بعد إعلان نتيجة الثانوية الأزهرية 2025.. مؤشرات تنسيق كليات جامعة الأزهر طب 93.69%.. هندسة 88.62% (رابط)    حزب الجبهة الوطنية يختتم دعايته ب8 مؤتمرات جماهيرية قبل الصمت الانتخابي    مصر تدعم أوغندا لإنقاذ بحيراتها من قبضة ورد النيل.. ومنحة ب 3 ملايين دولار    كمال أبوعيطة: إسرائيل العدو الأول للعرب ولا نستطيع مواجهتها بدون اقتصاد وطني    وزير الأوقاف يحيل مخالفات إلى التحقيق العاجل ويوجه بتشديد الرقابة    سميرة عبد العزيز في ضيافة المهرجان القومي للمسرح    الإنجيلية تعرب عند تقديرها لدور مصر لدعم القضية الفلسطينية    سعر الفضة اليوم السبت 26 يوليو 2025.. عيار 925 يسجل رقمًا جديدًا    بحوث تكنولوجيا الأغذية يواصل تنفيذ خطة رفع كفاءة طلاب الجامعات المصرية    انخفاض سعر الدواجن المجمدة ل 110 جنيهات للكيلو بدلا من 125 جنيها بالمجمعات الاستهلاكية.. وطرح السكر ب30 جنيها.. وشريف فاروق يفتتح غدا فرع جديد لمبادرة أسواق اليوم الواحد بالجمالية    مركز التجارة الدولي: 28 مليون دولار صادرات مصر من الأسماك خلال 2024    الضرائب: إلزام فئات جديدة بإصدار إيصالات إلكترونية في هذا الموعد    مستقبل وطن: دعوات التجمهر أمام السفارات المصرية محاولة يائسة لإثارة الفوضى    قناة سورية رسمية: دمشق تحمّل تل أبيب مسؤولية التصعيد في السويداء خلال اجتماع غير معلن بباريس    السيسي وماكرون يبجثان جهود وقف إطلاق النار بغزة وتبادل الرهائن وإيصال المساعدات    تايلاند: تمكنا من ردع قوات كمبودية في أربع مناطق وتم إجلاء 4000 شخص من سا كايو    لن توقف المجاعة.. مفوض «الأونروا» ينتقد إسقاط المساعدات جوا في غزة    الدفاع المدني في غزة يحذر من توقف مركباته التي تعمل في التدخلات الإنسانية    ترامب "مجرم أمريكى مدان يصل أسكتلندا".. جدل بسبب مانشيت صحيفة محلية.. تفاصيل    محاضرة فنية للاعبي الزمالك في معسكر العاصمة الإدارية    إيفرتون ينضم لمعسكر بيراميدز.. ومصدر يكشف تفاصيل الصفقة المالية (خاص)    كوكا يقترب من الانتقال إلى الاتفاق السعودي    مطالبات في المصري بالتجديد لمحمود جاد    لاعب الزمالك على أعتاب الانتقال لفاركو    المدرسة الأمريكية تقترب من القيادة الفنية لرجال الطائرة بالأهلي    إنتر ميامي يتعاقد مع الأرجنتيني دي بول لاعب أتلتيكو مدريد    حفيد الإمام محمود شلتوت الأول على الجمهورية بالثانوية الأزهرية: أسرتي كانت الداعم لي    أبو ليمون يهنئ أوائل الثانوية الأزهرية من أبناء محافظة المنوفية    بعد إصابة 34 شخصًا.. تحقيقات لكشف ملابسات حريق مخزن أقمشة وإسفنج بقرية 30 يونيو بشمال سيناء    مصرع سيدة أسفل عجلات قطار بمدينة إسنا خلال توديع أبناؤها قبل السفر    "القومي للطفولة" يشيد بقرار محافظ الجيزة بحظر اسكوتر الأطفال    المهن التمثيلية تعلن تضامنها الكامل مع وفاء عامر    حبس أنوسة كوته 3 أشهر وتعويض 100 ألف جنيه في واقعة "سيرك طنطا"    بسبب 19 تذكرة.. دور العرض ترفع فيلم في عز الضهر من شاشاتها    سميرة عبد العزيز في ندوة تكريمها من المهرجان القومي للمسرح: أحب الدور المفيد للجمهور    رامى عاشور: مصر تعطل أهداف الإبادة فى غزة وتحافظ على بقاء النبض الفلسطينى    الإفتاء ترد على الجدل الدائر: لا خلاف بين العلماء على تحريم الحشيش    ما حكم تعاطي «الحشيش»؟.. وزير الأوقاف يوضح الرأي الشرعي القاطع    توقيع الكشف الطبي على 392 مواطناً بقافلة جامعة المنصورة بالشيخ زويد    الصحة: مصر تستعرض تجربتها الرائدة في مبادرة «العناية بصحة الأم والجنين»    أسوان تواصل توريد القمح بزيادة 82% عن العام الماضي (صور)    محافظ أسوان يتفقد نسب الإنجاز بمشروعات المياه والصرف ميدانيًا (صور)    إصابة سيدة في انهيار منزل قديم بقرية قرقارص في أسيوط    هل اقترب انضمام محمد إسماعيل للزمالك؟.. مصدر يوضح    الصحة تدعم البحيرة بأحدث تقنيات القسطرة القلبية ب46 مليون جنيه    ماذا تأكل صباحًا عند الاستيقاظ منتفخًا البطن؟    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 154 مخالفة عدم الالتزام بغلق المحلات في مواعيدها    "الثقافة صوت الأمة وضميرها" وزير الثقافة يهنئ المبدعين بيوم الثقافة العربية ويدعو لتعزيز الهوية وصون التراث    النيابة تقرر إعادة استجواب الطاقم الطبي لأطفال دلجا بالمنيا    رسميًا إعلان نتيجة الثانوية الأزهرية 2025 بنسبة 53.99% (رابط بوابة الأزهر الإلكترونية)    مقتل 4 أشخاص في روسيا وأوكرانيا مع استمرار الهجمات الجوية بين الدولتين    وزير الثقافة ناعيًا الفنان اللبناني زياد الرحباني: رحيل قامة فنية أثرت الوجدان العربي    يوم الخالات والعمات.. أبراج تقدم الدعم والحب غير المشروط لأبناء أشقائها    سعر الخضار والفواكه اليوم السبت 26-7-2025 بالمنوفية.. البصل يبدأ من 10 جنيهات    كيف احافظ على صلاة الفجر؟.. أمين الفتوى يجيب    بعد ظهور نتيجة الثانوية 2025.. وزارة التعليم: لا يوجد تحسين مجموع للناجحين    الأوقاف تعقد 27 ندوة بعنوان "ما عال من اقتصد.. ترشيد الطاقة نموذجًا" الأحد    بعد «أزمة الحشيش».. 4 تصريحات ل سعاد صالح أثارت الجدل منها «رؤية المخطوبة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بجع مصر الأسود ..!
نشر في المصريون يوم 02 - 09 - 2013

في 19 أكتوبر1987ضرب زلزال مالي عنيف البورصات الأميركية والبريطانية،عرف هذا اليوم فيما بعد ب"الاثنين الأسود"،وبقيت ذكراه عالقة في الأذهان لوقت طويل وسبب للكثيرين كوابيس بقيت تطاردهم لسنوات،خسر المتداول آنذاك"نسيم طالب"في8دقائق فقط 8 ملايين دولار.
دفعت الخسارة الفادحة الرجل إلى تطوير نظرية"البجعة السوداء"التي تستند إلى اعتقاد ساد أوروبا في القرون الوسطى وهو أن كل البجع في الدنيا أبيض،لكن بعد اكتشاف قارة استراليا وجد أن هذا الاعتقاد خاطئ وأن في العالم بجعا أسود أيضا ما يعني أن ما كان يعتقده الأقدمون مستحيلا أصبح ممكن التحقق،ومختصر النظرية أن الأحداث الكبرى في التاريخ حدثت بفعل المفاجأة وكانت غير متوقعة،مثل الحرب العالمية الأولى وأحداث 11 سبتمبر 2001 وغيرهما.
"البجع الأسود"في مصر يبدو كثيرا ومتزاحما هذه الأيام،فثورة 25 يناير وفقا لهذه النظرية ليست إلا بجعة سوداء كبيرة،فالشعب المصري معروف تاريخيا ب"صبر أيوب"على حكامه مهما بلغ بهم الطغيان والفساد والظلم،وهو صبر فهمه البعض خطأ حتى استقر في مخيلتهم أن"المصريين خانعون وجبناء وليسوا أهل ثورات ولا يحزنون"،وتاليا كان الخروج العظيم مفاجأة غير متوقعة أو تحققا لما يصفه الرياضيون ب"الفرضية المستحيلة".
صعود جماعة الاخوان المسلمين إلى سدة الحكم وسيطرتهم على مقاليد الأمور في البلاد كان كذلك"بجعة سوداء"على الأقل بالنسبة إلى الذين تصوروا أن الاخوان توأم المعارضة.
أما"البجعة السوداء"الأكثر ضخامة فهي خروج الاخوان سريعا من القصر ؛خصوصا وأنهم كانوا يهيئون أنفسهم لحكم يمتد مائتي عام،أو 50سنة على الأقل وفقا لما قاله الرئيس المعزول محمد مرسي للفريق السيسي،بل إن اعتقادا محبطا ومتشائما شاع في أوساط النخبة بأن الاخوان لن يغادروا السلطة أبدا ولو بعد قرون إلا بالدم؛لكن الشعب المصري أذهل الجميع وأجبرهم على مغادرة السلطة بعد عام واحد.
"البجع الأسود"على الأرجح لن يتوقف عن السباحة في نيل مصر خلال الشهور والسنوات المقبلة،فانهيار الشراكة الاستراتيجية بين مصر وأميركا بجعة سوداء تبدو في طور النمو وهي تكبر بسرعة لم يتوقعها أحد في أسوأ الكوابيس.
كذلك فإن تحول جماعة الاخوان إلى"عدو للشعب المصري"مطارد ومعزول ومهمش من قبل أبنائه"بجعة سوداء"،خصوصا وأن الاخوان أنفقوا الملايين وربما المليارات في حملات شراء الولاءات وتعبئة المشاعر في الأرياف بالقوافل الطبية والمراكز الصحية والعلاج المجاني وتزويج الفتيات الفقيرات.
أما"البجعة السوداء" الأكثر خطورة وإن لم تعد مستبعدة فهي أن تجد مصر نفسها في مواجهة دامية وغير متوقعة مع الغرب تعيد إلى الأذهان الصدامات العنيفة والمستمرة خلال الحقبة الناصرية.
مقدمات ظهور هذه"البجعة السوداء"تبدو واضحة وجلية،في غضب غربي وأمريكي عارم جراء الاطاحة بنظام حكم الاخوان المسلمين،واصرار غريب من"الاخوان" على انكار الواقع والتنكر للشعب المصري وعداء غير مبرر ضده،وعلاقات مريبة بين الاخوان وأميركا لا تخطئها العين واجتماعات لرؤساء أجهزة استخبارات غربية بحضور ممثلين عن الجماعة في اسطنبول وقبرص وعواصم أخرى،ورغبة محمومة ومريضة في انهاك أجهزة الأمن و قوى الجيش في معارك يومية تدور رحاها في مختلف المناطق لا سيما في سيناء.
