وإذا كان الانقطاع للكهرباء الذى تم اللجوء إليه باعتباره حلا مؤقتا يشير إلى " تقصير " حكومى واضح لم يتحسب اتجاهات النمو والتطور ، فيمضى مبكرا فى مشروعات للاستغلال السلمى للطاقة الذرية ،ومنها توليد الطاقة الكهربائية ، التى سبق أن بدأنا خطوات التفكير فيها منذ أواخر خمسينيات القرن الماضى ، ثم أصيب الجهد بسكتة غبية ، عقب حادث تشرنوبل عام 1986 ... نقول إذا كان استيقاظنا اليوم فجأة من حيث ضرورة إحياء مشروع مصر القومى للطاقة الذرية ،وهو الأمر الذى سوف يستغرق عدة سنوات ، فإن الحالة المجتمعية والمعيشية لا تستطيع أن تنتظر، لأننا يمكن أن نغرق أوقاتا أطول وأكثر العام القادم فى الظلام ، فهل هناك حلول سريعة يمكن الاعتماد عليها ؟ لست متخصصا للإفتاء فى الإجابة عن هذا السؤال ، لكن هناك حل طرحه البعض ،وهو منطقى وبسيط وطبيعى ،ومع ذلك ، لا أدرى حقا ، ما الذى يحول بيين الحكومة وبين الأخذ الفورى به ؟ إننا كثيرا ما نتغنى بما عليه الدول الغربية من تقدم ،ونهرول لتقليدها فى كثير من الأمور المهم منها وغير المهم ، أفلم يلفت نظر أحد من المسئولين أن المحلات والأسواق التجارية تغلق أبوابها فى الساعات الأولى بعد الغروب ، فى الوقت الذى تبدو فيه هذه المحال والأسواق فى مصر مستمرة إلى ما بعد منتصف الليل ،وربما حتى الساعات الأولى من الصباح ، لتعيد بدء العمل قرب الظهر ؟ لماذا لا نتذكر سنة الله فى كونه وفى خلقه كما قرر فى قرآنه المجيد من أنه جعل الليل لنا " لباسا " وجعل لنا النهار " معاشا " ؟ فتش بنفسك فسوف تجد الكثرة الغالبة من الأسواق لا تبدأ عملها قبل الحادية عشر صباحا ، فكيف بالله علينا نهدر – مثلا – الفترة من 8-11 صباحا ، حيث الطاقة النورانية الربانية متوافرة بين أيدينا ، بغير رسوم ولا مصروفات ،فهى مجانا لوجه الله ! ليقم أحد الخبراء بحساب تكلفة هذه الثلاث ساعات الضائعة من حيث استهلاك الطاقة النهارية المجانية الربانية ،والإقبال على ساعات أخرى فى الليل نستهلك فيها الكهرباء وما يترتب عليها من تشغيل أجهزة وما تنتجه من تلوث ؟! وعلى هذا ، فلماذا لا يصدر قرار بعدم السماح الاستمرار فى المحلات التجارية و"المولات" إلى ما بعد التاسعة مساء أو حتى العاشرة ، بدلا من " تظليم " الحياة على الناس فى البيوت وتحويل حياتهم إلى جحيم ؟ وفى الوقت الذى تصرخ بنا وزارة الكهرباء بترشيد الاستهلاك ، إذا بأجهزة الإعلام الرسمية تهجم على ملايين الناس فى شهر رمضان بفيضان لا مثيل له فى التاريخ ، بكم من المسلسلات والبرامج المسلية الترفيهية ، لا نريد أن نحاسب هذا السفه بمعيار دينى وأخلاقى حتى لا يتهموننا بالتشدد ( هكذا جاء اليوم الذى أصبح فيه التدين تهمة يخاف الإنسان من أن يٌُتهم بها ،ولا حول ولا قوة إلا بالله ) ،وإنما نقيس الأمر بمعيار اقتصادى بحت ، أفلا تسرى صرخة وزارة الكهرباء على هذا الفيضان من المسلسلات ؟ تصور لو أن أجهزة الإعلآم خففت برامجها من وقت إعلان صلاة العشاء حتى انتهاء صلاة التراويح ، أفلا يخفف هذا من استهلاك الطاقة ، وفى الوقت نفسه نقترب فيه من الله ،ونؤدى واجبا رمضانيا مهما ؟ وبناء عليه ، أى وصف يمكن أن تصف به حكومتنا بالذكاء أم بالغباء ؟!! والتساؤل نفسه الذى يسمح باستمرار مثل هذه الحكومة ؟!! وهكذا قس الأمر عندما ترى آلافا من المواطنين يتقاتلون للحصول على سلع أخرى مختلفة من بنزين أو رغيف أو ماء للرى أو للشرب .. بل وتلوح فى الأفق بوادر كارثة عظمى ، نسأل الله أن يجنبنا إياها ، فروسيا ، والتى هى المصدر الأساسى لنا فى استيراد القمح أوقفت التصدير ،ومصر ثانى أكبر دولة فى العالم استياردا للقمح بعد اليابان !! وعلى الرغم من التصريحات الوردية التى نسمعها من الحكومة ، من أن لدينا مخزونا من القمح يكفى الاستهلاك عدة أشهر فإن الثقة بيننا وبينها لا نذهب فى التشاؤم لنقول أنها معدومة ،وإنما نقول أنها ضعيفة ، فذكرى طوابير التقاتل للحصول على رغيف خبز لم تبرح بعد ذاكرتنا ، حيث كانت منذ ما يقرب من عام أو يزيد بقليل . إن قيمة الخبز فى الحياة لا تحتاج إلى جملة واحدة يكتبها كاتب ،ومن ثم فإن أى نظام يضع نصب عينيه أن القمح هو سلعة استراتيجية تقاس أهميتها والتحسب لها بما لا يقل عنه فى أمور الحرب والسلاح والاستقلال والاحتلال ،ومن ثم تحرص دول كثيرة على أن تكفى نفسها من إنتاج القمح ، فهل نسير على الطريق نفسه ؟ الكاتبة الوطنية الرائعة سكينة فؤاد ، فى برنامج " مانشيت " على قناة " أون " ليلة الجمعة 20 من أغسطس 2010 تنقل لنا معلومة خطيرة ، لا أدرى كيف تمر هكذا ..؟! مجموعة عمل مصرية سودانية درست وفحصت وقررت مشروعا يجعل من مصر والسودان ودولا أخرى عربية وإفريقية يمكن أن تكفى نفسها تماما من إنتاج القمح ، ثم إذا بمقر مجموعة العمل هذه فى جاردن سيتى بالقاهرة تفاجأ بمجموعة أمنية تقتحم المقر وتستولى على كل الدراسات والأوراق الخاصة بالمشروع ،ويختفى كل شئ !! وفى البرنامج نفسه يتصل أستاذ فى كلية زراعة القاهرة ، لينفى أن زراعة القمح فى مصر سوف تستهلك من المياه ما لا نستطيعه ،ويؤكد أن القمح هو أقل محصول حاجة إلى المياه ، بل ويتردد فى البرنامج نفسه تصريح للعالم الزراعى الراحل الدكتور أحمد مستجير ، بأن القمح يقبل الرى بمياه البحر ،وعلق متخصص فى الزراعة بأن المملكة العربية السعودية نفذت هذا بالفعل فى الثمانينيات فإذا بها تقفز فى إنتاج القمح لا إلى حد الاكتفاء الذاتى فحسب ، بل وإلى التصدير ،وإن كانت الأمور ، لأسباب لا تخفى على أحد، لم تيسر للمشروع أن يواصل نجاحه كما كان متوقعا . وفى البرنامج نفسه ، يجئ الإعلان بأن مصر فى الوقت الذى تناقصت فيه مساحات زراعة مادة رغيف الخبز ، زاد إنتاجنا من " اللب " – عظيم – ومن الفراولة – هايل ، ومن " الكانتالوب – الله أكبر - !! وتنشر صحف الجمعة 20/8/2010 عن بعض " حيتان " استيراد القمح ، الذين يكسبون ملايين الجنيهات من المتاجرة برغيف الخبز ،ومثل هؤلاء ، لا يرضيهم أبدا أن تتم زراعة القمح بما يكفينا فى مصر ،وإلا ، فلماذا ذهب الوزير أحمد الليثى مع الريح ، عندما وجدناه حريصا على العمل على اتخاذ خطوات الاكتفاء الذاتى فى إنتاج القمح ؟ أقولها صراحة ، نتيجة سماعها من مصادر عليمة بأن هناك " فيتو " أمريكى على أن تسير مصر فى هذا الاتجاه ! وهكذا توهمنا بأن اتفاقية كامب ديفيد هى بداية مرحلة سلام ، وننسى أن الحروب ليست فقط بالصورة الصريحة التى نعرفها ، حيث قعقعة السلاح ، وإنما هى أيضا حروب غذاء ،وحروب أفكار ،وحروب عقيدة ..وهنا فإن الأنمر يتوقف على قرار سياسى ، اتخذت مثله سوريا عندما حاصرتها الولاياتالمتحدة أيضا فى هذا الجانب ، فاتخذت القيادة السياسية فيها قرار الاكتفاء الذاتى فى إنتاج القمح ، وتم لها ما أرادت !! وهكذا تستطيع أن تقول بالنسبة لما حدث من تراجع لمحصول تاريخى عظيم هو القطن طويل التيلة... ولِما حدث من بيع مشروعات وطنية عملاقة ،مثل شركة مصر للكتان ،ومتوسطة مثل عمر أفندى، لم يحسب فى تقدير الأصول سعر الأرض بأسعار السوق وقت البيع ، فضاعت ملايين الجنيهات ،ربما أكثر من سعر بيع المشروع الأصلى نفسه ،على أبناء هذا الشعب الذى شرب سوء النتائج فأصبح ربعه يعيش فى " جُبّ " الفقر ،والربع هنا يعنى عشرين مليونا من السكان على أقل تقدير! وكذلك ،عندما يجد ألوف من الأطفال مدارس الدولة قد ضاقت عن قبولهم .. وعندما تحمل الصحف يوميا أخبارا عن قتلى على الطرق العامة بأعداد تفوق ما فقدنا فى الحروب العسكرية .. وعندما تلفق قضايا لوزير مالية – محيى الدين الغريب – يثبت بعد ذلك أنها زائفة ، وتجد أن الرجل كان يدافع عن اقتصاد الفقراء ويقاوم حركة بيع القطاع العام بأبخس الأسعار ، ثم لا يعوضه أحد ، بينما تتراكم الاتهامات تلو الاتهامات لرئيس وزارة سابق – عاطف عبيد ، ثم لا يحاسبه أحد ،وتطول مساءلات وزير الإسكان السابق محمد إبراهيم سليمان ، ويستمر حرا ، بينما تتم المسارعة بإخراج وزير مثل الدكتور أحمد جمال موسى وزير التربية والتعليم السابق لمجرد أن صلة قرابة تربطه بأحد أعضاء جماعة الإخوان ( مع أن النبى صلى الله عليه وسلم كان له أقرباء من الكفار والمشركين ، إذ لا تزر وازرة وزر أخرى ). كذلك تمت الإطاحة بأحمد الليثى ،وزير الزراعة السابق ، الذى كان يريد إحياء مشروع البتلو والاكتفاء الذاتى من القمح ،وكذلك الأمر بالنسبة للمهندس محمود أبو زيد وزير الرى السابق ، حيث كان قد بدأ يُلَمّح إلى التسامح الحكومى المفرط فى منح مساحات شاسعة من أرض توشكى لأحد أثرياء العرب ، الذى لابد من محاسبته حيث أنه لم يلتزم بما كان يجب عليه عند التعاقد على المشروع !! ومن قبل كانت الإطاحة بالدكتور أحمد جويلى ،ومن ينسى أحب وزير داخلية عند المصريين : أحمد رشدى ؟ فالغريب هنا أن المسئول الذى يحظى برضا الناس وحبهم ،غالبا ما لا يعمر طويلا ،والعكس صحيح !! لا تقولوا دائما بهذه الحجة الغبية " أننا نتزايد "، فمرة أخرى ، هذه حقيقة معروفة منذ عشرات السنين ، وليس لنا إلا أن نتساءل : إذا كنا نحن السبب ولستم أنتم بإدارتكم الغبية ، فواحدة من اثنين إما أن تغيروا الشعب المصرى وتأتوا بشعب آخر ، أو نقوم نحن بتغييركم لنأتى بحكومة ، لا تكون بالضرورة " ذكية " بالمعنى القائم ،وإنما " عاقلة " و" وطنية " ؟!