رسميًا رابط نتيجة تنسيق جامعة الأزهر 2025.. طب 95.08% وهندسة 89.54% وصيدلة 92.15%    هبوط عالمي في سعر الذهب اليوم الخميس 18-9-2025 بعد قرار الفيدرالي الأمريكي الأخير    محمود محيي الدين عن تصريح «الاقتصاد المصري لم يتحرك منذ 2015»: أرقام البنك الدولي الرسمية هي المرجع    أوكرانيا تتسلم المزيد من جثامين جنودها من موسكو    فيريرا يشيد ب عبدالله السعيد.. ويؤكد: نركز حاليا على لقاء الجونة    «تواجد بابي بادجي».. قائمة سموحة لمباراة حرس الحدود في الدوري    التشكيل الرسمي لمباراة برشلونة ضد نيوكاسل في دوري أبطال أوروبا    قبل صهرها وبيعها.. كاميرا مراقبة ترصد إتلاف «الإسورة الأثرية» في الصاغة بعد سرقتها من المتحف المصري    بيان تحذيري عاجل بشأن اضطراب حالة البحر في الإسكندرية غدًا الجمعة    انطلاق فعاليات الدورة الأولى من مهرجان بورسعيد السينمائي    ندوة توعوية لمركز التنمية الشبابية بالإسماعيلية حول حقوق ومسؤوليات ذوي الهمم    لدعم الطلاب الجدد.. طفرة في الخدمات المقدمة من جامعة حلوان| تفاصيل    محافظ المنيا يتفقد قافلة لبيع السلع الغذائية الأساسية بأسعار مخفضة    رئيس «العربية للتصنيع» يبحث مع وزير دفاع جامبيا أوجه التعاون المقترحة    التمثيل العمالي بجدة يبحث مطالب 250 عاملًا مصريًا بشركة مقاولات    ننشر خطوات تجديد رخصة القيادة إلكترونيًا    محافظ المنيا: حملات مستمرة للتفتيش على الأسواق    محمد بركات يكتب: أمريكا وجرائم إسرائيل    رحاب الجمل: محمد رمضان موهوب وذكي ورفضت دور بسبب ابني وزوجي    أحلام الكلب وربيع اليمامة    افتتاح 5 مشروعات طبية جديدة خلال احتفالات البحيرة بعيدها القومى    وزير الرياضة: قطاعا الصحة والرياضة ركيزتان لبناء الإنسان المصري    بعد سرقتها وصهرها وبيعها للصاغة.. 5 معلومات عن إسورة الملك أمنمؤوبي    ما حكم تبديل سلعة بسلعة؟.. أمين الفتوى يجيب    7 أخبار رياضية لاتفوتك اليوم    الرئيس الكازاخي لوفد أزهري: تجمعني علاقات ود وصداقة بالرئيس السيسي    تأجيل نظر تجديد حبس "علياء قمرون" بتهمة خدش الحياء العام ل 20 سبتمبر    رغم الحرب والحصار.. فلسطين تطلق رؤيتها نحو المستقبل 2050    ليس صلاح.. كيليان مبابي يتوقع الفائز بجائزة الكرة الذهبية    المقاولون العرب يكشف عن هوية المدرب المؤقت بعد رحيل محمد مكي    بكين: لن نسمح باستقلال تايوان والعالم بين السلام والحرب    هدى المفتي تخطف الأنظار بإطلالة مختلفة من كواليس إعلانها الجديد    «هربانة منهم».. نساء هذه الأبراج الأكثر جنونًا    الكابينة الفردي ب850 جنيهًا.. مواعيد وأسعار قطارات النوم اليوم الخميس    استمتع بصلواتك مواقيت الصلاة اليوم الخميس 18سبتمبر2025 في المنيا    الإمام الأكبر يكرِّم الطلاب الأوائل في حفظ «الخريدة البهية»    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 18-9-2025 في بني سويف    هل تواجد امرأة في بلكونة المسجد وقت العذر الشرعي يُعتبر جلوسا داخله؟.. أمين الفتوى يوضح    جامعة أسيوط تجدد تعاونها مع الجامعة المصرية للتعلم الإلكتروني الأهلية في المجالات الأكاديمية والبحثية    البورصة المصرية تربح 15.5 مليار جنيه في ختام تعاملات الخميس    الصحة: تقليص معدل الإنجاب وتحسين الخصائص السكانية في 7 محافظات    إصابة 4 أشخاص إثر انقلاب سيارة في الوادي الجديد    سرقتها أخصائية ترميم.. الداخلية