فى 11 يونيو 1882 ، وفى شارع "السبع بنات" بالاسكندرية ، اختلف مالطى ومصرى علي أجرة ركوب حمار ، فما كان من المالطى ، وكان من رعايا الحكومة الإنجليزية ، إلا أن طعن المصرى وفر هارباً ، فنشبت مشاجرة عنيفة بين المصريين والأجانب سقط فيها عشرات الضحايا من الطرفين ، وانتقلت وقائعها من شارع "السبع بنات" الى بقية شوارع المنشية والهماميل والمحمودية والضبطية ورأس التين والإبراهيمية وهي الشوارع التي كان يسكنها الأجانب وقتها . استغل الانجليز هذه المعركة وتبعاتها وأعلنوا تدخلهم فى مصر تحت ذريعة "حماية الأجانب" ، وقاموا صباح الثلاثاء 11 يوليو 1882بضرب الاسكندرية بمدافع بوارجهم الراسية على شواطئها منذ 19 مايو 1882 !! ، فدكوا حصونها ودفنوا عشرات المصريين تحت أنقاضها ، ثم انتقلت المعارك الى كفر الدوار ومنها الى التل الكبير ، لينهزم الجيش المصرى وقائده أحمد عرابى بسبب عدة عوامل أهمها خيانة بعض المصريين ، بكل أسف ، كان على رأسهم "سعيد الطحاوى" و"على يوسف الشهير بخنفس باشا" وغيرهم ، ولتسقط مصر تحت سيطرة النفوذ البريطانى فى 15 سبتمبر 1882 تحت ذريعة "حماية الخديو وحقوق الأجانب والمصالح الأوروبية" فى مواجهة ما سموه بالعصيان المسلح من الجيش المصرى ! ، تلاه فرض الحماية رسمياً على مصر فى نوفمبر 1914 وحتى 28 فبراير 1922 ، ثم توقيع النحاس باشا لمعاهدة 1936 فى 26 اغسطس من نفس العام ، ثم الغائه لها واعلانه الكفاح المسلح ضد الانجليز فى 15 أكتوبر 1951 ، ثم توقيع جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وعبد اللطيف البغدادى وصلاح سالم ومحمود فوزى ، ممثلين عن مصر ، لاتفاقية الجلاء فى 19 اكتوبر 1954 ، ثم رحيل آخر جندى بريطانى عن أرض المحروسة فى يونيو 1956 ، معلناً انهاء ما يزيد عن السبعين عاما من الاحتلال الانجليزى الذى بدأ تحت ذريعة "حماية حقوق الأجانب" !!! . دارت بخلدى تلك الأحداث بمناسبة ذكرى الثورة العرابية 9 سبتمبر 1881 التى كان من أسبابها تردى الأحوال الاقتصادية وتدخل الأجانب فى شئون مصر وجيشها ، واستحضرت ذلك التاريخ الطويل عند متابعتى للتصريحات "النارية" ، غير الموفقة فى رأيى ، التى أطلقها الدكتور شوقى السيد ، المستشار القانونى لمجموعة طلعت مصطفى ، على خلفية حكم الادارية العليا ببطلان عقد "تفريط" هيئة المجتمعات العمرانية فى أرض منطقة "مدينتى" ، ونشرت عن لسانه فى صحافة الأحد 19 سيتمبر 2010 ، والتى هدد فيها ، عافاه الله وعفاه ، باللجوء إلى التحكيم الدولى لتحميل الحكومة المصرية مسؤولية أخطاء العقد ، وضمانا لحقوق المستثمرين والحاجزين من الجنسيات الأجنبية ،أى "حماية حقوق الأجانب" ! ، كذلك تأكيده ، هداه الله ، على أن مصر مدرجة ضمن الدول التى لا تحترم تعهداتها ، وأن الحكومة هى المسؤولة عن الخطأ فى العقد ، وأنها ستواجه مطالبات بمليارات الجنيهات كتعويضات فورية للمساهمين الأجانب ، حسب ما جاء فى تصريحاته التى صبت كلها فى صالح أولئك الأجانب !!! مع ملاحظة أنه محامى مصرى عن الشركة المصرية وليس عن الأجانب !!! ولا أخفيكم مدى "الغثيان" الذى أصابنى بعد متابعتى لتلك التصريحات التى ليس لها مناسبة أو سبب أو مبرر بأى حال ، اللهم الا استعادة التاريخ واستخدام فزاعة "حماية حقوق الأجانب" لارهاب آخر الرجال المحترمين بالدولة ، بعد أن فشلت فزاعة "الحفاظ على المستثمرين ، والاقتصاد لا يتحمل" أو ما شابه فى تحقيق المآرب غير الخفية من وراء ذلك ! ، خاصة واننى على المستوى الشخصى لا أتفق مع منطق اعفاء الشركة التى يمثلها الدكتور شوقى من مسئوليتها فى فساد العقد ، بل اننى لا اعفيه هو شخصيا ان كان قد أشرف بطريق أو بآخر على تحريره ، فالمعروف أن مثل هذه العقود الكبيرة تحتاج الى مفاوضات واتفاقات و"تربيطات" بين طرفيها ، خاصة وحالتنا عبارة عن عقد ضخم بالأمر المباشر وليس عن طريق المزايدة العلنية كما يشترط القانون ! لذلك فالمسئولية تقع على الجميع ، وان كان ثمة نية لمحاسبة الذين أفسدوا العقد وأهدروا المال العام ، فيجب كذلك محاسبة الذين أفسدوهم أو حرضوهم على الفساد ! وأظن أن ترسانة القوانين المصرية الهائلة فيها ما يكفل تكييف الاتهام ومحاسبة أطرافه أو تبرئتهم وتحقيق العدل المنشود ، رغم أن المتوقع اعتبار الأمر