لكن الخبر السار هنا أن"البجع الأسود"ليس كله سيئا،فاستعادة مصر استقلالية قرارها الوطني وتحريره من ربقة التبعية لأميركا بدعوى التحالف الاستراتيجي "بجعة سوداء"لم تكن متوقعة لكنها حدثت حتى اعترف الأمريكيون أنفسهم أن بلدهم لم يعد يملك أي قدرة للتأثير على مصر.
كما وأن وحدة الشعب المصري واصطفافه خلف قواته المسلحة التي انحازت إلى ارادته في التغيير هي أيضا"بجعة سوداء"تدعو إلى السعادة وتبعث على التفاؤل ، خصوصا بعد الانقسام الحاد الذي زرعه الاخوان في كل بيت وحارة وزقاق في مصر.
"البجع الأسود"على الأرجح سينمو ويتكاثر على ضفافنا في المرحلة المقبلة،وربما على نحو أسرع وأكبر مما نتوقعه،والمؤكد أن الأفضل لمصر وشعبها التحسب له والتهيؤ لاستقباله وسواء كان من النوع السار أو المؤلم بدلا عن الوقوف في مربع الدهشة والذهول عندما يأتينا!
يُعرّف موقع ويكيبيديا الالكتروني نسيم طالب بعالم الابيستمولوجيا اللبناني الأصل الذي يكتب بالإنكليزية ويقيم في نيويورك. اشتهرَ بقصصه الفلسفية بقالب سردي روائي، تخيّم عليها السيرة الذاتية والتعليقات العلمية.
وصفته صحيفة التايمز البريطانية ب«أكبر مفكر في العالم»، هو القائل ان «العالم الذي نعيش به يختلف بشكل كبير عن العالم الذي نفكر أن نعيش فيه»؟

نظرية البجعة السوداء
لكن ما حكاية كتابه ونظريته «البجعة السوداء»؟ في حين لم يتوقع أحد الانهيارات الحاصلة في وول ستريت والأسواق المالية الأوروبية والآسيوية اليوم، انفرد طالب بهذه التنبؤات. وتأكيداً على تنبؤاته الصحيحة، يعود طالب إلى مقاله المنشور في جريدة نيويورك تايمز في أغسطس عام 2003، عندما توقع أن تشهد مؤسسة الرهن العقاري العملاقة «فاني ماي« مخاطراً في ارتفاع معدلات الفائدة التي قد تؤثر سلباً على قيمة محافظها المالية. وفي الصفحة 255 من كتابه الأخير «البجعة السوداء» الذي نشر في مايو 2007، يكتب طالب: «عندما أنظر إلى مخاطر «فاني ماي» يبدو لي أنها تجلس على برميل من الديناميت».
ووجد كتابه الذي يتحدث عن علم الاقتصاد والفلسفة صدى كبيراً لدى الجمهور، خصوصا أنه يخاطب زمنه، وأصبح نصاً أساسياً في المساعدة على فهم الأزمة التي تمر بها الأسواق الرأسمالية.
ولم يحقق الكتاب أعلى مبيعات في أميركا فحسب، بل أصبح لعنوانه تأثيراً بالغاً في وصف الأزمة المالية التي أطلق عليها «أزمة البجعة السوداء».
وتدور الفكرة الرئيسية لكتاب طالب حول عدد صغير من الأحداث غير المتوقعة -أي البجعة السوداء - وتفسر هذه الأحداث الكثير من الاضطرابات التي تضرب أسواق العالم اليوم. وتعبير البجعة السوداء جاء من القرون الوسطى في القارة الأوروبية، حيث كان يسود الاعتقاد بأن كل البجع لونه أبيض، لذا لا وجود للبجع الأسود. وبعد اكتشاف البجع الأسود في القرن السابع عشر في أستراليا، بات تعبير البجعة السوداء يعني أن المستحيل ممكن التحقق.
