ننشر أسماء المقبولين في وظيفة «معلم مساعد» بالمنوفية| صور    بالأسماء.. «تعليم الإسكندرية» تعلن قائمة المقبولين بمسابقة ال30 ألف معلم    سعر الذهب اليوم السبت 24 مايو محليا وعالميا بعد الارتفاع.. بكام عيار 21 الآن؟    سعر الدولار أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 24 مايو 2025    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 24 مايو 2025    جهاز مستقبل مصر: نستهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح بنهاية 2027    تدخل الخدمة قريباً.. مميزات القطارات الجديدة للخط الأول للمترو    الغرف التجارية: انخفاض أسعار الفاكهة 50% قريبًا.. خاص    محافظ كفر الشيخ: إعادة تشغيل 50 معدة نظافة متهالكة بدسوق    وزارة الخزانة الأمريكية تصدر ترخيصًا بتخفيف بعض العقوبات المفروضة على سوريا    إعلام سوري: محافظ السويداء مصطفى بكور يقدم استقالته    ترامب: لا أسعى إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي بعد إعلان فرض رسوم جمركية بنسبة 50%    المجلس الوطني الفلسطيني: عدوان المستوطنين على شعبنا يهدف إلى اقتلاع وجودنا    وول ستريت تهبط بعد تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبى    باختصار.. أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. جوتيريش يرفض أى خطة لا تحترم القانون الدولى بشأن قطاع غزة.. ترامب يتوعد "أبل" ب25% رسوم جمركية.. وإصابة 12 فى هجوم بسكين بمحطة قطارات هامبورج بألمانيا    اليونيسيف: الكوادر الطبية بغزة تعمل تحت ضغط شديد ونقص حاد فى الأدوية    إسقاط كومو لا يكفي.. إنتر ميلان يخسر لقب الدوري الإيطالي بفارق نقطة    يوريشتش يستقر على تشكيل بيراميدز أمام صن داونز.. يجهز القوة الضاربة    المحكمة الرياضية ترفض طلب بيراميدز بالإجراءات العاجلة بعد اعتراض الأهلي (خاص)    "الظروف القهرية يعلم بها القاصي والداني".. بيراميدز يوضح تفاصيل شكواه للمحكمة الرياضية بشأن انسحاب الأهلي أمام الزمالك    مشادة بين نادر السيد وعدلي القيعي.. والأخير يرد: «عايز تقول حنفي»    رد غاضب من نجم الزمالك السابق على «هدايا بيراميدز»: لم نتضامن    "إعلان بطل الدوري الأربعاء".. المحكمة الرياضية ترفض الشق المستعجل لبيراميدز في أزمة القمة    تعرف على نتائج المصريين فى اليوم الثانى لبطولة بالم هيلز المفتوحة للإسكواش    مصر تعيد 71 مواطنا مصريًا من ليبيا    الأرصاد الجوية: طقس الغد شديد الحرارة نهارا والعظمى بالقاهرة 37 درجة    النظام الملاحي الجديد يعزّز قدرات غواصات البحرية التشيلية بتقنيات متطورة من OSI    اليوم| محاكمة 35 متهمًا ب شبكة تمويل الإرهاب    مبلغ بغرقه في العياط.. انتشال جثة شاب طافية في نهر النيل بالمعادي    وفاة 3 شباب إثر حادث سير أليم بكفر الشيخ    السيطرة على حريق بمخزن كراتين بالدقهلية    عمرو أديب: الناس بتقول فيه حاجة مهمة هتحصل في البلد اليومين الجايين (فيديو)    «خليك فضولي».. 4 عادات صغيرة تجعل الناس يعجبون بك    أثارت جدلا بسبب «بطانة فستان» و«برنامج» وضعها في أزمة.. 16 معلومة عن البلوجر أروى قاسم    بعد وفاة زوجها.. كارول سماحة لابنتها: هكون ليكي الأمان والسند والحضن لآخر لحظة من عمري    إلهام شاهين تشيد بخالد منتصر: "أحترم فكرك ووعيك.. ومبروك دماء على البالطو الأبيض"    سجين يرسم الحرية| سنوات السجن.. وولادة الكاتب من رماد القيد الذي أنضج الرواية    أكرم القصاص: المحادثات السورية الإسرائيلية ليست مفاجأة لكنها كاشفة للعلاقة    عندما عزف الشيخ رفعت على العود وغنى " أراك عصى الدمع"(2/3)    ارتفاع حالات الحصبة في الولايات المتحدة وسط مخاوف من انتشار واسع    وصول دفعة جديدة من أطباء الجامعات المصرية إلى مستشفى العريش العام    أخبار × 24 ساعة.. حصاد 3.1 مليون فدان قمح وتوريد أكثر من 3.2 مليون طن    وفقا للحسابات الفلكية.. موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى 2025    لتصحيح المفاهيم الخاطئة، الأوقاف تسير قوافل دعوية للمحافظات الحدودية    ما حكم الكلام فى الهاتف المحمول أثناء الطواف؟.. شوقى علام يجيب    اليونيسيف: الأزمة الإنسانية فى غزة تعصف بالطفولة وتتطلب تدخلاً عاجلاً    السيرة الذاتية ل سام ألتمان مؤسس ChatGPT تتصدر أكثر مبيعات أمازون.. كواليس عمل شركته وصراعه مع إيلون ماسك    انطلاق امتحانات العام الجامعي 2024–2025 بجامعة قناة السويس    مستشفى الحوض المرصود يطلق يوما علميآ بمشاركة 200 طبيب.. و5 عيادات تجميلية جديدة    رئيس "التنظيم والإدارة" يبحث مع "القومي للطفولة" تعزيز التعاون    حزب الإصلاح والنهضة: نؤيد استقرار النظام النيابي وندعو لتعزيز العدالة في الانتخابات المقبلة    أمين اتحاد دول حوض النيل يدعو للاستثمار في أفريقيا |خاص    هل يحرم على المُضحّي قصّ شعره وأظافره في العشر الأوائل؟.. أمين الفتوى يوضح    إيفاد قافلتين طبيتين لمرضى الغسيل الكلوي في جيبوتي    خطيب المسجد النبوى يوجه رسالة مؤثرة لحجاج بيت الله    البريد المصري يحذر المواطنين من حملات احتيال إلكترونية جديدة    ضمن رؤية مصر 2030.. تفاصيل مشاركة جامعة العريش بالندوة التثقيفية المجمعة لجامعات أقليم القناة وسيناء (صور)    يدخل دخول رحمة.. عضو ب«الأزهر للفتوى»: يُستحب للإنسان البدء بالبسملة في كل أمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(البجعة السوداء) والسياسة
نشر في الشروق الجديد يوم 21 - 09 - 2011