تتمكن من ضبط مرتكبى واقعة سرقة أسورة ذهبية من المتحف المصرى    هل اقترب موعد زفافها؟.. إيناس الدغيدي وعريسها المنتظر يشعلان مواقع التواصل    يوفنتوس يتحرك لضم برناردو سيلفا من مان سيتي    300 مليون جنيه لاستكمال مشروع إحلال وتجديد مساكن المغتربين في نصر النوبة بأسوان    ملك إسبانيا في الأقصر.. ننشر جدول الزيارة الكامل    سرداب دشنا.. صور جديدة من مكان التنقيب عن الآثار داخل مكتب صحة بقنا    ديستيني كوسيسو خليفة ميسي ويامال يتألق فى أكاديمية لا ماسيا    التأمين الصحي الشامل: 495 جهة حاصلة على الاعتماد متعاقدة مع المنظومة حتى أغسطس 2025    «أنتي بليوشن» تعتزم إنشاء مشروع لمعالجة المخلفات البحرية بإستثمارات 150 مليون دولار    مورينيو يرحب بالعودة لتدريب بنفيكا بعد رحيل لاجي    جبران: تحرير 3676 محضرًا خاصًا بتراخيص عمل الأجانب خلال 5 أيام فقط    مصر وروسيا تبحثان سبل التعاون بمجالات التعليم الطبي والسياحة العلاجية    الهلال الأحمر يدفع بأكثر من 80 ألف سلة غذائية للأشقاء الفلسطينيين عبر قافلة «زاد العزة» ال 40    مفوضية اللاجئين ترحب بخارطة طريق لحل أزمة السويداء وتؤكد دعم النازحين    ملك إسبانيا: المتحف الكبير أيقونة مصر السياحية والثقافية الجديدة    وزير الخارجية يتوجه إلى السعودية لإجراء لقاءات مع كبار المسؤولين في المملكة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بجع مصر الأسود ..!
نشر في المصريون يوم 02 - 09 - 2013

في 19 أكتوبر1987ضرب زلزال مالي عنيف البورصات الأميركية والبريطانية،عرف هذا اليوم فيما بعد ب"الاثنين الأسود"،وبقيت ذكراه عالقة في الأذهان لوقت طويل وسبب للكثيرين كوابيس بقيت تطاردهم لسنوات،خسر المتداول آنذاك"نسيم طالب"في8دقائق فقط 8 ملايين دولار.
دفعت الخسارة الفادحة الرجل إلى تطوير نظرية"البجعة السوداء"التي تستند إلى اعتقاد ساد أوروبا في القرون الوسطى وهو أن كل البجع في الدنيا أبيض،لكن بعد اكتشاف قارة استراليا وجد أن هذا الاعتقاد خاطئ وأن في العالم بجعا أسود أيضا ما يعني أن ما كان يعتقده الأقدمون مستحيلا أصبح ممكن التحقق،ومختصر النظرية أن الأحداث الكبرى في التاريخ حدثت بفعل المفاجأة وكانت غير متوقعة،مثل الحرب العالمية الأولى وأحداث 11 سبتمبر 2001 وغيرهما.
"البجع الأسود"في مصر يبدو كثيرا ومتزاحما هذه الأيام،فثورة 25 يناير وفقا لهذه النظرية ليست إلا بجعة سوداء كبيرة،فالشعب المصري معروف تاريخيا ب"صبر أيوب"على حكامه مهما بلغ بهم الطغيان والفساد والظلم،وهو صبر فهمه البعض خطأ حتى استقر في مخيلتهم أن"المصريين خانعون وجبناء وليسوا أهل ثورات ولا يحزنون"،وتاليا كان الخروج العظيم مفاجأة غير متوقعة أو تحققا لما يصفه الرياضيون ب"الفرضية المستحيلة".
صعود جماعة الاخوان المسلمين إلى سدة الحكم وسيطرتهم على مقاليد الأمور في البلاد كان كذلك"بجعة سوداء"على الأقل بالنسبة إلى الذين تصوروا أن الاخوان توأم المعارضة.
أما"البجعة السوداء"الأكثر ضخامة فهي خروج الاخوان سريعا من القصر ؛خصوصا وأنهم كانوا يهيئون أنفسهم لحكم يمتد مائتي عام،أو 50سنة على الأقل وفقا لما قاله الرئيس المعزول محمد مرسي للفريق السيسي،بل إن اعتقادا محبطا ومتشائما شاع في أوساط النخبة بأن الاخوان لن يغادروا السلطة أبدا ولو بعد قرون إلا بالدم؛لكن الشعب المصري أذهل الجميع وأجبرهم على مغادرة السلطة بعد عام واحد.