وطور طالب نظريته على هذا المنوال، مفادها أن الأحداث الكبرى في التاريخ حدثت بفعل المفاجأة وكانت غير متوقعة، مثل اكتشاف الكمبيوتر والإنترنت والحرب العالمية الأولى وأحداث 11 سبتمبر 2001، وأخيراً انفجار أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة. ويقول طالب ان «أدوات فهمنا لما يجري في وول ستريت وضعت خلال القرنين الماضيين، وهي باتت عتيقة. نحتاج اليوم إلى أدوات جديدة، لأن سوء الفهم أصبح ضخماً وكلّف في الأزمة الراهنة تريليون دولار من الخسائر».
تفسير الأزمة الحالية
إذاً، كيف يفسر طالب الأزمة المالية الحالية؟ بالقول إنه لا تفسير لها! سببتها فقط البجعة السوداء المستحيلة التي تصبح فجأة ممكنة في عالم العجائب الرأسمالي. وعادة تحاول شتى العلوم، خصوصا الإحصائية والرياضية والاقتصادية منها، البحث عن الأحداث الأكثر احتمالا من خلال قراءة التاريخ. لذا يتم رسم الأحداث وتحديد احتمالاتها من خلال المنحنى الطبيعي، والذي يأخذ شكل الجرس Bill Curve.
فالأحداث التي تقع على الأطراف هي الأقل احتمالا، أما الأحداث التي تقع قريباً من المنتصف، فهي أكثر احتمالا للوقوع، مما يعني أن علينا التركيز عليها بشكل أكبر. ومنذ ظهور نظرية التوزيع الطبيعي للأحداث، ركز الباحثون على بناء نماذج التنبؤ بالأحداث المستقبلية على هذا الأساس، بمحاولة استخلاص الاحتمالات من القراءة التاريخية لها. لكن طالب قلب هذه الطريقة من التفكير رأساً على عقب عندما قدم كتابيه، الأول: Fooled by Randomness والثاني The Black Swans.
والحقيقة التي يحاول طالب إظهارها في الكتاب الأخير، حسب مقال كتبه الصحافي اللبناني سعد محيو، أحدثت نوعاً من الصداع لدى محللي وول ستريت ولدى أكثر الناس ألمعية في علوم التمويل والاقتصاد والإحصاء، أمثال مايرون سكولز وروبرت إنجلز الحائزين على جائزة نوبل في الاقتصاد. فهو ينطلق من حقيقة أن الطريقة التي نرى ونقرأ بها الأحداث تجعلنا نركز على الأحداث الأكثر احتمالا فقط. لذا تعتبر مشكلة المحللين الماليين، حسب طالب، ضعف قدرتهم على التنبؤ أو التقليل من أهمية هذه الأحداث أو البجعة السوداء، لأنها تقع في أطراف التوزيع الطبيعي. هذا على الرغم من أهمية هذه الأحداث في التأثير على عوائد الاستثمارات، خصوصاً على المدى الطويل.
هذا، ويعتبر طالب أن العشوائية علم يمكن دراسته على 3 مستويات: علم الرياضيات والتجربة والسلوكيات البشرية، لكنه يشير إلى أن مشكلة العشوائية الكبرى لا يمكن حلها، و«هذا ما يكرهه الأكاديميون فيّ»، على حد تعبيره لصحيفة صنداي تايمز البريطانية.
ويعترف طالب في حديثه ل«صنداي تايمز» بأنه توقع الأزمة الحالية عندما انتخب بن برنانكي رئيسا لمجلس الاحتياطي اليدرالي الأميركي. ويقول: «برنانكي كان بمنزلة البجعة السوداء، ما كنت لأستخدمه حتى ليقود سيارتي. هذا النوع من الرجال خطير. ليسوا مؤهلين في حقولهم الصحيحة».
