كمال حبيب مَن يقصد مسلما في رمضان ليستبيح دمه ويقتله، لا شك أنه من الخوارج؛ فالخوارج يقتلون أهل الإسلام ويَدَعون أهل الأوثان والشرك، وهذا ما حدث في عملية رفح المؤذية، كيف هان على مَن رفع السلاح في وجه الجنود والضباط وهم يفطرون في شهر رمضان أن يقتلهم غيلة وغدرا.. إنها النفسية الخوارجية التي تتستّر باسم الإسلام وهو منها براء؛ فهم يقولون إن الحكم إلا لله في مواجهة علي بن أبي طالب رضي الله عنه. مَن يقرأ تاريخ الخوارج يعرف أنهم قتلوا عليا بن أبي طالب ومثّلوا تهديدا حقيقيا للدولة الأموية، إلى حد أنهم كانوا أحد أسباب انهيارها، ومَن يقرأ كُتب التاريخ يعرف حجم الدماء التي أُريقت داخل معسكر المسلمين؛ بسبب تمرّد الخوارج وتحدّيهم للدولة الإسلامية. لم تمُت فرقة الخوارج في الحقيقة بل إنها ظهرت في مصر في مطلع السبعينيات، فيما عُرِف باسم جماعة "التكفير والهجرة"، وهذه الجماعة كفّرت الناس بالمعاصي وحرّمت التعليم، واعتبرت الدولة سُلطة كافرة هي وكل مؤسساتها وعلى رأسها الجيش والشرطة، واعتزلت المجتمع وأسست لنفسها هي مجتمعها الخاص الذي كان زعيمها "شكري مصطفى" يقوم فيه مقام النبي صلى الله عليه وسلم في تطبيق الحدود والأحكام بما في ذلك توقيع العقوبات، وكانت جماعة التكفير والهجرة ترى نفسها أنها فقط الجماعة الوحيدة المسلمة منذ النبي صلى الله عليه وسلم؛ أي أن كل الحضارة الإسلامية من أوّل الفقه والتفسير والأصول واللغة والممارسة كلها ليست إسلامية، وبذلت جماعة التكفير جهدا لتأسيس علوم جديدة وفق ما يراه زعيمها شكري مصطفى؛ فقعّد أصولا جديدة لفهم الإسلام وفهم القرآن، وقال عن العلماء الكبار الأفذاذ مثل الأئمة الأربعة وغيرهم "هم رجال ونحن رجال"، واعتبر شكري أنه حامل الحق وحده وأنه لن يعدم حتى بعد صدور الحكم بالإعدام عليه. الاستبداد والحكم الظالم الفاسد يُولد جماعات تميل للعنف وتذهب إليه، ولكن مع نور ثورة يناير انفتحت السّبل أمام الإسلاميين لينتقلوا من السجون إلى سدة الحكم، وأصبح التحدّي أمامهم هو كيف ينجزون مشروعا للنهوض بمجتمعاتهم حتى يُثبتوا قدرتهم على الحكم ويكتسبوا ثقة الناس الذين منحوهم أصواتهم في الانتخابات، بيد أن الخوارج في كل عصر يمثّلون سيفا مرفوعا في خاصرة الأمة وليس لمواجهة أعدائها، فظهرت جماعات تطلق على نفسها "سلفية جهادية" تريد أن تواجه الكيان الصهيوني عبر سيناء، وهو ما يفتح الباب واسعا لمخططات يتم رسمها في أروقة صانعي خرائط العالم تهدّد سيادة مصر على سيناء، مَن يريد قتال الصهاينة فليقاتلهم ولكن دون تهديد وحدة البلدان الإسلامية، السلفية الجهادية تنتقل لطور تكفيري ساذج يجعلها تواجه أمتها ومجتمعها وتحقّق أهداف أعدائها، كما حدث في واقعة رفح الأخيرة التي أكّدت أن الجماعة التي نفّذت العملية كانت في الحقيقة أداة لتحقيق مصلحة أعداء الأمة.