حلقة برنامج باسم يوسف أمس أحدثت صدى هائلا في مختلف الأوساط الاجتماعية والسياسية والشعبية ، فباسم تحول بالفعل إلى ظاهرة مصرية ، يستطيع أن يشاهدها ويتمتع بها النخبة ، وأيضا يستطيع أن يشاهدها ويتمتع بها العامة والأوساط الشعبية ، أيضا يلعب باسم في مساحات السخرية اللذيذة ، وهي قطاع فني واقتصادي مضمون النجاح إذا كان من يعمل به موهوبا ، وسوقه رائجة في بلد مثل مصر ، وتزداد جاذبية هذه البرامج في الأوقات التي يعاني منها الوطن والمواطن وتتوه الحقائق وتضغط الحياة على الإنسان في كل تفاصيلها ، فتكون الكوميديا السياسية هي المنفذ لراحة البال وتفريغ الهم ، وحلقة الأمس كانت لها حساسية خاصة جدا ، لأنها الحلقة الأولى في البرنامج في ظل النظام الجديد ، وبعد إسقاط حكم الدكتور محمد مرسي ، حيث ترددت أنباء عديدة في الأشهر الماضية عن صعوبات في عودة البرنامج وأنه ربما لن يعود أبدا ، وخاصة أن مالك القناة "محمد الأمين" أحد أبرز داعمي السلطة الجديدة ويعتبر على نطاق واسع ذراعا إعلامية متناغمة مع المؤسسات داخل مصر ولها تشعبات خليجية ، وزاد من تلك الشكوك تأخر البرنامج كثيرا عن العودة ، دون أن يكون هناك أي مبرر معلن أو مفهوم لذلك سوى التردد والقلق والحوارات العصيبة التي جرت قبل الوصول إلى اتفاق على ظهور البرنامج من جديد ، وهي الضغوط التي ربما أشار إليها باسم نفسه في ختام حلقته بطريقة ذكية عن يد تخرج له من تحت الطاولة لتفرض عليه أوراقا وأفكارا معينة لكي يقدمها ، كما تحاول إسكات صوته إذا تكلم بكلام يفهم منه أنه ينتقد أداء السلطة الجديدة . باسم يوسف موهوب ، وبرنامجه ممتع بكل المقاييس ، وناجح مهنيا بكل المقاييس ، ولغة الأرقام لا تكذب ، فلا يوجد برنامج مصري آخر يستقطب ثلاثين مليون مشاهد في مصر والعالم غيره ، ولا يوجد برنامج مصري يحصد هذا الحجم من الإعلانات التي تكاد تصل إلى نصف مدة البرنامج رغم مخالفة ذلك للقواعد إلا هذا البرنامج ، ولا يوجد برنامج يحقق صدى هائلا في كل الأوساط وردود أفعال إعلامية بهذا الحجم سوى برنامجه ، ولا يوجد برنامج آخر في مصر يهدد أعلى رأس في الدولة سابقا وحاليا ويزعجه بشدة إلا هو ، فما هو النجاح إن لم يكن ذلك هو النجاح ، تستطيع أن تنتقد في البرنامج استدراج باسم لاستخدام إيحاءات غير لائقة أحيانا ، أو ألفاظ ربما لا تقبلها الأسر المحافظة ، لكن في النهاية لا أحد يلتفت إلى هذه الفلتات إلا من ساءه رسالة البرنامج السياسية ، فيخفي أسباب غضبه الحقيقية في الستارة الأخلاقية ، وأما من رضي عن الرسالة السياسية فغالبا لا يتذكر أي انتقادات من هذا النوع ، وكان مثيرا للدهشة أن أنصار الفريق السيسي الذين غضبوا من حلقة أمس غضبا شديدا حاولوا تأويل غضبهم الكبير بتأويل أخلاقي ، بدعوى أنه يستخدم ألفاظا غير لائقة وإيحاءات جنسية ، وكأنهم أصبحوا حراس الفضيلة ، وأن ما ضايقهم من البرنامج هو الجانب الأخلاقي وليس انتقاده لمهاويس السيسي أو تحويل هوجة تأييده إلى كوميديا ضحك عليها الملايين ، وهو الأمر الذي اعتبر أنه يهدد طريق السيسي إلى الرئاسة ، بل ويهدد مستقبله بالكامل . حلقة أمس ضايقت الجميع ، أنصار مرسي وأنصار السيسي ، لكنها أضحكت ملايين المصريين الذين لم يحسموا أمرهم ، مع هذا أو ذاك ، ووضح أنهم غالبية شعب مصر ، أيضا جاءت ردود فعل بعض الجنرالات هستيرية أكثر من اللازم وتحتاج إلى تفسير ، مثل هجوم اللواء سامح سيف اليزل على باسم واتهامه بتعريض الجيش للخطر وأنه يخدم الإخوان المسلمين ببرنامجه وكلام طويل عريض من هذه النوعية ، وهو يؤشر لضيق صدر السلطة الجديدة من النقد أكثر من ضيق صدر من سبقه ، كما يؤشر إلى توتر شديد بين أوساط داعمي السلطة الجديدة وارتباك وإحساس دائم بالخطر والقلق ، كما يؤشر ربما إلى ضغوط عنيفة قد تتعرض لها مصالح محمد الأمين خلال الأيام المقبلة لتحجيم باسم .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. twitter: @GamalSultan1