أسئلة هامة تطرح نفسها بقوة على الساحة المصرية لماذا هذا التحول المفاجئ في أداء ولغة الكنيسة المصرية؟ لماذا هذا الهجوم الحاد والمصوب بدقة على احد أركان الإيمان الستة للمسلمين؟ ما هو السر وراء اختيار هذا التوقيت بالذات ؟ لماذا يصر البابا شنودة على الاستمرار في الهجوم وتجاهل ردة فعل الشارع المصري؟ أين الدور الحكومي في كبح جماح الكنيسة المصرية وتعديها على ثمانين مليون زائر من المصرين لمصر المسيحية!؟ وعلى مليارات المسلمين في العالم الذين أسيء إلى قرانهم الكريم؟ الامرجد خطير ، و يتطلب دقة وشمول قراءة أحداث ومشاهد الحياة خاصة عندما تأتى في محطات تاريخية فارقة من عمر المجتمع والأمة ، ومما هو معلوم من الدين بالضرورة مسبقا أن أحداث السياسية بالذات لا تأتى جزافا أو مصادفة ، ومن أراد أن يقرأها بدقة فليقرأها في سياقاتها الاستراتيجية الكبرى حتى يتمكن من كشف حقائقها وأسبابها. ففي التفاصيل وخاصة في عالمنا المعاصر مشغلة ومهلكة كبيرة وإبعاد متعمد ومستهدف عن فهم الحقيقة. لايمكن الفصل بين تجرأ الكنيسة وحماقتها بما صرحت به على لسان رجلها الأول والثاني وإصرارهم أكثر من مرة على ما أدلوا به لا يمكن الفصل بينه وبين المشهد العالمي والأقليمى وما يتضمنه من مشاهد افتراس لفلسطين وتقسيم للعراق والسودان ، واستنزاف موارد الخليج وليبيا ومحاولات لاستدراج السعودية لحرب في اليمن ، بالتأكيد هي سياسة الإجهاز على المنطقة وثرواتها ، وبدلا من أن يعي نصارى مصر المشهد ، ويساهموا في تعزيز الجبهة الداخلية المصرية والمساهمة في عودة مصر لقوتها ومكانتها وسابق عهدها لأداء دورها القيادي العربي وحماية المنطقة ، يذهب نصارى مصر إلى الخيار الأسوأ ، خيار استغلال فرصة مرض الرجل الكبير والمشاركة في محاولة الإجهاز عليه واقتطاع اكبر جزء ممكن من جسده وتركته . خيوط الواقع المصري متشابكة ومعقدة ولكنها واضحة لوضوح ألوانها وعبق رائحتها الضارب في أعماق التاريخ المصري الطويل. والأزمة الداخلية لمصر مزمنة ومستحكمة، بيد أن تصدير الأزمات الخارجية إليها مستمر وواضح مما يزيد خيوط الصراع ويعمقها مرحلة بعد أخرى. على المستوى الاقليمى يأتي المشروع الصهيو امريكى ومحاولة إتمام الفصل الأخير من القضية الفلسطينية بتهويد القدس وإغلاق ملفات حق العودة والأسرى والحصول على اعتراف وتوقيع السلطة، في وقت تعيش فيه الإدارة الأمريكية أزمة كبيرة في العراق وأفغانستان وإيران ، في هذا السياق تأتى سلسلة من الأزمات المفتعلة من النوع الايدلوجى الذي يتسم بالسخونة العالية والقابلية للتفعيل في أي لحظة ، فتصدر أزمة سب أم المؤمنين عائشة ردى الله عنها من باريس ، وتفعل، وتشتعل أزمة أخرى للنصارى في مصر ، هذا بالإضافة إلى أزمة لبنان الساخنة بطبيعتها ، وهكذا في عدة عواصم ومناطق لتنشغل الجماهير بهذه القضايا عن القضايا الأهم وليصبح الجو مهيئا لتمرير ملف فلسطين وملف تقسيم السودان من بعده. في هذا السياق تأتى سلسة متتالية من الاستفزازات المسيحية القوية في مضمونها ولغتها وتصويبها ، وعلى لسان ويد الرجل الأول والثاني للنصارى في مصر مما يعبر عن جدية هذه الاستفزازات ، والتى يمكن تفسيرها على أنها بداية استعراض للقوة ومحاولة لفرض سياسة الأمر الواقع والإعلان عن خريطة قوة جديدة في الواقع المصري ، حيث تقدم النصارى إلى مربع جديد قاموا فيه بفرض أنفسهم شريكا ولاعبا أساسيا في المعادلة السياسية المصرية بجوار الحزب الوطني والإخوان المسلمون خاصة وان النصارى مقبولون ومدعومون عالميا في حين أن الإخوان غير مقبولين أمريكيا. ولا يخفى على احد القوة الاقتصادية للنصارى في مصر بالإضافة إلى ما يتردد الأن بشأن ولم يتأكد منه من خلال اخضاع الأديرة للتفتيش قوة السلاح المخزن بالكنائس والأديرة ، مما يجعلهم مؤهلين الآن للانتقال من مربع الاستضعاف والمسكنة واللغة الهادئة الناعمة إلى مربع القوة والحدة والإعلان عن الذات والهجوم على الآخر. وفى ظل الواقع العالمي الجديد الذي يسمح بالتدخل الخارجي المتزايد والمستمر في الشأن الداخلي لدول الأطراف ، وانحسار دور الدولة لصالح القوى العالمية الكبرى من جهة ، ولصالح القطاع الخاص والقوى المدعومة سياسيا من الخارج في هذا السياق يحاول نصارى مصر استثمار هذه اللحظة التاريخية وتحقيق اكبر قدر من المكاسب على طريق تحقيق أحلامهم القديمة بالانفصال وإنشاء دولة مسيحية مستقلة . ولا يخفى على نصارى مصر أن النظام المصري يمر بأضعف مراحله خاصة وهو يحاول عقد سلسلة من الصفقات الداخلية والخارجية لتمرير ملف التوريث ، والذي يصب في مصلحة النصارى على المدى الاستراتيجي البعيد حين يتولى مصر رئيس ضعيف يمكن التلاعب به لتحقيق اكبر قدر من المكاسب الإضافية للنصارى. كما انه يفسر على انه محاولة جريئة لاستكشاف رد الفعل ، والجهات القائمة به والى اى مدى سيتفاعل ويمتد هذا الرد ، وما هي طبيعته ومكوناته وحجمه ، مما سيستخدم لاحقا في معطيات صناعة استراتيجية المرحلة القادمة للكنيسة المصرية. ( ذلك ما يدركه صانعو الاستراتيجية جيدا وذلك ما بدا جليا حينما اخذ البابا يتلاعب بالتصريحات تارة يعتذر ويطلب صفح المسلمين ، وتارة يعاند ويصر ويراوغ لتمديد الفترة وخلق حالة من استمرارا لازمة ولكن تحت السيطرة) في هذا السياق عقد نصارى مصر صفقتهم مع النظام المصري بقبول ودعم التوريث ، بل بالإضافة إلى تحول أقباط المهجر مائة وثمانين درجة من مهاجمة مصر إلى التسويق لملف التوريث في مصر ، والمقابل الذي سيحصل عليه النصارى غير معروف حتى الآن وهذا ما سوف تفصح عنه الشهور القادمة. وبهذا استثمر النصارى الواقع العالمي المتنامي مع مصالحهم ، والضعف الداخلي الذي يمنحهم فرصة التمدد المرغوب فيه عالميا من هنا كانت فلسفة اختيار هذا التوقيت بالذات قبل الانتخابات ، وقبل حسم ملف الرئاسة داخليا ، وإنهاء ملف فلسطين والسودان إقليميا. لاشك أن هذا يعد خيارا انتحاريا بالنسبة لنصارى مصر ، على المستوى التكتيكي والاستراتيجي سيخسر فيه الجميع وخاصة نصارى مصر. والسؤال الآن من يعيد نصارى مصر إلى رشدهم ؟ واحسب أن هذا السؤال لن يفيد مع الكنيسة المصرية ، فقد فات ميعاده ،فلن تستجيب لأحد تحت ضغط إحساسها العالي بالذات ، واغترارها بما لديها ، وبالاستقواء بالخارج ، وبضعف النظام وحاجته إلى دعمها في ملف التوريث ، بالإضافة إلى المناخ العالمي الملائم لتمددها في ظل الحرب العالمية المعلنة على كل ما هو اسلامى. ليس في هذا دعوة لاستخدام العنف ، مطلقا لا وألف لا فهذا ما نسال الله تعالى أن يحفظ مصرنا الحبيبة منه ، ولكن اطرح عدم جدوى فكرة المناشدة ، والحلول التسكينية الخادعة وإنما اتجه إلى القوة الفاعلة والقادرة على الحل الأمثل الذي سيجبر النصارى سلميا على العودة إلى رشدهم خاصة عندما يفتح لهم الباب للمشاركة المعلنة الواضحة وفق قواعد الديمقراطية الصحيحة مثلهم مثل كافة طوائف الشعب المصري على أساس المواطنة الكاملة ، ومن ثم لا يعد للغة الطائفية والعرقية مجال ، بعدما يأخذ الجميع حقه الكامل في المشاركة السياسية والحياة الكريمة بوجه عام لا أتحدث عن أوهام وخيالات ولكن أتحدث عن حقائق واقعية نفذها مهاتير محمد في واقع اشد سخونة وظلاما من الواقع المصري وعبر بماليزيا إلى نور التنمية وأفاق النهضة الحديث ودخل بماليزيا إلى عالم الكبار. يجب أن يوجه خطابنا إلى قوى الإصلاح والتغيير الوطني والتى يجب عليها أن تسارع بأداء دورها في تحمل مسئولية التغيير وسرعة خلع هذا النظام الضعيف الفاسد الذي يفتح على مصر كل يوم بابا جديدا من أبواب جهنم . كما نوجه خطابا آخر إلى الشعب المصري الأصيل بضرورة الوعي بحقيقة ما يدور وألا يستدرج إلى ما لا يحمد عقباه ، فالصبر الجميل وقد أوذي نبينا الكريم في اكثر من ذلك وصبر، ولكنه استمر يعمل للبناء والتغيير والإصلاح حتى أقام دولته العالمية العادلة الراشدة التي استوعبت الجميع . *استشاري تخطيط وبناء القيم