"البجع الأسود"على الأرجح لن يتوقف عن السباحة في نيل مصر خلال الشهور والسنوات المقبلة،فانهيار الشراكة الاستراتيجية بين مصر وأميركا بجعة سوداء تبدو في طور النمو وهي تكبر بسرعة لم يتوقعها أحد في أسوأ الكوابيس.
كذلك فإن تحول جماعة الاخوان إلى"عدو للشعب المصري"مطارد ومعزول ومهمش من قبل أبنائه"بجعة سوداء"،خصوصا وأن الاخوان أنفقوا الملايين وربما المليارات في حملات شراء الولاءات وتعبئة المشاعر في الأرياف بالقوافل الطبية والمراكز الصحية والعلاج المجاني وتزويج الفتيات الفقيرات.
أما"البجعة السوداء" الأكثر خطورة وإن لم تعد مستبعدة فهي أن تجد مصر نفسها في مواجهة دامية وغير متوقعة مع الغرب تعيد إلى الأذهان الصدامات العنيفة والمستمرة خلال الحقبة الناصرية.
مقدمات ظهور هذه"البجعة السوداء"تبدو واضحة وجلية،في غضب غربي وأمريكي عارم جراء الاطاحة بنظام حكم الاخوان المسلمين،واصرار غريب من"الاخوان" على انكار الواقع والتنكر للشعب المصري وعداء غير مبرر ضده،وعلاقات مريبة بين الاخوان وأميركا لا تخطئها العين واجتماعات لرؤساء أجهزة استخبارات غربية بحضور ممثلين عن الجماعة في اسطنبول وقبرص وعواصم أخرى،ورغبة محمومة ومريضة في انهاك أجهزة الأمن و قوى الجيش في معارك يومية تدور رحاها في مختلف المناطق لا سيما في سيناء.
لكن الخبر السار هنا أن"البجع الأسود"ليس كله سيئا،فاستعادة مصر استقلالية قرارها الوطني وتحريره من ربقة التبعية لأميركا بدعوى التحالف الاستراتيجي "بجعة سوداء"لم تكن متوقعة لكنها حدثت حتى اعترف الأمريكيون أنفسهم أن بلدهم لم يعد يملك أي قدرة للتأثير على مصر.
كما وأن وحدة الشعب المصري واصطفافه خلف قواته المسلحة التي انحازت إلى ارادته في التغيير هي أيضا"بجعة سوداء"تدعو إلى السعادة وتبعث على التفاؤل ، خصوصا بعد الانقسام الحاد الذي زرعه الاخوان في كل بيت وحارة وزقاق في مصر.
"البجع الأسود"على الأرجح سينمو ويتكاثر على ضفافنا في المرحلة المقبلة،وربما على نحو أسرع وأكبر مما نتوقعه،والمؤكد أن الأفضل لمصر وشعبها التحسب له والتهيؤ لاستقباله وسواء كان من النوع السار أو المؤلم بدلا عن الوقوف في مربع الدهشة والذهول عندما يأتينا!
يُعرّف موقع ويكيبيديا الالكتروني نسيم طالب بعالم الابيستمولوجيا اللبناني الأصل الذي يكتب بالإنكليزية ويقيم في نيويورك. اشتهرَ بقصصه الفلسفية بقالب سردي روائي، تخيّم عليها السيرة الذاتية والتعليقات العلمية.
وصفته صحيفة التايمز البريطانية ب«أكبر مفكر في العالم»، هو القائل ان «العالم الذي نعيش به يختلف بشكل كبير عن العالم الذي نفكر أن نعيش فيه»؟

نظرية البجعة السوداء
لكن ما حكاية كتابه ونظريته «البجعة السوداء»؟ في حين لم يتوقع أحد الانهيارات الحاصلة في وول ستريت والأسواق المالية الأوروبية والآسيوية اليوم، انفرد طالب بهذه التنبؤات. وتأكيداً على تنبؤاته الصحيحة، يعود طالب إلى مقاله المنشور في جريدة نيويورك تايمز في أغسطس عام 2003، عندما توقع أن تشهد مؤسسة الرهن العقاري العملاقة «فاني ماي« مخاطراً في ارتفاع معدلات الفائدة التي قد تؤثر سلباً على قيمة محافظها المالية. وفي الصفحة 255 من كتابه الأخير «البجعة السوداء» الذي نشر في مايو 2007، يكتب طالب: «عندما أنظر إلى مخاطر «فاني ماي» يبدو لي أنها تجلس على برميل من الديناميت».
