لم تكن مصادفة أن تعلن الكنيسة الأرثوذكسية منذ عامين عن هروب البابا الموازي الأنبا مكسيموس إلى أمريكا والإساءة إليه، بالتزامن مع أحداث عين شمس الطائفية يوم الأحد 23 نوفمبر 2008. مكسيموس ليس فقط مصلحا دينيا كبيرا، يحمل مشروعا طموحا للتوسعة على الأقباط، ضد "التشدد" الذي مارسته عليهم كاتدرائية العباسية زهاء ثلاث عقود، خلفت أكثر من 300 ألف أسرة قبطية محطمة، وكما ورد في كتاب "طلاق الأقباط" للصحفية القبطية كريمة كمال، أو أكثر من مليون أسرة كما تقول بعض مواقع الأقباط بالمهجر. لقد شرع مكسيموس في إنقاذ الوجود الأرثوذكسي الوطني من الاختفاء التدريجي، بسبب الانقلاب الذي قادته السلطات الكنسية المصرية التي اعتلت الكرسي البابوي عام 1971، على تراث البابا كيرلس السادس وغيره من البطاركة، والذين أجمعوا على جواز الطلاق ل"تسع أسباب"، فيما جاء البابا شنودة ليختزلها في سبب واحد وليغلق باب الرحمة في وجه الأقباط! لقد حاولت كريمة كمال في كتابها "المؤلم" أن تبحث عن إجابات لأسئلة الباحثين عن "الرحمة" والإحساس بهم باعتبارهم "بشرا" لا محض جماد ميت، إذ تساءلت: ماذا تفعل امرأة قام واقع لا تستطيع احتماله ولا تستطيع التخلص منه وإنهاءه؟ ماذا تفعل المرأة أمام علاقة باتت مستحيلة ولا تعزز كل يوم سوي العذاب والشقاء والدموع؟ لقد فتح هذا التشدد بابا واسعا، للتحول من الأرثوذكسية إلى ديانات وملل وطائف أخرى، هذا ما أكدته كريمة كمال في كتابها، وهو ما استشعر خطره البابا مكسيموس، ولقد أحصى الأخير نحو 50 ألف حالة تحول سنويا، ما يعني الأفول التدريجي للوجود الوطني الأرثوكسي في المستقبل القريب! هذا التدهور كان بحاجة إلى شخصية جسورة قادرة على التحدي وتحمل مشقات وتبعات المطاردات الكنسية المتوقعة، سيما وأن تراث هذه المطاردات مكتظ بما يثير الرعب ويردع المخالفين عن أمر الكنسية، والتي بلغت مبلغ الشلح والتكفير وعدم الصلاة عليهم بعد الموت. يحسب للأنبا مكسيموس أنه فتح باب الرحمة مجددا أمام المعذبين من الأقباط، واجتهد في إعادة الكنيسة الأرثوذكسية إلى إنسانيتها الأولى واتباعها سبيل الرفق واللين بالإقباط باعتبارهم بشرا. مكسيموس هو رجل الدين الأبرز، الذي كشف خطورة "نصرنة" واجهة مصر المعمارية، من خلال التمدد الخرساني الكنسي غير المشروع، ودوره في استفزاز مشاعر الكراهية، والتحرش بالمسلمين.. مكسيموس نفسه كشف عن أن أكثر من 60% من الكنائس بنيت بدون تراخيص رسمية! ولا يمكن أن تكون هذه الكنائس غير المشروعة، قد بنيت بمبادرات شخصية من عوام الأقباط، أي من وراء ظهر الكنيسة الأم في العباسية، بل إن الأخيرة طرف أصيل في صناعة الأزمة والصدمات الطائفية المتتابعة. قيمة مكسيموس الحقيقية أنه يمثل الوجه الآخر، الذي يضيئ المساحات المظلمة فيما يتعلق بعلاقة الأقباط بالدولة من جهة وبالكنيسة من جهة ثانية وبالمسلمين من جهة ثالثة، وسيأتي اليوم الذي سيندم فيه الجميع: أقباط ودولة ومسلمون على تخليهم عنه وعن مشروعه الوطني الواعد. [email protected]