوية فيينا، ستقرأ مونولوجات غزة من قبل المخرجة أنجيلا فالديغ وهي ناشطة في دعم القضة الفلسطينية وعضو في حركة "نساء في السواد" المدافعة عن الحقوق الفلسطينية والمناهضة للإحتلال الإسرائيلي. هذه القراءات المسرحية - التي ترجمة نصوصها فالديغ أيضا من الإنجليزية إلى الألمانية - سترافقها مقطوعات موسيقية ألفها "أندير أكاي" خصيصا لهذا العمل. وتقول فالديغ في حديث مع swissinfo.ch: "في فترة الحرب على غزة كنت باستمرار على اتصال مع المدرب المسرحي والمشرف على المشروع الآن في غزة علي أبو ياسين حيث تربطني به صداقة قديمة، لذلك كنت تقريبا داخل الحدث وأثر بي بعمق ولطالما أردت ترجمة هذه التجربة والأحاسيس في عمل مسرحي والآن جاءت الفرصة". أما عن الصعوبات التي اعترضت هذا المشروع، تُجمع المخرجات الثلاثة (في زيورخ وبرلين وفيينا) على أن التمويل هو المشكلة الأساسية حيث يبذلن جهدا كبيرالإنجاح المشروع وتأمين المستلزمات الأساسية للعمل المسرحي، غير أن العمل مع مجموعة كبيرة له صعوباته أيضا. في المقابل، يبقى القلق الإعتيادي لكل فنان حول كيفية تلقي الجمهور للعمل الذي سيُعرض عليه للمرة الأولى، وبالأحرى هل سيكون هناك حضور فعلا خصوصا وأن المسارح تشكو في البلدان الثلاثة من تراجع إقبال الجمهور على عروضها، فكيف سيكون الحال عندما يكون الموضوع شائكا كهذا؟ سؤال لن يطول انتظار الجواب عليه. المصدر: سويس انفو