على الرَّغْم من جُملة ما يتمُّ إنفاقُه على الحرب في أفغانستان من جانب الإدارة الأمريكية، والذي يقدَّر سنويًّا بنحو مليار دولار، فإن القوات الغازية لم تعترفْ بفشلِها في الحرب، وحصدها جراء ذلك قتلى وجرحى، لم تكن تتوقعُهُم منذ غزوها لكابول قبل عَقْد تقريبًا. هذا ما يعترفُ به كثير من الساسة في البيت الأبيض والمحللين بوسائل وأجهزة الإعلام الأمريكية، للدرجة التي جعلت البعض منهم يلجأُ إلى التساؤل: هل تُضحِّي الولاياتالمتحدة مرةً أخرى بالإصلاح الاقتصادي الداخلي لمصلحة الحروب في الخارج؟ يأتي ذلك والولاياتالمتحدة تُعاني من البطالة، حيث يوجدُ قرابة 20 مليون عامل إما عاطل أو شبه عاطل، وتواجِهُ في الوقت نفسه حملةً جديدة من حملات تقليص ميزانياتِها وترشيد إنفاقها، ويعاني 300 ألف أستاذ وموظَّف في مجال التعليم من خَطَر الاستغناء عن خدماتِهم. حركات احتجاجيَّة ويدعو كثيرٌ من الأمريكيين إلى تحرُّك الكونجرس، "الذي يجب عليه أن يعمل فورًا على توسيع وزيادة مزايا ومِنَح البطالة، وأن يعمل كذلك على وقْف أو تقليص الاستقطاعات من المدارس، والأساتذة، والخدمات الأساسية، والطبية". ويطالبون الكونجرس بأن يعمل على توجيه الموارد المالية من أجل إعادة بناء أمريكا في كل شيء من الجسور للقطارات السريعة حتى الشبكات الكهربائية الذكية التي تجعلنا أكثر تنافسيَّة. وفي هذا السياق ينتظر أن ينظم اتحاد عمال صناعة السيارات وتحالف "رينبو بوش" بالإضافة إلى مجموعات أخرى كثيرة يوم 28 أغسطس الجاري مظاهراتٍ حاشدةً في ديترويت وفي أمكنة أخرى لمطالبة الحكومة بالتحرُّك من أجل إيجاد فرص عمل وتحسين سوق التوظيف. وفي 2 أكتوبر المقبِل، سينظّم ائتلاف وطني موحَّد بقيادة المنظمة الأمريكية الوطنية لتقدم الملونين ومنظمة "لارازا" واتحاد نقابات العمال، مسيرة حاشدة في واشنطن تطالب الحكومة بالتركيز على الوظائف، والإصلاح الاقتصادي، والعدالة، وهذه ليست سوى بداية في "كفاح صَعْب" لوضع أمريكا في المسار الصحيح، حسب اعتقادِهم، ومواجهة ما يصفونه بالغليان الذي صار يواجه الولاياتالمتحدة. مستنقَع أفغانستان وعلى الرغم من ذلك الغليان الاقتصادي في المجتمع الأمريكي، فإن نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن يرى أن "سياستَنا في أفغانستان ستنجح، وإننا ما زلنا في بداية الطريق، ونحن نعلم أن المهمَّة ستكون شاقَّة، وأنه من السابق لأوانِه الحديث حول نتائج سياستنا في أفغانستان، ومدى النجاح الذي نحقِّقُه". وفي المقابل يتساءل جيسي جاكسون، وهو سياسي أمريكي معروف، وأحد قادة الأمريكيين الأفارقة ومرشَّح سابق للرئاسة، هل تعتبر ثمانية أعوام في أفغانستان مجرَّد بداية؟ ويُجيبُ: نحن ننفق 100 مليار دولار سنويًّا على حربنا في أفغانستان، ومع كل هذا الإنفاق الهائِل، يتزايدُ عدد الضحايا من الجنود الأمريكيين، ولا يوجد تقدُّم ملحوظ في أرض المعركة، والحكومة التي ندعمُها (حكومة قرضاي) معروفة بفسادِها وعدم كفاءتِها، وجيشنا يعمل في بلدٍ لا تتوحَّد قبائلُه المتحاربة، إلا لأجل طرْد الغزاة. ويقول: إن الحرب تستنزف مواردنا المالية، وتسلب أرواح مواطنينا، وسياساتنا أصبحت الآن تميل نحو الانحراف، "فالمحافظون يقاومون التحرُّكَات والنقاشات التي تستهدفُ تحسين سوق العمالة وخلق الوظائف في الكونجرس". ومن جانبه يقول ميتش ماكونل، زعيم كتلة الجمهوريين في الكونجرس: "إننا لسنا بحاجة لتقليص الإنفاق"، ومع ذلك يقود جهود حزبه الهادفة لعرقلة وتعطيل وتوسيع المزايا والمِنَح التي تقدَّم للعاطلين عن العمل. انفصامٌ أمريكي في استطلاعِ رأيٍ أجرته مجلة "بوليتيكو" كان الانقسامُ واضحًا بين شرائح الشعب الأمريكي؛ فهناك 27% فقط منهم يعيشون خارج واشنطن يعتقدون أن البلاد تسير في الاتجاه الصحيح، ومن بين 227 ينتمون لنُخَب واشنطن، قال 49% منهم أنهم يعتقدون أن البلاد تمضي في الاتجاه الصحيح، مقارنةً بنحو 45% يعتقدون أن البلاد تسير في الاتجاه الخطأ. هذا الانفصام بين واشنطن والشعب الأمريكي قد تكون له أبعادٌ خَطِرَة؛ والمفارقة الغريبة هي أن معظم المنفصمين عن الرأي العام هم من المحافظين الجمهوريين الذين يقتنصون مكاسبَ سياسيةً من الفوضى الاقتصادية التي تعاني منها البلاد. وتعمل الأغلبيةُ الساحقة من المحافظين الجمهوريين على عرقلة كلِّ ما يحاول الرئيس الأمريكي باراك أوباما القيامَ به، بعدما أضعفوا خطة الإنعاش الاقتصادي وأثقلوها بتخفيضاتٍ ضريبيَّة منحتْ للشرائح العليا في الطبقة الوسطى. وفي المقابل، فإن هؤلاء مستعدون لزيادة عجز الميزانية، من أجل مواصلة الحرب في العراق وأفغانستان، والمحافظة على التخفيضات الضريبية الممنوحة للأثرياء، وفي الوقت نفسِه يعملون على عرقلة الخطوات الأساسية التي تهدفُ لإيجاد وظائف للعاطلين عن العمل. ويُطالب الأمريكيون بإصلاح الاقتصاد وخلْق الوظائف، وتركيز الموارد المالية والإدارية، وهي الموارد التي يتمُّ إهدارُها واستنزافُها في الحروب الخارجيَّة. والحقيقة المؤكَّدَة أنه سيتمُّ إهدارُ المزيد من رءوس الأموال الأمريكية، ما دامت الإدارة الأمريكية راغبةً في غزو بلاد الغير، وترْك جنودِها عالقين في مستنقعات حروب على الجانب الآخر من العالم، مما يتطلَّبُ من أصحاب الضمائر الحيَّة من المواطنين الأمريكيين رصّ صفوفِهم للوقوف في وجْه تلك النُّخَب قبل فوات الأوان. المصدر: الاسلام اليوم