ووجد كتابه الذي يتحدث عن علم الاقتصاد والفلسفة صدى كبيراً لدى الجمهور، خصوصا أنه يخاطب زمنه، وأصبح نصاً أساسياً في المساعدة على فهم الأزمة التي تمر بها الأسواق الرأسمالية.
ولم يحقق الكتاب أعلى مبيعات في أميركا فحسب، بل أصبح لعنوانه تأثيراً بالغاً في وصف الأزمة المالية التي أطلق عليها «أزمة البجعة السوداء».
وتدور الفكرة الرئيسية لكتاب طالب حول عدد صغير من الأحداث غير المتوقعة -أي البجعة السوداء - وتفسر هذه الأحداث الكثير من الاضطرابات التي تضرب أسواق العالم اليوم. وتعبير البجعة السوداء جاء من القرون الوسطى في القارة الأوروبية، حيث كان يسود الاعتقاد بأن كل البجع لونه أبيض، لذا لا وجود للبجع الأسود. وبعد اكتشاف البجع الأسود في القرن السابع عشر في أستراليا، بات تعبير البجعة السوداء يعني أن المستحيل ممكن التحقق.
وطور طالب نظريته على هذا المنوال، مفادها أن الأحداث الكبرى في التاريخ حدثت بفعل المفاجأة وكانت غير متوقعة، مثل اكتشاف الكمبيوتر والإنترنت والحرب العالمية الأولى وأحداث 11 سبتمبر 2001، وأخيراً انفجار أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة. ويقول طالب ان «أدوات فهمنا لما يجري في وول ستريت وضعت خلال القرنين الماضيين، وهي باتت عتيقة. نحتاج اليوم إلى أدوات جديدة، لأن سوء الفهم أصبح ضخماً وكلّف في الأزمة الراهنة تريليون دولار من الخسائر».
تفسير الأزمة الحالية
إذاً، كيف يفسر طالب الأزمة المالية الحالية؟ بالقول إنه لا تفسير لها! سببتها فقط البجعة السوداء المستحيلة التي تصبح فجأة ممكنة في عالم العجائب الرأسمالي. وعادة تحاول شتى العلوم، خصوصا الإحصائية والرياضية والاقتصادية منها، البحث عن الأحداث الأكثر احتمالا من خلال قراءة التاريخ. لذا يتم رسم الأحداث وتحديد احتمالاتها من خلال المنحنى الطبيعي، والذي يأخذ شكل الجرس Bill Curve.
فالأحداث التي تقع على الأطراف هي الأقل احتمالا، أما الأحداث التي تقع قريباً من المنتصف، فهي أكثر احتمالا للوقوع، مما يعني أن علينا التركيز عليها بشكل أكبر. ومنذ ظهور نظرية التوزيع الطبيعي للأحداث، ركز الباحثون على بناء نماذج التنبؤ بالأحداث المستقبلية على هذا الأساس، بمحاولة استخلاص الاحتمالات من القراءة التاريخية لها. لكن طالب قلب هذه الطريقة من التفكير رأساً على عقب عندما قدم كتابيه، الأول: Fooled by Randomness والثاني The Black Swans.
والحقيقة التي يحاول طالب إظهارها في الكتاب الأخير، حسب مقال كتبه الصحافي اللبناني سعد محيو، أحدثت نوعاً من الصداع لدى محللي وول ستريت ولدى أكثر الناس ألمعية في علوم التمويل والاقتصاد والإحصاء، أمثال مايرون سكولز وروبرت إنجلز الحائزين على جائزة نوبل في الاقتصاد. فهو ينطلق من حقيقة أن الطريقة التي نرى ونقرأ بها الأحداث تجعلنا نركز على الأحداث الأكثر احتمالا فقط. لذا تعتبر مشكلة المحللين الماليين، حسب طالب، ضعف قدرتهم على التنبؤ أو التقليل من أهمية هذه الأحداث أو البجعة السوداء، لأنها تقع في أطراف التوزيع الطبيعي. هذا على الرغم من أهمية هذه الأحداث في التأثير على عوائد الاستثمارات، خصوصاً على المدى الطويل.
