قديما كان يعيب الشعب المصري على بعض الجماعات الإسلامية المسارعة في التكفير، و كان ما ذهبوا إليه صوابا فبعض الجماعات الإسلامية كانت تغلوا في مسائل الأسماء و الأحكام ، و تخرج الناس من ملة الإسلام بدون ضوابط و لا معايير و لا أدلة يستندون إليها مخالفين النصوص الشرعية في عدم التجرؤ على تكفير المسلم إلا بدليل من الشرع ، و بانتفاء موانع التكفير كالجهل و عدم التكليف و النسيان و الخطأ و الإكراه و غيرها كما بينه أهل العلم . جاءت الثورة المصرية ،و أصبح كل امرئ له الحق في الكلام و التعبير عن رأيه في الأمور الحادثة ،على غير ما كانت عليه الأمور أيام مبارك حيث كانت كلمة "موافقة" في مجلس الشعب هي السائدة، و نجاح الرئيس المخلوع دائما بامتياز في الانتخابات الرئاسية و كانت البلاد تسير في اتجاه واحد ،هو ما يرغبه الحزب الوطني الحاكم. أما الآن فأصبحت الحرية الزائدة بلا زمام و لا خطام هي شعار المرحلة ،و كأنها رد فعل للكبت الذي كان موجودا أيام مبارك فظهرت بذاءات الألسنة مقرونة بالتمسك بالرأي و الإعجاب به ،بل و ظهرت ألفاظ تكفيرية تخرج من أناس قد لا يصلون أصلا و أصبحت "كاللبانة" في أفواه الكثيرين بدون تفكير و لا حساب. من مظاهر هذه الموضة التكفيرية خروج أحد المغنيين المعروفين بأغنية يقول فيها : "لينا رب و ليكو رب" يقصد الإخوان المسلمين و من أيدهم في مظاهرات رابعة ، فتسلل التكفير إلى الوسط الفني ! من المظاهر أيضا انتشار تلك الكلمة "المتأسلمين" في الشعب المصري، و التي يُقصد بها التظاهر بالإسلام أي أن صاحبه منافق نفاق أكبر يتظاهر بالإسلام و هو كافر في الباطن ،مع أن كلمة تأسلم في بعض المعاجم المعاصرة تعني: دخل في الإسلام ! ، و ما يهمنا طبعا هو نية القائل كما قال النبي صلى الله عليه و سلم "إنما الأعمال بالنيات" و في الحديث لما قتل خالد بن الوليد بعض من قالوا صبأنا أي تركنا ديننا و كانوا يقصدون أسلمنا و ذكر ذلك إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال:"اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد" من مظاهر هذه الظاهرة خروج احد الإعلاميين على قناته قائلا :"الإسلام براء براءة الذئب من دم ابن يعقوب من الإخوان المسلمين و الجماعات الإسلامية المسماة بأسمائها جميعا" ! ، و في مقطع آخر يصف الإخوان المسلمين بالصهاينة ! و من مظاهرها أيضا خروج شيخ أزهري يدعى بخطيب التحرير في أحد القنوات قائلا إن النسخة الموجودة من القرآن عند الإخوان و السلفيين ليست كالنسخة الموجودة عند عامة المسلمين و وصفهم بأنهم يحرفون الكلم عن مواضعه ! و يخرج شيخ أزهري أخر له ميول شيعية بوصف التيار السلفي بمصر بالخوارج في اتصال تليفوني بأحد البرامج و معلوم ان الخوارج اختلف العلماء في تكفيرهم ،فهم من الفرق الخارجة عن أهل السنة و الجماعة. و تأتي خطورة التساهل في التكفير بعد أن يبوء صاحبها بالذنب العظيم ، في شق صف المجتمع و ظهور ردود أفعال متطرفة كتطرف الفعل الأصلي ! و أخيرا نذكر بخطور الكلمة،فقد قال تعالى (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) (ق:18) و نذكر بقول النبي صلى الله عليه و سلم "إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالا تهوي به في جهنم سبعين خريفا" و كذلك نذكر بخطورة الوقوع في التكفير فقد قال النبي صلى الله عليه و سلم :"من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما" ، و ما أجمل ما قاله الإمام مالك رحمه الله في الحذر من التكفير حيث قال :" لو احتمل المرء الكفر من تسعة وتسعين وجهًا واحتمل الإيمان من وجه لحملته على الإيمان تحسينا للظن بالمسلم" و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين