استنكر أستاذنا الجليل الدكتور سعيد اسماعيل علي حفظه الله ونفعنا بعلمه ، منذ أسبوعين أن يقول الباحثون ( زيد ، عمرو ، محمود ، وأسماء ) فيدخل حرف العطف على آخر المعطوفات ، وقد عقَّبت يومه تعقيبا سريعا أوضحت فيه أن هذا اللون من التعبير ليس من آثار لغة الإنجليز كما ذهب شيخنا حفظه الله ، بل إن ذلك مما تعرفه العربية ، ورأيت اليوم أن أبسط القول في هذه المسألة احتراما لشهر الصيام ، بدلا من أن أبحث عمن سرق لوحة زهرة الخشخاش ، إذ إن سيرة وزارة الثقافة – برمتها – ليست مما ينشط إليه صائم يخشى على صومه من البطلان .!! فأقول وبالله التوفيق : من خصائص لغة العرب إلحاق الواو في الثامن من العدد كما جاء في القرآن " التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ" (التوبة/112) وقال سبحانه في قصة أهل الكهف " سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجماً بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم " ومن ذلك أنه سبحانه وتعالى لما ذكر أبواب جهنم ذكرها بغير واو لأنها سبعة فقال في سورة الزمر " حتى إذا جاؤها فتحت أبوابها " وقد عرفنا أن أبوابها سبعة من قوله تعالى : " لهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ " [ الحجر/44] ولما ذكر أبواب الجنة ألحق بها الواو لكونها ثمانية- كما هو معروف من حديث رواه الترمذي في سننه [عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ" - فقال سبحانه " حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها " وتسمى هذه الواو واو الثمانية . ومن اللغويين العرب من اعترف بهذه الواو وأقر لها بهذه التسمية ومنهم ابن خالويه، والحريري وغيرهما . ومنهم من أنكرها وتأولها كما جاء في الجنى الداني حيث يقول ابن هشام : وذهب المحققون إلى أن الواو في ذلك إما عاطفة، وإما واو الحال. ولم يثبتوا واو الثمانية. وأنكر الفارسي واو الثمانية، لما ذكرها ابن خالويه في باب المناظرة. وأورد صاحب الجنى الداني ما قيل في هذه الآيات. أما قوله تعالى [ والناهون ..] فالواو فيه عاطفة. وحكمة ذكرها في هذه الصفة، دون ما قبلها من الصفات، ما بين الأمر والنهي من التضاد. فجيء بالواو رابطة بينهما لتباينهما، وتنافيهما. وقال بعضهم: هي زائدة وهو قول لا دليل عليه . وأما قوله تعالى وثامنهم كلبهم فقيل: هي واو العطف، أي: يقولون سبعة، وثامنهم كلبهم. فهما جملتان. وقال الزمخشري: هي الواو، الداخلة على الجملة الواقعة صفة للنكرة، كما تدخل على الجملة الواقعة حالاً عن المعرفة. قال: وفائدتها توكيد لصوق الصفة بالموصوف، والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر، وهي التي آذنت بأن الذين قالوا سبعة وثامنهم كلبهم قالوه عن ثبات علم، وطمأنينة نفس، ولم يرجموا بالظن كغيرهم. وهو رأي مردود عليه بأن دخول الواو على الصفة لم يقل به أحد من النحويين. وأما قوله تعالى وأبكاراً فليس من هذا الباب، لأن الواو فيه عاطفة، ولابد من ذكرها، لأنها بين وصفين لا يجتمعان في محل واحد. وأما قوله تعالى [وفتحت..] فقال أبو علي الفارسي وغيره: هي واو الحال، والمعنى: حتى إذا جاؤوها، وقد فتحت. أي: جاؤوها، وهي مفتحة، فلا يوقفون انتظارا لفتحها . وهذا قول المبرد أيضاً. وقيل: إن أبواب جهنم لا تفتح، إلا عند دخول أهلها، وأما أبواب الجنة فيتقدم فتحها، بدليل قوله تعالى " جنات عدن، مفتحة لهم الأبواب " . وجواب "إذا " - على هذا القول - محذوف، تقديره بعد خالدين، أي: نالوا المنى، ونحو ذلك. حذف للتعظيم. وقيل بعد أبوابها، أي دخلوها. وقيل: الجواب قال لهم والواو مقحمة. [email protected]