فوجئنا بل صدمنا بما حدث عشية أمس من إلغاء زيارة وزير الخارجية الفلسطيني محمود الزهار إلى عمان وإرجائها إلى إشعار آخر، والحديث الموازي عن كشف مخطط لتهريب أسلحة من قبل حماس إلى الأردن. الحدث أكثر من مستهجن، والقصة أكثر من غريبة لا ينبغي أن تمر هكذا دون توقف. وهنا لا نكذب تصريحات الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، وفي نفس الوقت لا نؤكد ما اتهمت به حركة حماس, لكننا نغلب لغة العقل والتحليل، فنقول إن "إسرائيل" المستفيد الوحيد من توتر العلاقات بين الطرفين، وقد جن جنونها مؤخرا بسبب الأداء الدبلوماسي العالي والرفيع الذي أظهرته حماس، واستطاعت من خلاله لم شمل القلوب العربية على الشعب الفلسطيني، كما استطاعت بجدارة التغلب على أولى أزماتها، وذلك بفك حصارها الاقتصادي، فتقاطرت ملايين الدولارات من هنا وهناك على حكومة حماس التي حوربت اقتصاديا ومورس ضدها كل أشكال الحصار والتجويع. الجنون والنقمة الإسرائيلية ارتفعت وتيرتها أكثر، بالإعلان عن زيارة محمود الزهار إلى عمان الأقرب دائما والأكثر التصاقا بفلسطين وشعبها، فكانت محاولة الدس الرخيصة هذه بين الشعبين الشقيقين. وهنا تقفز مجموعة من الأسئلة التي تؤكد أن طرفا ثالثا دخل على خط العلاقة بين الأردن وحماس بغرض التشويه، وإلا فما مصلحة حماس أن تستهدف الأردن بأي عدوان أو إساءة، وهي الآن بأمس الحاجة لأي دعم عربي ؟ ولماذا تقوم بتهريب الأسلحة، وهي التي دخلت من أشهر في مرحلة سبات نضالي على الجبهة العسكرية، تفرغا لإدارة السلطة وللعمل السياسي. ثم لماذا تقوم بذلك في هذا التوقيت بالذات، وهي التي أوفدت وزير خارجيتها إلى العاصمة الأردنية. الصورة غير مكتملة ورائحة المؤامرة والفتنة والوقيعة بين الطرفين تفوح منها، ومثلما ندعو حماس لتوضيح موقفها الذي لا نشك في صدقه، ندعو الحكومة الأردنية كذلك إلى التريث وعدم استباق الأمور، كما ندعوها للمصارحة والمكاشفة وإعلان حقيقة أمر المخطط الذي تتحدث عنه الأجهزة الأمنية الأردنية حتى تتضح الصورة أكثر. عمان كانت على الدوام سندا وعونا لكل ما هو فلسطيني، وحماس التي نعرفها حق المعرفة لا يمكن لها أن ترد يوما جميل الملك الراحل الحسين بن طلال لقادتها بالإساءة . لكننا نضع النقاط على الحروف، ونتساءل مثلما يتساءل كثيرون: لماذا تم الكشف الآن تحديدا عن هذا المخطط بالتزامن مع زيارة الزهار، ولماذا لم يتم إرجاء الكشف عنه لحين انتهاء زيارته؟ وفي المقابل ننفي سوء النية المسبق أردنيا، فالمنطق يقول إنه لو كانت هنالك أي نية مسبقة لدى الأردن برفض استقبال الزهار لفعلت، ولو أن عمان رضخت فعلا لما يمارس عليها من ضغوط أمريكية لرفض التعاون أو التعامل مع حكومة حماس، لما أعلنت عن الزيارة أصلا، ولما وضعت نفسها في هذا الموقف الحرج. ومن ضمن المفارقات التي ينبغي الإشارة لها لنفهم الصورة بشكل أوضح، الإشارة إلى أن حماس عقدت هدنة طويلة الأمد وغير معلنة مع العدو المشترك للأردنيين والفلسطينيين على حد سواء، "إسرائيل"، فهل من المعقول أن تفتح جبهة على الضفة الشرقية أو كما يسميها البعض الرئة التي يتنفس منها الفلسطينيون. كان الأمر بحاجة إلى أكثر من مجرد المسارعة في الاتهام والخصومة، خاصة وأن لحماس حضورا قويا ومؤثرا في الساحة الأردنية، ولا يمكن للشارع الأردني أن يتقبل فكرة شروع حماس في توجيه سلاحها إلى غير العدو الأوحد "إسرائيل"، فهل يعقل أن توجهه إلى صدور الأردنيين؟ ولهذا كان رد فعل المراقب العام للإخوان الأردنيين سالم الفلاحات حادا وقويا، عندما اتهم الحكومة الأردنية باختلاق القصة، ورفض الاقتناع بما دار من أحداث. الأهم ما يحاول البعض قوله من أن أطرافا وتيارات داخل الحكومة الأردنية ودوائر صنع القرار، هي التي تحاول أن تقطع أي محاولة لإعادة العلاقات الأردنية مع حماس، على خلفية ما حدث قبل سنوات عندما أغلقت الحكومة آنذاك مكاتب حماس في الأردن وطردت قادتها. نعم ..تتعرض الأردن لضغوط مثلما تتعرض حماس أيضا إلى ضغوط، لكن مهما بلغت الضغوط على الأردن، فنحن على قناعة بأنها ستقف دائما إلى جانب الشعب الفلسطيني وتغلب مصلحته. والأردنيون اليوم مصدومون لما حدث، فوشائج العلاقة التي تربط الشعبين الأردني والفلسطيني أكبر وأعلى قيمة من أن تنتقص منها محاولات فتنة من طرف ثالث نجهله حتى اللحظة، ولكننا نتهم إسرائيل بالمصلحة. المصدر : العصر