المقال ليس مخصصا لمناقشة موضوع تعدد الزوجات فالموضوع محسوم والجدل فيه عقيم . التعدد - بشرط العدل- مذكور في آية صريحة في القرآن الكريم ..وممارسة الرسول والصحابة وآل البيت خير دليل على فهمهم للتعدد .. المقال مخصص لمناقشة الانتقائية في ممارسة الدين ..هل نحن فعلا شعب متدين كما هو ظاهر على السطح ؟ إننا نسير في الشارع فنرى أغلب السيدات محجبات..وقت الصلاة يرتفع الآذان من عشرات المساجد في كل حي ..تركب أي سيارة أجرة فتسمع شرائط دينية متحمسة..وفي رمضان يخرج عشرات الآلاف للعمرة كل عام حتى لو كلف الأمر بيع الجاموسة ، فهل نحن مجتمع متدين فعلا ؟ أم نحن نمارس الانتقائية في الدين ؟ عودة لموضوع التعدد كمثال للانتقائية في التعامل مع نصوص الدين . الهدف من المقال هو رصد حالة الفصام النفسي للمجتمع في التعاطي مع موضوع التعدد ..شيء ما قريب مما تنبأ به جورج أوريل في رائعته ( 1984) حيث صك تعبير ( اللغة المزدوجة ) وهو استخدام لفظ للتعبير عن معنى وضده ثم لا يجد أحد تناقضا في ذلك . فالمجتمع يرفع الشعار الإسلامي بقوة ويتظاهر غضبا لرفض فرنسا الحجاب في المدارس وفي الوقت نفسه يتم تقبيح شرع الله ( التعدد بشرط العدل ) بطريقة منظمة وخلق رأي عام ضده بحيث يوصف الرجل الذي يفكر في التعدد بأنه خائن للعشرة وتغلبه الشهوة وتوصف المرأة التي تقبله بأنها خاطفة رجال وهادمة بيوت .. بالله عليكم هل عندكم من تفسير لهذا التناقض ؟ ..ألم يمارسه الرسول والصحابة وآل البيت وعموم المسلمين ؟ .. أحيانا يقول المعارضون هل أخذتم بكل السنن ولم يبق إلا هذه ؟ ولهؤلاء أقول أن التعدد لم يكن مكافأة للمتقين ..الحور عين في الجنة مكافأة ولكن التعدد جزء من الأحوال الشخصية للمسلم ونص لا يمكن تبديله في القرآن الكريم بالضبط مثل الميراث ليس مكافأة لبار والديه وتحجب عن غيره .. نحن لا نتحدث عن سنة يثاب عليها المسلم إن فعلها ولكننا نتحدث عن مباح يتم تجريمه من نفس المتحمسين للشريعة والدين . تناقض ، أليس كذلك؟ إن حكم الدين في التعدد شديد الوضوح (وهو الإباحة بشرط العدل وليس الفرض ولا المنع ) ليس فقط بنص القرآن الكريم ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) ولكن بممارسة الرسول والصحابة وآل البيت الكرام وهو الشيء الذي يؤكد فهمهم للآية وتطبيقهم لها على الوجه الصحيح هم الذين كانوا يتركون تسعة أعشار الحلال مخافة الوقوع في الحرام وبرغم ذلك لم يتركوه. وتقدير حاجة الرجل للتعدد في الشريعة الإسلامية تعود إليه فقط فهو ليس بحاجة للتبرير أمام المجتمع كأن تكون المرأة صاحبة عذر ككبر السن أو العقم كما يشاع ( وإلا فهل يعقل أن يكون كل الصحابة وآل البيت وعامة المسلمين من أصحاب الأعذار ؟!!) فلا يوجد سوى قيد العدل والمقصود به العدل المادي فقط وليس عدل المشاعر الغير ممكن عقلا وحتى الرسول نفسه كان معروفا ميله للسيدة عائشة رضي الله عنها ويقول وهو يقسم النفقة والمبيت بعدل ( اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك ) .. هذا هو حكم الإسلام الذي يؤمنون به ..نحن لا نحاول إقناع غير المسلم بالتعدد فله شريعته ولكننا نتحدث عن المسلم والمسلمة اللذين لا يكفان عن ممارسة الشعائر وإعلان الانتماء. لماذا تناقضون أنفسكم ؟ الربط بين التعدد وبين الآية الكريمة ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ) هو رابط خاطئ لأن جواب الآية هو ( فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ) فهو تأكيد على العدل وليس حدا للتعدد. وسوء ممارسة التعدد ليس مبررا لتقبيحه وإلا بنفس المنطق يمكننا تقييد الزواج لسوء ممارسته من قبل البعض فليس الزواج هو النمط الوحيد لحياة مشتركة بين ذكر وأنثى وتكوين أسرة فهناك في الغرب أنماط مختلفة ( البوي فرند مثلا ) يعترف بها المجتمع الغربي ويضفي عليها شرعية بحيث يستقبل الأب صديق أبنته ، والزواج نفسه بصورته الحالية لم يكتسب شرعيته إلا بإقرار الشارع الحكيم له. أما غيرة النساء والضيق الذي يعتري الزوجة الأولى فهو حق لا ريب فيه بحكم فطرتها التي تريد أن تستأثر بالرجل كما يستأثر هو بها ، ولكن الشارع الحكيم ينظر لمصلحة المجموع ككل عند التشريع فلا ريب أن عدد النساء الصالحات للزواج أكثر من عدد الرجال الصالحين للزواج حتى لو تساوى تعداد الرجال والنساء في المجتمع لأن الرجل في المنظومة الإسلامية مطلوب منه النفقة كما أن دور الرجل في العلاقة الزوجية ايجابي وليس سلبيا كالمرأة ( وكلنا نعرف بصراحة انتشار الضعف الجنسي في الرجال والضجة التي أحدثها عقار الفياجرا والتي تدل على حجم المشكلة المسكوت عنها ). ومن حق الزوجة الأولى أن ترفض ومن حقها أن تطلب الطلاق إن أصر الزوج على التعدد فالإسلام دين الحرية والكرامة وقد أباح الرسول الخلع لزوجة تكره زوجها دون أن تعيب عليه خلقا ولا دينا . وفي النهاية يبقى شرع الله قاطعا ونهائيا فلا يملك أحد تقبيح شرع الله لأنه يخالف هواه أو صالحه الفردي فالله تعالى قال ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ). الحكاية كلها – في رأيي- تقوم على الآية الكريمة ( وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ) ..الدين يكون لطيفا حينما يتحول لحماسة ونوع من التفوق والتعالي على غير المسلم وكثير من الوصاية على غير الملتزم، لكنه صعب فعلا حينما يقوم على دفع التكاليف ومحاسبة النفس..وإلا فلماذا لم نجد رجلا يتبرع بكل ما يملك لله تعالى كما كان يفعل الصحابة ؟ ..ولماذا لم نر سيدة تؤلمها عنوسة أخواتها في الإسلام فتشجع – أو حتى تقبل - التعدد ؟.. خصوصا وهي تعلم قسوة حالة اللا زواج لان الجسد يلح في طلب الارتواء بهرمونات صارمة لا تعرف المزاح ( فغريزة استبقاء النوع من أهداف الحياة الكبرى ولولاها لما استمرت الحياة بعد جيل واحد )، والنفس أيضا تطلب الشريك بما يمنحه من سكن ومودة ورحمة ..والإسلام لم يجعل ذلك ممكنا إلا في أطار الزواج فلو كان الزواج غير متاح فثمة شقاء لا حدود له للجسد والروح معا.. الإنسان في المنظومة الغربية يستطيع ممارسه ذلك بدون زواج من غير شعور مزمن بتأنيب الضمير أو احتقار المجتمع وذلك ليس متاحا للمسلم لأسباب مفهومة ولذلك يجب على المجتمع المسلم محاربة اللا زواج بكل ما أوتي من قوة وتيسير كل سبل الزواج . فلنكن صرحاء مع أنفسنا إذا لم نكن قادرين على تغييرها ..نحن لسنا متدينين كما نحاول أن نقنع أنفسنا ..نحن فقط نأخذ من الدين ما يروق لنا. هكذا ببساطة. [email protected]