قد يظن العتاة الظالمون أن إمهال الله لهم كرامة،وإنهم سيطروا على مقاليد الأمور،وأن كل شيء يسير كما خططوا ودبروا،ويغريهم في ذلك طواعية السذج لهم،وتصفيقهم وتطبيلهم لهم، ووقوف علماء الضلال بجانبهم يؤذوهم إلى الشر أزا..ونسي هؤلاء أن قدر الله وقدرته يتربصان بهم، وأن الله سيمكر بهم ،وأن كيده متين لا يقاوم بقوة ولا بحيلة :"وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ"،ولكن غفلة وغشاوة الظلم سطت على عقولهم !. فالإمهال لهؤلاء الظالمين بداية الأخذ،قال – صلى الله عليه وسلم- :" إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ) ،قال ثم قرأ :" وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد"(أخرجه البخاري)، وسنة الأخذ كما مضت في طغاة الأمس، ستمضي في طغاة اليوم ؛وذلكم لأنها سنة لا تتبدل ولا تتغير : كما قال تعالى : " أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ". وتتعامل النفس المنحرفة مع سنة أخذ الظالمين بغباء وتكبر وحماقة ،تبطرها القوة فلا تذكر ، وتعميها النعمة فلا تنظر ،وما تنفع عظات الماضي ولا عبره إلا من تتفتح بصائرهم لإدراك سنة الله التي لا تتخلف ، ولا تتوقف ، ولا تحابي أحداً من الناس ،وإن كثيراً ممن يبتليهم الله بالقوة وبالنعمة لتغشى أبصارهم وبصائرهم غشاوة ، فلا يبصرون مصارع الأقوياء قبلهم ، ولا يستشعرون مصير البغاة الطغاة من الغابرين . عندئذ تحق عليهم كلمة الله ، وعندئذ تجري فيهم سنة الله ، وعندئذ يأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر ،وهم في نعمائهم يتقلبون ، وبقوتهم يتخايلون ،والله من ورائهم محيط . وقد يصاب كثير من الناس بالعجلة في رؤية هلاك الظالمين،ورؤية نقمة الله وعذابه لهم،وهذه طبيعة البشر،قال تعال:" خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ "(الأنبياء:37)،قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: والحكمة في ذكر عجلة الإنسان ها هنا أنه لما ذكر المستهزئين بالرسول صلى الله عليه وسلم، وقع في النفوس سرعة الانتقام منهم، واستعجلت ذلك. فقال الله تعالى:"خلق الإنسان من عجل"؛ لأنه تعالى يملي الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، يؤجل ثم يعجل، وينظر ثم لا يؤخر. ولهذا قال:"سأريكم آياتي" أي نقمي وحكمي، واقتداري على من عصاني فلا تستعجلون. لا تستعجل ولا ستحزن عندما ترى الذين يسارعون في الكفر والنفاق والفسق والفجور،فهم يسطرون بأيدهم ملحمة هلاكهم،فالله من ورائهم محيط يعد لهم عدا:" إنما نعد لهم عدا" فيا ويل من يعد الله عليه ذنوبه وأعماله وأنفاسه وطغيانه وتجبره وظلمه ونفاقه وتخاذله عن نصرة الحق مع استطاعته...، وبعد العد يأتي الحساب العسير . . إن الذي يحس أن رئيسه في الأرض يتتبع أعماله وأخطاءه يفزع ويخاف ويعيش في قلق وحسبان، فكيف بالله المنتقم الجبار؟!