جمال سلطان عندما قابلت ضيفي العربي الذي زار القاهرة مؤخرا ولم أره منذ فترة طويلة ، كانت أول كلمة نطق بها في وجهي : ما هذا الذي يفعلونه بالقضاة ، هذا جنون ! ، وأعتقد أن هذا الوصف قد لخص لي تلك الإجراءات المتوالية التي تتخذها السلطة في مصر ضد القضاة ورموز العدالة ، في محاولة مستميتة لتركيعهم وإخضاعهم حتى لا يكونوا شوكة في ظهر المشروع الرئيسي الذي يتم إعداد البلد له ، والذي يعلمه الناس جميعا في بر مصر ، هناك قناعة تامة لدى قطاعات كبيرة من النخبة المصرية بأن عمليات تركيع القضاة ولو باستخدام القمع المؤسسي ، هي جزء من حملة " تكبيل " مصر ومؤسساتها وقواها الشعبية والحزبية من تمهيدا لذلك المشروع ، وضمانا لعدم وجود أي معوقات طارئة يمكنها أن تعوق المشروع " المبتسر" ، وأخطر تلك المعوقات سيكون القضاة ، لأن المشروع قد انتهى السيناريو الأخير له على أساس أن يكون ثمة انتخابات ولو شكلية ، وإذا تمت الانتخابات في ظل التوازن الحالي والفراغ الحالي فإن التزوير سيكون سهلا للغاية ، مهما كان هناك من اتهامات ومشكلات جانبية ، أما إذا نجح القضاة في فرض قانون السلطة القضائية الجديد الذي يضمن الاستقلالية التامة ، ويخرج رموز العدالة من تحت سيف المعز وذهبه ، فإن ذلك المشروع من المؤكد أنه سيكون فاشلا ، أو في مهب الريح ، أو غير مضمون على الإطلاق ، ولذلك كان لا بد من تركيع القضاة بأي شكل وبأي ثمن ، ومهما كانت سيناريوهات التركيع فاضحة ومفضوحة وعارية تماما أمام الرأي العام المحلي والدولي ، حيث أن معركة تركعيهم تستحق هذا الثمن الفادح من وجهة نظر سدنة المشروع "المبتسر" ، السلطة في غيها لم تعبأ بأن تورط بعض القضاة في سباب علني لزملائهم قادة الإصلاح ورموز الوطن بأنهم " خونة" وأنهم " الفئة المارقة " ، بل وصل الحال بوزير العدل إلى إحالة قضاة الإصلاح إلى المحاكمة أمام هؤلاء أنفسهم الذين اتهموهم علانية بأنهم خونة وفئة مارقة ، وهذا يدلك على أحد أهم أسباب فقدان الأحكام ذات الطابع السياسي في مصر لأية مصداقية أمام الرأي العام المحلي والدولي ، لا أحد في العالم يحترم القضاء المصري ، لا أحد في العالم يقتنع بأن الأحكام التي صدرت ضد سياسيين سابقين أو حاليين في مصر كانت تمثل أحكام قضاء حقيقية ، وإنما مسرحيات ، لأن إحالة خصمك السياسي أمام قاضي أنت تعرف ولاءه المطلق والمسبق للسلطة وبصورة فاضحة ومفضوحة ، يعني أنك لا تريد محاكمة ولا عدالة ، وإنما تريد إخراج مسرحية منسوبة إلى شكل قضائي ، وهاهي السلطة تعطي البرهان العملي كل يوم للعالم كله على تحويلها القضاء إلى لعبة ومسرحية ، باختصار شديد ، معركة القضاة اليوم هي معركة الوطن كله ، وعلى الوطن كله أن يقف إلى جوار رجال العدالة ، أمل مصر في مستقبل أفضل وأكثر عدلا وحرية ، على الجميع أن يتضامن بالموقف ، بالدعاء ، بالرسائل إلى المؤسسات الدولية الحقوقية والقضائية ، بالتظاهر ولو الرمزي أمام المؤسسات الدولية في العواصم العالمية المختلفة ، ببرقيات النداء للعالم ومؤسساته الحقوقية والقضائية والبرلمانية بأن يتضامن مع الشعب المصري لوقف مذبحة العدالة في مصر ، بالاستجابة الفورية لنداء رئيس نادي القضاة بالحضور والتضامن مع القضاة يوم محاكمتهم ، هذه ليست معركة قضاة الإصلاح وحدهم أيها الناس ، هذه معركة الوطن كله ، ومفتاح المستقبل أيضا . [email protected]