هذا، ويعتبر طالب أن العشوائية علم يمكن دراسته على 3 مستويات: علم الرياضيات والتجربة والسلوكيات البشرية، لكنه يشير إلى أن مشكلة العشوائية الكبرى لا يمكن حلها، و«هذا ما يكرهه الأكاديميون فيّ»، على حد تعبيره لصحيفة صنداي تايمز البريطانية.
ويعترف طالب في حديثه ل«صنداي تايمز» بأنه توقع الأزمة الحالية عندما انتخب بن برنانكي رئيسا لمجلس الاحتياطي اليدرالي الأميركي. ويقول: «برنانكي كان بمنزلة البجعة السوداء، ما كنت لأستخدمه حتى ليقود سيارتي. هذا النوع من الرجال خطير. ليسوا مؤهلين في حقولهم الصحيحة».
طفولته ودراسته
وأدوات التحليل التي يستخدمها طالب لم تأت من علم الفيزياء أو الكيمياء. بل اكتشفها من الملاجئ تحت الأرض التي كان يختبئ فيها هو وعائلته خلال الحرب الأهلية اللبنانية، التي اندلعت عام 1975. إذ مكّنه ذلك من الانكباب الكثيف على دراسة الاقتصاد والفلسفة، التي بدأها في صفوف «الليسيه فرانسي» في بيروت. فهو ابن أسرة لبنانية مسيحية من طائفة الروم الأرثوذكس، ثرية ومثقفة. والدته مينيرفا غصن، ابنة نائب رئيس وزراء لبناني سابق. حصل على درجة الماجستير في الإدارة من جامعة بنسلفانيا، والدكتوراه من جامعة باريس قبل أن يصبح متداولا في وول ستريت. بعد ذلك، جاء الاثنين الأسود في 19 أكتوبر 1987 الذي ضرب الأسواق الأميركية والبريطانية. وهو الحدث الذي عزز من اعتقاده بالأحداث الصدفة، والذي وصفه قائلا: «لقد كانت بجعة سوداء كبيرة، استطاعت أن تؤثر بدرجة كبيرة على فكري أكثر من أي حدث آخر».
ففي هذا التاريخ، خسر طالب 8 ملايين دولار في البورصة خلال 8 دقائق عن طريق الصدفة، الأمر الذي دفعه إلى بدء تطوير نظرية البجعة السوداء التي تدعو إلى انتظار غير المنتظر في الاقتصاد. والسبب في خسارته يعيده طالب إلى البجعة السوداء التي أتت على مدخرات 8 سنوات.
وساعد كتاب طالب الذي أصدره عام 2001 تحت عنوان: «مخدوع بالعشوائية» على بزوغه كمفكر معاصر. ووجد الكاتب أن هناك مخططين استراتيجيين في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) يتبنون آراءه. ففي فبراير 2002، استعان وزير الدفاع دونالد رامسفيلد بإحدى أفكار طالب قائلاً: «ثمة أمور معروف أنها معروفة. وثمة أمور نعرف أننا نعرفها. وثمة أمور نعرف أنها غير معروفة. أي هناك أشياء نعرف أننا لا نعرفها، لكن ثمة أيضاً أشياء غير معروفة ولا نعرفها، وهناك أشياء لا نعرف أننا لا نعرفها».
انتقاد المحللين
لم يكن طالب أول من تنبأ بالأزمة العالمية ككل فحسب، بل توقع أيضا ضربة لبنك سوسيته جنرال الفرنسي في ديسمبر عام 2007. وقال عند لقائه عددا من المصرفيين في البنك: «أنتم جالسون على بجع أسود»، لكنهم لم يأخذوه على محمل الجد. وبعد 6 أسابيع، سبب المتداول جيروم كيرفيل خسارة للبنك ب7.2 مليارات دولار. ومع هذا لا يعتقد طالب أنه كاتب إيديولوجي أو حتى فلسفي، رغم أن كتابه يتضمن عناصر من عالم الفكر، إذ يشير في أحد النصوص إلى دور الثقافة السلبية التي تمتد ملاحظاتها بشكل سهل من السببية إلى الخرافة.
