طيلة أربعين عاما من عمري وأنا أقرأ في علوم السياسة ومعاجمها المختلفة . فلم أصادف فيها جميعا تعريفا للدولة "الهزؤ" الذي فاجأنا به الدكتور علي الدكتور علي الدين هلال في محاضرته التي ألقاها لشباب الحزب الوطني بالإسكندرية . وقد جاء تعريفه لهذه الدولة المستحدثة في علم السياسة بأنها الدولة التي تجري تغييرا علي دستورها بناء علي طلب احد مواطنيها أو تلبية لرغبة البعض منها . ولا شك في ان الدكتور هلال كان يقصد محمد البرادعي بكلامه هذا في وانصاره في الجمعية الوطنية للتغيير . ولم يكن يقصد بطبيعة الحال التعديلات الدستورية التي أجراها الحزب الوطني ورئيسه والتي جاءت بكل تفصيلاتها لتناسب طموح جمال مبارك في الرئاسة .. وتلبية لرغبته في وراثة الحكم بعد أبيه .. فالدولة لم تكن "هزؤ"حين أجرت تلك التعديلات علي دستورها علي مقاس جما مبارك وتلبية لرغبته ولكنه ستصبح "هزؤ" فقط حين توافق علي إجراء تعديلات دستورية تسمح بفتح باب الترشيح أمام البرادعي أو غيره من منافسين حقيقيين يرغبون في مواجهة مبارك الابن في انتخابات حرة ونزيهة !! هذه هي الحالة الوحيدة التي تستحق مصر فيها وصف الدولة "الهزؤ" كما يري الدكتور – عالم السياسة وجهبذها – أم الدولة التي يتم فيها الحكم بالسجن عشر سنوات علي صاحب احد المراكب الصغيرة لأنه تسبب في غرق ثمانية مواطنين بينما حكم بالسجن لمدة سبع سنوات فقط صاحب عبارة راح ضحيته اكثر من ألف مواطن فهي دولة ليست "هزؤ" لأنها دولة يسودها القانون والعدل !!! كما ان الدولة التي تستبيح فيها حفنة ممن يسمون برجال الأعمال ارضها نهبا وسرقة ليبنوا المنتجعات وملاعب الجولف علي الاراضي الزراعية . ليست هي الدولة التي تستحق وصفها بالدولة "الهزؤ" . لأنها تطبق القانون الذي يحظر البناء علي الارض الزراعية علي الفقراء والكادحين فقط !! كذلك فإن الدولة التي تسمح بتعذيب مواطنيها في أقسام الشرطة وضربهم الي حد الموت . وتحكم مواطنيها بقانون الطواريء والأحكام العرفية لأكثر من ربع قرن . ليست هذه هي الدولة "الهزؤ"ولكن الدولة "الهزؤ" بحق هي الدولة التي تسودها مباديء الديموقراطية وحقوق الانسان ولا تزور فيها ارادة الناخبين بشهادة القاصي والداني وتسمح بتدول السلطة بين احزابها السياسية . ولا يحكمها فرد واحد (الي أخر نبض في عروقه) ....هذه هي الدولة "الهزؤ" ومواصفاتها كما ينص عليها في المعاجم السياسية . التي يقوم الدكتور علي الدين هلال بتدريسها لتلاميذه في مقاعد الدرس بالجامعات المصرية !!! نحمد الله أن نجانا من الوقوع في مصاف دول العالم " الهزؤ" التي تعاني من الديموقراطية . ويجأر فيها المواطنون بالشكوى من الحقوق التي يغمرها بهم حكامهم . ويتجرعون فيها مرارة الحرية والعدل والمساواة !!! إننا ندين – ولا شك- بهذه النعم لرئيسنا المفدى وحزبه الوطني الديموقراطي . بعد أن أصبحنا على يديه الدولة الخامسة عشر في تصنيف الدول العربية الأكثر سعادة .. ولا يسبقنا في جدول الدول العربية التي يشعر مواطنوها بالسعادة أكثر منا . سوي أربع عشرة دولة فقط بينها العراق وفلسطين . وهما دولتان واقعتان كما نعلم تحت الاحتلال وهكذا أصبحت بعض الشعوب العربية رغم معاناتها من نير الاحتلال أكثر منا شعورا بالسعادة . حسب أخر استطلاع أجراه معهد "جالوب" الدولي . الذي اعتمد في استطلاعه علي مقاييس خاصة للسعادة غير تلك المقاييس الصحيحة التي نعتمده نحن في مصر . فهو علي سبيل المثال لا يعتبر البطالة أو التعذيب في أقسام الشرطة أو الوقوف في طوابير العيش أو الاستمتاع بخطب الرئيس ومحاضرات الدكتور علي الدين هلال ... لا يعتبر ذلك كله من المقاييس المعتمدة لشعور المواطنين بالسعادة .. رغم أن تلك المقاييس الصحيحة لا توجد إلا في الدولة غير المصنفة بالدولة "الهزؤ" ....!!!!!!!