اهلا وسهلا ألف مرة بهذا الاعصار من برامج التسلية التي تنهمر علينا من فضائيات الأقمار الصناعية القادمة من السماوات المفتوحة, وأهلا وسهلا بما يحدث كل عام من ازدياد في هذه المحطات وهذه البرامج التي تستهدف التسرية علي الصائمين كما يقول اصحابها. الا ان هذا الوضع لا يمنع من ابداء ملاحظة صغيرة اقولها من مقاعد المتفرجين, فيها شيء من العتب الذي لا يفسد الود بين صاحب الوسيلة الإعلامية والمشاهد, بل قد يسهم في تعزيز العلاقة بينهما, وهي تقول إن كل واسطة إعلامية, تعتمد في وضع برامجها علي خريطة تراعي فيها اهتمامات الناس الذين يشاهدونها او يستمعون اليها, فتضع حصة مثلا للفئات العمرية الصغيرة واخري للفئات العمرية المتقدمة في السن وثالثة لربات البيوت وغيرهم, ثم مساحة كبيرة لتلك المادة التي يلتقي حولها كل الناس صغارا وكبارا ونساء ورجالا واهل ثقافة ومن ليس لهم ثقافة, وهي نقاط تجمع يغيب عنها المحتوي الفكري الراقي لغلبة نوع من التسلية والمفاهيم العامة التي تخاطب كل الناس, والمؤسف في خرائط هذه المحطات انها لا تعتني بعدالة التوزيع بين مختلف الاهتمامات, واكثر هذه الاهتمامات غيابا هي تلك المعنية بتوعية المواطن وتثقيفه, وإذا حصلت فهي بمقدار ضئيل لا يكاد يصل الي واحد في الألف من اهتماماتها الاخري, ونستطيع ان نري مطربة او راقصة تتكرر استضافتها في برامج اللقاءات ولا نري عالما شهيرا كبيرا خطيرا يمكن أن يقدم الإضاءات المفيدة لحياتنا يظهر ولو مرة واحدة في العام, والفضل في تذكيري بهذا الموضصوع هو لقاء ثري جميل نشرته الاهرام منذ ايام قليلة, علي صفحة كاملة اجراه زميلنا وصديقنا الاستاذ اسامة الرحيمي مع قامة شامخة في الفكر والثقافة هو استاذ علوم الأنسنة الدكتور احمد ابوزيد وهو صاحب حفريات في تاريخ الحضارة وعلوم الانثروبولوجيا ورائد من رواد هذه العلوم, بدأها منذ اكثر من ستين عاما بإجراء بحث في الجماعات البدوية في الصحراء الليبية, نعم منذ اكثر من ستة عقود وهو مشغول بالدراسة في هذه الحقول المعرفية الجديدة علي ثقافتنا العربية, ووصل الي نتائج وأفكار ومفاهيم عن مجتمعاتنا الحضرية والبدوية تضمنتها كتبه التي ظل علي مدي هذه العقود يقوم بنشرها في الاوساط الجامعية والاكاديمية ويقدم وعيا وينشر ثقافة ويحقق انجازات معرفية تتصل بأدق الحقائق في حياة المجتمع المصري وغيره من مجتمعات عربية دون أن نجد قناة واحدة عربية او مصرية تعرف طريقها لعقل كبير وخبير خطير من خبراء المجتمعات والحضارة لتسهم من خلال لقاءات معه في عملية نشر لهذه المعارف والوصول بها الي المشاهد العادي لكي تسهم في تعريفه بالأسس العميقة لوجوده في هذه المنطقة من العالم ووجود اسلافه وشركائه في الوطن, وعيا وثقافة ومعرفة يقدمها هذا العالم الجليل, ووجبة ثرية غنية من الافكار والمفاهيم التي تضيء مجاهل حياته, لن تستطيع تقديمها تلك المطربة ولا تلك الراقصة مهما تكن شهرة أي منهما, لان الراقصة والمغنية مكانهما صالة الرقص والغناء, أما مكان عالم ومفكر واستاذ في الحضارات مثل الدكتور احمد ابوزيد فهو الذي يجب ان يجلس امام المذيعة يرد علي اسئلتها باجابات تقدم حلولا لما نواجهه يوميا من تعقيدات الحياة ومشاكل العصر التي تحتاج دائما لعقل كبير ينير لنا جوانبها المعتمة, ولنستمع اليه في هذا المقطع الذي اقتبسته من لقاء الاهرام يشير فيه إلي احدي اكثر المشاكل استفحالا مما تعاني منه مجتمعاتنا قائلا: والمجتمعات العربية تلجأ للسحر كنوع من التعلق بالغيبيات بعد فقدانها الأمل في الواقع المر الذي تعيشه, ويمكن القول إن الاسباب اجتماعية واقتصادية, فلو تحسن المستوي الاقتصادي للناس, وتلقوا تعليما جيدا, فسيبتعدون تلقائيا عن السحر, لأنه مرتبط بالتفكير الماضوي الغيبي, وحينما ينحسر التفكير العلمي يحل التفكير الغيبي, صحيح ان في الدين ناحية غيبية, لكن الاديان بعيدة عن الخرافات, ومن يعجز عن احتمال مصاعب الحياة يلجأ للغيب والسحر. لا استطيع طبعا نقل كل الأفكار التي وردت في اللقاء الذي نشرته الأهرام مع استاذنا الكبير الذي يبلغ الان تسعين عاما من عمره المديد, أمد الله فيه ونفعنا بعلمه, وهو علم كان بالتأكيد سيصير اكثر نفعا واكثر انتشارا لو ان احدي هذه الفضائيات أعطته حصة في برامجها الحوارية ولن يضيرهن اطلاقا ان يشاركهن هذه الاستضافة عقل كبير مثل استاذنا احمد ابوزيد أو استاذنا يوسف الشاروني أو استاذنا عبدالغفار مكاوي أو استاذنا امام عبدالفتاح امام او استاذنا مجاهد عبدالمنعم مجاهد او استاذنا شوقي سعيد أو استاذنا حامد عمار, وكلهم اساتذة كبار وصلوا الي سن الثمانين وما بعدها دون ان نري لهم حضورا في هذه الموالد الرمضانية التي تعقدها الفضائيات, ويا استاذنا الكبير الجليل احمد ابوزيد عيد ميلاد سعيد وانت تصل الي عيد ميلادك التسعين ومرحبا باطلالتك المهيبة الجميلة وانت تشارك في المنتديات وتأخذ مكانك في المؤتمرات الثقافية بروح شاب في بواكير العمر, وكل عام وانت بخير. [email protected] المزيد من مقالات أحمد ابراهيم الفقى