ويفسر طالب، الذي أسس في عام 1997 شركة في نيويورك لإدارة صناديق التحوط ثم أغلقها في عام 2004، سوء الفهم أو الإدراك في أسواق المال بأن «جزءا منه يرتكز على معتقداتنا بأن المحللين الماليين والمصرفيين يتحلون بمعرفة خارقة. ففي حين يعرف الفلاحون أن ليس بإمكانهم التنبؤ بالمستقبل، يعتقد مصرفيو وول ستريت أنهم قادرون على ذلك». ويضيف: «المصارف توظف أناساً أغبياء وتدربهم على أن يكونوا أغبياء بدرجة أكبر».
وحسب صحيفة ذي أوبزرفر البريطانية، تعتبر قصة الديك الرومي والجزار من أكثر الحكايا المجازية المفضلة لدى طالب. فالأول يعتاد على فكرة تغذيته قبل أن يتم ذبحه في الكريسماس، وبالتالي يقع ضحية «الردة إلى أصل المعتقد». ويؤكد طالب أنه ما من أحد أكثر ذنباً من العيش كالديك الرومي إلا المحللين الماليين لإدارة المخاطر والخبراء الاقتصاديين الذين يعتمدون على نماذج كمبيوترية لا توفر تفسيراً للكوارث النادرة.
مليء بالتناقض
إلى ذلك، يعتبر طالب مليئا بالتناقض. ويقول عن نفسه: «مشكلتي أن والدتي تقول لي دائماً إنني مسيحي في وجهات نظري». ويدعي طالب أنه لا يقرأ الصحف، غير أن موقعه الإلكتروني مليء بالقصاصات الصحفية، ويقول إنه حصل عليها ممن يقابلهم في الحفلات. ومقابل كل محاضرة يلقيها اليوم، يحصل طالب على 60 الف دولار، هو الذي عمل في فترة أستاذا لمادة إدارة المخاطر في جامعة ماساتشوستس. ويرى طالب أن العولمة التي من المفترض أن تجعل الماكينة الاقتصادية أكثر مرونة، أثرت بشكل معاكس. ويضيف: «علم الاقتصاد هو كالتراجيديا بالنسبة لي. ببساطة انظر إلى العالم ككل كيف يجري تبعاً لبعض الأفكار التي لم تبرهن على كفايتها. بالنسبة للنظام المالي ككل، لا نعرف ولا نفهم السياسة الاقتصادية، هل يمكن لك إدراكها؟ إذ عندما خفض آلان غرينسبان معدلات الفائدة ظناً منه أن هذه الخطوة قد تساعد الاقتصاد، ما كان من الجميع إلا أن دفعوا المصارف نحو المخاطر وأعني بها المخاطر الخفية».
ويعتبر طالب أن هوايته الرئيسية إثارة الذين لا يملكون الشجاعة أحياناً لقول انهم لا يعرفون. ويقول في لقاء مع صحيفة نيويورك تايمز الأميركية: «نحن نضخم تأثير العلاقات على الأحداث. فعندما نلتقي شخصا أصبح من خلال لعب الروليت الروسية ثريا وقويا ومسيطرا، نتصرف كأن هذا الفرد أصبح كذلك بفضل مهاراته، حتى لو كنا ندرك تماما أنها لعبة حظ. لماذا؟ لأن سلوكياتنا البشرية علمتنا أن نقدر الأشخاص حسب المظاهر».

البروفيسور والفيلسوف، اللبناني الأصل، والنيويوركي المقرّ، نسيم طالب
بروفيسور هندسة المخاطر في جامعة نيويورك وصاحب الكتاب ذي المبيعات الأبرز في عام 2007، (البجعة السوداء)
كان طالب قبل الأزمة يجوب المحاضن المالية في ضاحية مانهاتن، ليلقي المحاضرات على مسؤولي إدارة المخاطر فيها، حول فشل ومغالطة نماذجهم القائمة على التنبؤات المُضللة. في مارس من عام 2007، وعلى تقاطع شارعي 47 أفينيو والبرودواي، كان نسيم طالب يُلقي محاضرة لاذعة على فريق إدارة المخاطر في مصرف مورجان ستانلي، وُصم في نهايتها بالمُهرطِق والحالم المتعالي، ذلك كان قبل ستة أشهر من مواجهة البنك لأزمته الائتمانية العظمى.

وتنعكس دعوات طالب الراديكالية للتغيير على شخصيته، فهو شديد الوداعة، شديد الصعلَكة، يلقي بالمعجنات جانباً ويقصر أكله على ما بداخل الرغيف من جبن وخس، ويؤكد على أنه يمشي في الأسبوع عشرين ساعة بالتمام، تأهباً لأي حدث "بجعة سوداء" قد يُهدد صحته الشخصية!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.