الدكتور عبد الرحمن البر من سن أساتذتي، وإن لم أتشرف بالتتلمذ على يديه، وبيننا أرحام عديدة، أولها: رحم العلم، ثم رحم الأزهر، ثم رحم الدعوة، وهذه الأرحام توجب علي صلته، ومن أولى الصلات: النصح والإرشاد، موافقة أو مخالفة فيما يطرحه من رأي وفكر، وقد قرأت سلسلته التي جعل عنوانها: الانتخابات.. رؤية شرعية، وبخاصة ما طرحه في صدر المقال الثاني، وإني أخالف الدكتور البر في الجزء الثاني من مقالاته، والتي جعل أول عنوان فيها: في مقاطعة الانتخابات تعطيل لقواعد الشريعة، وما ساقه من أدلة، وليس خلافي معه في أن يكون له رأي يتبناه، فهذا حقه، ولكن خلافي معه على ما كتبه من عدة زوايا. أولا: لأنه أسبغ قصد أم لم يقصد على توجهه في القضية عباءة الشرع، بحكم أزهريته، وتخصصه في علوم الحديث، إضافة إلى عنوان المقالات نفسه الذي جعله: الانتخابات.. رؤية شرعية، وهو أمر له خطورته في تناول مثل هذه القضايا الشائكة، والتي غالبا ما يبني عالم الشرع رأيه بعد رأي أهل الخبرة فيه، ففي الطب تأتي فتوى الفقيه بعد قرار الطبيب، وليس قبله، وكذلك في السياسة، يرجع إلى أهلها، وهم يقررون المصالح والمفاسد، والإيجابيات والسلبيات، وعندئذ يخرج رأي الفقيه مستندا إلى تقرير أهل الشأن عملا بقوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) وأهل الذكر هنا: هم أهل التخصص في موضوع السؤال، والسؤال سياسي بحت، فأحق به وأولى أهله. ثانيا: أن مثل هذه المقالات التي يقحم أهل الشريعة أنفسهم فيها، وذات دلالات سياسية، تجعل الناس في حيرة من أمرهم، من تضارب أقوال أهل الدين، وهو ما يعيد للأذهان محاولات الحكام في استمالة علماء الدين لآرائهم، كما رأينا من قبل، وهو تناقض مرصود من قبل، فقد أصدر اتحاد علماء المسلمين من قبل بيانا وقت انتخابات العراق، بأن المشاركة فريضة، وخرجت هيئة علماء المسلمين بفتوى مضادة، بأن المشاركة خيانة، لأنها مشاركة في ظل احتلال للبلد، ووقف المواطن العراقي المسلم المسكين حائرا بين المشايخ، بين يوجب ويفرض، وبين من يحرم ويخوِّن، وهكذا توصم الشريعة عن جهل من الناس بأنها تثير الحيرة والبلبلة والتناقض في نفس المسلم، فتنقلب الشريعة بدلا من الهادية للناس من حيرتهم، إلى مصدر حيرتهم، وهو ما ليس صحيحا، والصحيح: أن تناقض أهل الشريعة، أو تسرعهم ودخولهم في قضايا باسم الدين هي التي تكون سببا في ذلك. ثالثا: يوحي النشر في هذا التوقيت للناس، بأنه موقف عام للإخوان، وهو ما يعد قفزا في باب إبداء الرأي، اللهم إلا إذا كان المقال يعبر عن رؤية صاحبه، أو عن فصيل في جماعة الإخوان، فكان حريا بالموقع أن ينشر الرأي الآخر، وأدلته الشرعية على المقاطعة، ووجوب المقاطعة أيضا، وهو ما لم يعدم أصحابه من أدلة شرعية أيضا، وهنا تحدث البلبلة عند الناس. رابعا: سيعطي انطباعات عند الناس بالمراوغة من الإخوان فيما يعلنونه بعدم الاستقرار بعد على قرار المشاركة، أو المقاطعة، مع الميل أكثر للمشاركة، وبين مقال يدلل على شرعية خوض المعركة الانتخابية، بل يحشد كما من النصوص والأدلة على أولوية المشاركة، وإثم المقاطعة. خامسا: أنه لا حاجة لعموم الإخوان، ولا لعموم الناس للمقال في هذه المرحلة أبدا، حيث إن المقال يؤصل لشرعية المشاركة في الانتخابات على وجه العموم، كوسيلة إصلاحية، وهو ما لم يعد أحد ينكر شرعيته، حتى جماعات العنف التي كانت تحكم بكفر من يشارك في مثل هذه البرلمانات، تغير رأيها، ولم تعد تحكم بكفر من يشارك، ولا بحرمة المشاركة، سواء شاركت أم لم تشارك، فمن المستفيد من مقال كهذا يركز على الجانب الشرعي، الذي لم يعد له أهمية الآن، ولم يعد هناك معارض له؟! سادسا: ما يمثله الدكتور عبد الرحمن البر، عند قطاع عريض من شباب الإخوان، وما يشاع عنه في الإعلام بأنه مفتي الجماعة، رغم عدم صحة هذا المنصب في الإخوان، وعدم وجوده أساسا فيها، فسيكون له ما له من تأثير، وله لما له من تداعيات، وله ما له من توهمات، عند العامة والخاصة، داخل الجماعة وخارجها. سابعا: سيجعل الإخوان في موقف المتلاعب بالدين، عند تغير رأيها، لو قررت ليلة الانتخابات مثلا الانسحاب والمقاطعة، فماذا تفعل جماعة إسلامية كالإخوان بالنصوص التي حشدتها يا دكتور عبد الرحمن، وجعلت المقاطعة إثما، والمشاركة واجبا شرعيا؟! كيف المخرج؟ فإن قاطعت تكون وقعت في إثم شرعي، وإن جاءت بمبرر وقتها للمقاطعة، كانت في نظر الناس كالتي نقضت غزلها. هذا ملاحظاتي على بعض ما ورد في مقال أستاذنا الدكتور عبد الرحمن البر، راجيا منه المراجعة في ضوء ملاحظاتي التي ذكرت، أو تصحيح ما ورد في كلامي، إن كان يراني مخطئا فيه، وعنده فيه وجهة نظر ورأي، يفيدني ويفيد القراء الكرام. [email protected]