طفولته ودراسته
وأدوات التحليل التي يستخدمها طالب لم تأت من علم الفيزياء أو الكيمياء. بل اكتشفها من الملاجئ تحت الأرض التي كان يختبئ فيها هو وعائلته خلال الحرب الأهلية اللبنانية، التي اندلعت عام 1975. إذ مكّنه ذلك من الانكباب الكثيف على دراسة الاقتصاد والفلسفة، التي بدأها في صفوف «الليسيه فرانسي» في بيروت. فهو ابن أسرة لبنانية مسيحية من طائفة الروم الأرثوذكس، ثرية ومثقفة. والدته مينيرفا غصن، ابنة نائب رئيس وزراء لبناني سابق. حصل على درجة الماجستير في الإدارة من جامعة بنسلفانيا، والدكتوراه من جامعة باريس قبل أن يصبح متداولا في وول ستريت. بعد ذلك، جاء الاثنين الأسود في 19 أكتوبر 1987 الذي ضرب الأسواق الأميركية والبريطانية. وهو الحدث الذي عزز من اعتقاده بالأحداث الصدفة، والذي وصفه قائلا: «لقد كانت بجعة سوداء كبيرة، استطاعت أن تؤثر بدرجة كبيرة على فكري أكثر من أي حدث آخر».
ففي هذا التاريخ، خسر طالب 8 ملايين دولار في البورصة خلال 8 دقائق عن طريق الصدفة، الأمر الذي دفعه إلى بدء تطوير نظرية البجعة السوداء التي تدعو إلى انتظار غير المنتظر في الاقتصاد. والسبب في خسارته يعيده طالب إلى البجعة السوداء التي أتت على مدخرات 8 سنوات.
وساعد كتاب طالب الذي أصدره عام 2001 تحت عنوان: «مخدوع بالعشوائية» على بزوغه كمفكر معاصر. ووجد الكاتب أن هناك مخططين استراتيجيين في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) يتبنون آراءه. ففي فبراير 2002، استعان وزير الدفاع دونالد رامسفيلد بإحدى أفكار طالب قائلاً: «ثمة أمور معروف أنها معروفة. وثمة أمور نعرف أننا نعرفها. وثمة أمور نعرف أنها غير معروفة. أي هناك أشياء نعرف أننا لا نعرفها، لكن ثمة أيضاً أشياء غير معروفة ولا نعرفها، وهناك أشياء لا نعرف أننا لا نعرفها».
انتقاد المحللين
لم يكن طالب أول من تنبأ بالأزمة العالمية ككل فحسب، بل توقع أيضا ضربة لبنك سوسيته جنرال الفرنسي في ديسمبر عام 2007. وقال عند لقائه عددا من المصرفيين في البنك: «أنتم جالسون على بجع أسود»، لكنهم لم يأخذوه على محمل الجد. وبعد 6 أسابيع، سبب المتداول جيروم كيرفيل خسارة للبنك ب7.2 مليارات دولار. ومع هذا لا يعتقد طالب أنه كاتب إيديولوجي أو حتى فلسفي، رغم أن كتابه يتضمن عناصر من عالم الفكر، إذ يشير في أحد النصوص إلى دور الثقافة السلبية التي تمتد ملاحظاتها بشكل سهل من السببية إلى الخرافة.
ويفسر طالب، الذي أسس في عام 1997 شركة في نيويورك لإدارة صناديق التحوط ثم أغلقها في عام 2004، سوء الفهم أو الإدراك في أسواق المال بأن «جزءا منه يرتكز على معتقداتنا بأن المحللين الماليين والمصرفيين يتحلون بمعرفة خارقة. ففي حين يعرف الفلاحون أن ليس بإمكانهم التنبؤ بالمستقبل، يعتقد مصرفيو وول ستريت أنهم قادرون على ذلك». ويضيف: «المصارف توظف أناساً أغبياء وتدربهم على أن يكونوا أغبياء بدرجة أكبر».