برمته مجرد "خطأ ادارى سيتم تصحيحه" كما صرح السيد رئيس الوزراء ، ربما سيكون ، كما أظن ، بتحميل الشركة مبالغ اضافية ستقوم بدورها بتحميلها على الحاجزين ، وكلهم بارك الله فيهم من القادرين ، كذلك سَلّ الرجل الحصين والركن المكين المهندس محمد إبراهيم سليمان كالشعرة من العجين كما هو معتاد ، اذ يبدو انه يعلم الكثير من الكلام غير المباح ، ويحتفظ لنفسه بالكثير من الأسرار التى تحميه من المسائلة فى كل واقعة أو مصيبة تسبب فيها طوال فترة وزارته ، حتى الان والى أحد الأجلين .. أجل الوزير السابق أو أجل المنظومة برمتها ! السؤال الملح الآن ، والذى سبقنى اليه استاذى "محمد على خير" فى مقال أخير .. وماذا عن صحة عقود بقية الأراضى المباعة بخساً أو نهباً ؟ ، بداية من أراضى سيناء ، الى أراضى وسط القاهرة وميدان التحرير ، الى الساحل الشمالى ، الى غرب الاسكندرية حيث أراضى مدينة برج العرب وأراضى منطقة "الاسكندريةالجديدة" على محور التعمير التى تحولت الى منتجع "مليارى" تم منحه بطريقة ما الى شركة واحدة حيث لا مكان الا لأصحاب المليارات ! ، مرورا بالحقيقة الغائبة فى أرض فندق "سان ستيفانو" القديم بالاسكندرية ، الى الغردقة والبحر الأحمر ، الى كفر الشيخ وأراضيها الساحلية على الطريق الدولى وبحيرة البرلس ، الى جمعيات استصلاح الأراضى المزعومة ، الى المساحات الشاسعة التى استغلت لغير غرض الاستصلاح والزراعة لعشرات الشركات بطريق القاهرةالإسكندرية الصحراوي وبقية مناطق الدولة ، والتى تحولت إلى منتجعات سياحية وقصور وبحيرات صناعية وملاعب جولف وصالات بولينج وغيرها كما قال المستشار جودت الملط ، الذى حدد مساحة هذه الأراضى ب 2.4 مليون فدان ، بإجمالي مبالغ قدرت فى 2009 ، وفقا للهوى ، بمبلغ 8.6 مليار جنيه حسب أسعار عام 2006 !!!!! ، وبمبلغ 86.6 مليار جنيه حسب أسعار 2009 !!!!! أي أن الفارق يزيد على 78 مليار جنيه خسرتها الدولة ! ، ولما أرادت الحكومة ممثلة فى وزير الاستثمار ، محمود محى الدين ، تصحيح الوضع ، وليس تصحيح سعر البيع ، ومعاقبة تلك الشركات المخالفة على تحويل الأراضى لغير غرض الزراعة ، قامت بفرض غرامة "قاصمة" على المخالفين قيمتها 2000 جنيه مصري للفدان أي ما يعادل 47 قرشا للمتر المربع !!! ، ثم وامعاناً فى العقاب والاذلال والتنكيل بالمخالفين وقصماً لظهورهم ، قرر الوزير محى الدين .. "الدولى" تحصيل تلك الغرامة ، "المتعنتة المبالغ فيها" ، بالتقسيط المريح على خمس سنوات !!! ، وأصدر من القرارات المحصنة ما يمنع مطالبة المخالفين بأي غرامات أخرى مستقبلا وفقاً للقانون !!! السؤال الآن .. تُرى هل ستقوم النيابة العامة باعادة فتح التحقيق فى قضية "مدينتى" حسب الحكم الأخير بعد أن قامت بحفظه فى 29 اغسطس 2010 قبل أيام من صدور حكم الادارية العليا ، على أساس أنها "لم تبحث مدى ما إذا كانت عملية البيع سليمة من الناحية الإدارية من عدمه" كما صرح النائب العام ؟ فما فحصته النيابة ، ثم أمرت بحفظه ، كان بلاغا من 45 نائبا برلمانياً ضد الوزير السابق ، بينما جاء حكم الادارية العليا استكمالا لدرجات التقاضى فى دعوى أقامها أحد المواطنين الشرفاء هو المهندس حمدى الفخرانى ، الذى بالمناسبة اقام دعوى جديدة يوم 19 سبتمبر الجارى ضد كل من رئيس مجلس الوزراء ووزير الإسكان ورئيس هيئة المجتمعات العمرانية بصفتهم ، بخصوص بيع الهيئة مساحة 966 ألف متر بالقاهرةالجديدة بالأمر المباشر لشركة "بالم هيلز" بثمن بخس قدره 250 جنيها للمتر ، وبالتقسيط على 5 سنوات ، وفائدة 0.5% تبدأ من السنة الرابعة ، وهى الشركة التى يملك أحمد المغربى وزير الإسكان حصة فيها بالمخالفة لنص الدستور الذى يحظر على الوزير أن يستفيد من أموال الدولة أو أن يشترى أرضا أثناء فترة وجوده بالوزارة !!! أظن أنه يجب وضع آلية شعبية محددة للتضامن مع الرجل المحترم المهندس حمدى الفخرانى بعد أن تركته الأحزاب الكرتونية ومن يسمون أنفسهم بالقوى السياسية على اختلاف أطيافهم وطوائفهم ، وحيدا دون دعم ! وبالمناسبة ، هل عرفتم الآن لماذا أصبح سعر "الطماطم" ثمانية جنيهات للكيلو ، مع ظاهرة اختفاء "الجرجير" ؟!!! ضمير مستتر: { قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } الأنعام135 [email protected]