بالضبط مثلما كان يفعل مبارك في مراحل حكمه الأخيرة عندما يتعرض لإحراجات دولية بعد استمرار حالة الطوارئ يحكم بها لأكثر من ربع قرن ، فيجمع خبراءه في تفصيل القوانين وخاصة تلك المكبلة للحريات والمسهلة لخطوات الهيمنة القمع للمؤسسة الأمنية ، للبحث عن قانون بديل يعطي نفس سوءات الطوارئ ولكن يحمل اسما آخر ، مثل قانون مكافحة الإرهاب الذي فكر في إصداره في نهاية عصره ، الآن تفعل السلطة الحالية الشيء نفسه ، إنها متورطة في التزام سياسي محلي دستوري والتزام دولي بإنهاء الطوارئ يوم 14 الشهر الحالي ، ولا يمكنها مد الطوارئ بعدها إلا بعد استفتاء شعبي ، وهو أمر غير ممكن بطبيعة الحال ، كما أنه غير مضمون النتائج ، ولذلك يسارع حازم الببلاوي وبعض الحفريات القانونية المنحدرة من عصر مبارك ، مثل وزير عدله ، في إنجاز قانون التظاهر الذي هو في الحقيقة قانون لمنع التظاهر ، من أجل إحكام السيطرة الموهومة على الشارع الغاضب في الفترة المقبلة ، والأمر الذي يثير العجب والغضب فعلا أن هذه السلطة التي تعتبر انتقالية ، ويفترض أن تنتهي رسالتها خلال أشهر قليلة تريد أن تضع أخطر القوانين التي لا يمكن أن تخرج إلا من سلطة شرعية منتخبة من الشعب ومفوضة منه بشكل ديمقراطي ، من خلال برلمان وطني حقيقي ، فإذا كان الببلاوي وشلته يدركون أنهم راحلون بعد عدة أشهر ، فما معنى ما يفعلونه من خطط إجرامية لتكبيل المجتمع ومحاولة سحق قوى الثورة في الشارع خلال تلك الأشهر ، هل هذا سلوك شخص يعرف أو يسلم بأنه راحل بعد أشهر قليلة ، لم ينجح الببلاوي وحكومته في حل أي أزمة أو مشكلة في مصر منذ تولوا مسؤوليتهم ، بل الأزمات تتفاقم يوما بعد يوم ، ومع ذلك كل ما يشغلهم الآن ويجتمعون من أجله هو إصدار ترسانة قوانين بالغة السوء والإجرام ، سواء قانون منع التظاهر الذي أجمعت القوى الوطنية على رفضه وفضحه ، أو قانون عجيب آخر يجرم رسومات رمزيات الثورة على الجدران ويضع لذلك جزاءا بالسجن أربع سنوات ، وهي عقوبة أكبر من عقوبة القتل الخطأ ، وهذا من فرط الهوس والرعب الذي ينتابهم من غضب الناس واحتجاجات المواطنين على فشلهم وأخطائهم وخطاياهم . حكومة الببلاوي التي فشلت في تنظيم شارع واحد في وسط العاصمة ، واستسلمت تماما للبلطجية ، لأنهم "كاسرين عينيها" وتستخدمهم كمرتزقة لمواجهة مظاهرات المعارضة بلا استثناء ، استخدموها ضد الإخوان وضد 6 أبريل وضد التيار الثالث وضد ائتلاف ماسبيرو ، وسوف يستخدمونهم بكل تأكيد في أي استحقاقات انتخابية مقبلة ، حكومة عاجزة عن بسط سيطرتها على شوارع وسط العاصمة التي تشهد فوضى غير مسبوقة وغياب لفكرة الدولة من أساسها ، ثم تفكر نفس الحكومة في قانون لمنع التظاهر أو تنظيم التظاهر ، يا أخي نظم شارع واحد فقط ثم تعالى حدثنا عن تنظيم التظاهر ، على كل حال ، هذا الاستعجال والحمق في البحث عن تكبيل الناس وتقييد الحريات بألاعيب وحيل يصفونها بالقوانين وهي مجرد قرارات يصدرها سلطة لم ينتخبها أحد ، وإنما فرضت بقرار عسكري ، أقول : هذا الاستعجال ربما يكون من ثمراته استعجال الشعب في إسقاط هذه اللعبة السخيفة ، والبحث عن مستقبل أرشد للوطن والثورة بقيادات وأفكار وليدة الثورة ، وليست من تراث النظام الذي ثارت عليه الثورة أساسا ، فقد عاش مبارك طوال حكمه بالطوارئ ومع ذلك فشلت الطوارئ ومنظومة القوانين القمعية في حماية نظامه أمام غضب الشعب عندما تفجر ، ولكن الطغاة ، الصغار والكبار ، لا يتعظون عادة .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. twitter: @GamalSultan1