وحسب صحيفة ذي أوبزرفر البريطانية، تعتبر قصة الديك الرومي والجزار من أكثر الحكايا المجازية المفضلة لدى طالب. فالأول يعتاد على فكرة تغذيته قبل أن يتم ذبحه في الكريسماس، وبالتالي يقع ضحية «الردة إلى أصل المعتقد». ويؤكد طالب أنه ما من أحد أكثر ذنباً من العيش كالديك الرومي إلا المحللين الماليين لإدارة المخاطر والخبراء الاقتصاديين الذين يعتمدون على نماذج كمبيوترية لا توفر تفسيراً للكوارث النادرة.
مليء بالتناقض
إلى ذلك، يعتبر طالب مليئا بالتناقض. ويقول عن نفسه: «مشكلتي أن والدتي تقول لي دائماً إنني مسيحي في وجهات نظري». ويدعي طالب أنه لا يقرأ الصحف، غير أن موقعه الإلكتروني مليء بالقصاصات الصحفية، ويقول إنه حصل عليها ممن يقابلهم في الحفلات. ومقابل كل محاضرة يلقيها اليوم، يحصل طالب على 60 الف دولار، هو الذي عمل في فترة أستاذا لمادة إدارة المخاطر في جامعة ماساتشوستس. ويرى طالب أن العولمة التي من المفترض أن تجعل الماكينة الاقتصادية أكثر مرونة، أثرت بشكل معاكس. ويضيف: «علم الاقتصاد هو كالتراجيديا بالنسبة لي. ببساطة انظر إلى العالم ككل كيف يجري تبعاً لبعض الأفكار التي لم تبرهن على كفايتها. بالنسبة للنظام المالي ككل، لا نعرف ولا نفهم السياسة الاقتصادية، هل يمكن لك إدراكها؟ إذ عندما خفض آلان غرينسبان معدلات الفائدة ظناً منه أن هذه الخطوة قد تساعد الاقتصاد، ما كان من الجميع إلا أن دفعوا المصارف نحو المخاطر وأعني بها المخاطر الخفية».
ويعتبر طالب أن هوايته الرئيسية إثارة الذين لا يملكون الشجاعة أحياناً لقول انهم لا يعرفون. ويقول في لقاء مع صحيفة نيويورك تايمز الأميركية: «نحن نضخم تأثير العلاقات على الأحداث. فعندما نلتقي شخصا أصبح من خلال لعب الروليت الروسية ثريا وقويا ومسيطرا، نتصرف كأن هذا الفرد أصبح كذلك بفضل مهاراته، حتى لو كنا ندرك تماما أنها لعبة حظ. لماذا؟ لأن سلوكياتنا البشرية علمتنا أن نقدر الأشخاص حسب المظاهر».

البروفيسور والفيلسوف، اللبناني الأصل، والنيويوركي المقرّ، نسيم طالب
بروفيسور هندسة المخاطر في جامعة نيويورك وصاحب الكتاب ذي المبيعات الأبرز في عام 2007، (البجعة السوداء)
كان طالب قبل الأزمة يجوب المحاضن المالية في ضاحية مانهاتن، ليلقي المحاضرات على مسؤولي إدارة المخاطر فيها، حول فشل ومغالطة نماذجهم القائمة على التنبؤات المُضللة. في مارس من عام 2007، وعلى تقاطع شارعي 47 أفينيو والبرودواي، كان نسيم طالب يُلقي محاضرة لاذعة على فريق إدارة المخاطر في مصرف مورجان ستانلي، وُصم في نهايتها بالمُهرطِق والحالم المتعالي، ذلك كان قبل ستة أشهر من مواجهة البنك لأزمته الائتمانية العظمى.

وتنعكس دعوات طالب الراديكالية للتغيير على شخصيته، فهو شديد الوداعة، شديد الصعلَكة، يلقي بالمعجنات جانباً ويقصر أكله على ما بداخل الرغيف من جبن وخس، ويؤكد على أنه يمشي في الأسبوع عشرين ساعة بالتمام، تأهباً لأي حدث "بجعة سوداء" قد يُهدد صحته الشخصية!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.