يتوقع كثير من الخبراء أن الحروب فى هذا القرن ستدور حول مشكلة المياه بين دول المنبع و المصب و لا شك أن المياه و غيرها من النعم التى لا تحصى قدرها الله تعالى فى الكون بما يكفى حاجة الكافة قال تعالى [ و ما من دابة فى الأرض إلا على الله رزقها و يعلم مستقرها و مستودعها كل فى كتاب مبين ] و قال تعالى [ إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ] و لكن المشكلة فى الإنسان الذى يتصارع على النعم و يحب الاستئثار بها و يطمع فى المزيد عن حاجته .... و من رحمة الله بنا أن جعل سيطرة الإنسان على النعم متفاوتة فمنهم من يحتكر أنواعاً منها ليرفع سعرها و هناك من يحاصر فيمنع الأطعمة عن دولة صغيرة فتقع المجاعات مدة من الزمان يمكن أن يتحملها الشعب و لكن الحاجة إلى الماء تكون أشد فجعل الله سيطرة ابن أدم على مصادرالمياه أقل تحكماً حيث لا يصبر الناس على العطش فمهما وضعوا من السدود على الأنهار فالمياه تكفى للشرب و يقع الضرر بالنبات الذى لا تكفيه مياه الأمطار فحسب ، أما الذى لا يصبر عليه أحد فهو الهواء حيث جعله الله متاحاً للجميع لا يتحكم فيه أحد من الخلق إذ لو كان الأمر كذلك لماتت الناس قبل أن تنجح فى استرضاء المتحكم فى الهواء إذا ما غضب !! فسبحان من له خزائن السماوات و الأرض الحليم على عباده الرءوف بهم يعصونه و هو رازقهم و يستغفرونه فيغفر لهم .... إن ما يقع من كثير من البشر هو الإفساد بعينه فمنهم من يشرك بالله أو يعبد إلهاً آخر أو يعبد هواه أو يحكم بغير ما أنزل الله أو يفضل مناهج وضعية على منهج الله تعالى أو يتعامل بالربا أو يأكل أموال الناس بالباطل أو يرتكب الفواحش و الموبقات كالزنا و شرب الخمر و لعب القمار و السرقة و قول الزور و نحو ذلك و هناك من يظلم شعبه بالتعدى عليهم فيهدر دماءهم و يهضم حقوقهم و يقيد حرياتهم و يهدد أمنهم و يهتك أعراضهم و حرماتهم كل هذا و غيره من مظالم و تعديات على حق الله و حق العباد تقع كل يوم رغم وعيد الله لأمثال هؤلاء فى القرآن, قال تعالى [ إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها .... [الآية , و قال ] و كأين من قرية أمليت لها و هى ظالمة ثم أخذتها و إلىّ المصير ] و قال [ و تلك القرى أهلكناهم لما ظلموا و جعلنا لمهلكهم موعدا ] و غير ذلك من الآيات الكثيرة و قد يعاقب الله الناس نتيجة لذنوبهم بحرمان بعض النعم كما جاء فى الحديث النبوى [ إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ] و فى جزء من حديث صححه الألبانى] .... و ما منع قوم الزكاة إلآ منعوا القطر من السماء و لولا البهائم لم يمطروا ] فمن أجل الحيوانات أنزل الله المطر من السماء لا من أجل الإنسان العاصى الذى منع زكاة المال التى هى حق للفقراء .... فلولاهم لصارت الأرض قاحلة لا زرع فيها و لا ماء و لن تنفع بعد ذلك سدود أو خزانات فحمداً لله تعالى على نعمائه ثم شكراً لدواب الأرض التى كانت سبباً فى حياتنا حين أعرض الناس عن شرع الله تعالى فاستحقوا الحرمان من خيرات الله قال الله تعالى ( و لو أن أهل القرى أمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الأرض و لكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ) جاء فى الحديث إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ( خرج سليمان عليه السلام يستقى فرأى نملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء تقول : اللهم إنا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن سقياك فقال: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم ) إن كثرة المعاصى المستشرية فى المجتمعات تؤكد أننا نستحق العقوبة و الحرمان من الرزق، قال الله تعالى] و من أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا[ الآية و هى الحالة التى تعيشها كثير من الشعوب بل إننا نٌطعم و نُسقى من الخيرات المنزلة للحيوانات و الطيور التى تسبح بحمد ربها و تعرف فضله , قال تعالى ] و ما من دابة في الأرض و لا طائر يطير بجناحيه إلآ أمم أمثالكم ما فرّطنا فى الكتاب من شئ .... ) و قال ( كل قد علم صلاته و تسبيحه ) و قد يرى بعض الناس علواً و ثراء للكافرين فيتساءلون عن ذلك متعجبين و لكنهم لو قرأوا قول الله تعالى ( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون و أملى لهم إن كيدى متين ) لذهبت دهشتهم و لعلموا حقيقة هذا الثراء أنه من باب الاستدراج و الإمهال حتى إذا أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر لم يفلتوا من العقوبة0 هذا و نسأل الله تعالى أن يعفو عنا و يهيئ لنا من أمرنا رشدا و يوفق ولاة أمور المسلمين إلى الحكم بكتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم و إقامة العدل و رد المظالم و قمع البدع و محاربة الفساد و الرذيلة و تقديم أهل الإيمان و استبعاد بطانة الشر التى تأمر بالمنكر و تنهى عن كل معروف حتى يستقيم أمر المجتمع على منهج الله تعالى .... و حتى يتحقق ذلك لا نستطيع إلا أن نشكر الدواب على حسن صنيعهم !! و نتوجه بالنصيحة إلى كل مصلح بألا ييأس من دعوته للإصلاح و أن يثابر و يضحى و يتحمل التبعات من أجل إصلاح المجتمع و وقاية لنا من عقوبة الإهلاك قال تعالى ( و ما كان ربك ليهلك القرى بظلم و أهلها مصلحون .... )