ما الذى يعمينا عن إدراك الأحداث الكبيرة التى تباغتنا فى الحياة؟ وكيف نستهين بما هو واقع خارج نطاق تصوراتنا، وبحدوث اللاممكن، خاصة مع ازدياد تعقيدات المستقبل؟

لماذا لا تساعدنا كل هذه الخبرة والمعرفة والثقافة والتعلم، فى تصور الأمور غير المتوقعة؟ هل هو «الغرور» المعرفى، أو الإفراط فى الثقة بالنفس؟ أم أن جهازنا الإدراكى لا يتفاعل مع ما لا يقع أمام النظر؟ أم هو التفكير الرغائبى الذى يتأسس على التمنى ورؤية ما نشتهى أن نراه؟

وقد يقول قائل، إن «الميديا» ومراكز البحث، لها الفضل فى ذلك، بسبب ما تتمتع به من حذاقة فى التضليل، ومن كلام مثلّج ومعقَّم ومنزوع الدسم، ونزوع نحو التجريد والتعميم واحتكار الصواب.

أسئلة أخرى معقدة، تبحث عن إجابات فى هذا العالم الذى تبدل فى العقدين الأخيرين، وهبَّت فى جنباته عواصف خلعت الأبواب، وخلخلت كيانات ومفاهيم. ولم تفلح فيه، طوال عشرين قرنا، محاولات الاصلاح وإسعاد الإنسان، ولا جعل الأرض كوكبا محررا من الشقاء.

لقد استخدمت عبارة «البجعة السوداء» عن كتاب صدر مؤخرا حمل هذه العبارة، وترجم إلى عدد من اللغات، وتحدث فيه مؤلفه (نسيم طالب) عن كيفية «ترويض الغموض»، والبحث عن الأحداث النادرة اللامتوقعة، وأطلق تسمية «البجعة السوداء» على كل الأحداث والظواهر الواقعة خارج نطاق التكهن والتوقع، وكان المفهوم الشائع عبر آلاف السنين، أن لون طيور البجع هو الأبيض، ولا أحد كان يتصور أن هناك بجعا أسود على الأرض، حتى عام 1790 حينما تم اكتشاف البجعة السوداء فى أستراليا.

فى السياسة، والاجتماع والنظم وغيرها، هناك الكثير من «البجع الأسود» كألغاز محيرة وأحداث غير متوقعة، وتكمن المشكلة فيها، أننا علماء وأكاديميين وباحثين وسياسيين نعتبرها غير موجودة، بسبب صعوبة التكهن بما هو خارج المألوف، وبخاصة فى ظروف معقدة، وتحولات جارفة.

ومن أسف، فإن جدنا ابن خلدون، لم ندرسه جيدا، رغم أنه خير من يدلنا على «البجعة السوداء»، وحرضّنا على الشك فى ما نقرأ وفى ما نسمع، وعلى إدراك ثنائيات الدولة ونقيضها، وعرَّفنا بقوانين التفكيك وقواعد التمدن، وتعامل مع التاريخ كمحلل وفاحص ومقارن بين الروايات.

والآن.. نطرح هذه التساؤلات:

هل كان أحد من الناس يتصور حدوث ثورات أو انتفاضات شعبية فى الوطن العربى؟ هل كان أحد يتكهن باقتلاع ديكتاتوريات، فى إطار تغيير ذاتى عربى؟

كانت «البجعة السوداء» العربية، عصية على التكهن، مثلما كانت أحداث الهجوم الإرهابى فى الحادى عشر من سبتمبر 2001 أيضا «بجعات سوداء» بامتياز، وكذلك موجات «تسونامى» فى ديسمبر 2004.

المهارات العلمية على درجة كبيرة من الأهمية، والتخطيط والبرمجة والاستشراف كذلك، لكنها تبقى عاجزة عن إدراك كل القواعد، إن إمكانية حدوث «اللاممكن» تعادل إمكانية حدوث الممكن، هكذا يقول صاحب «البجعة السوداء»، وإن معظم الوثبات الكبرى فى التاريخ هى تلك التى كانت الأقل توقعا، كالاكتشافات العلمية، واكتشاف كولمبس لأمريكا فى وقت كان يبحر فيه، كما اعتقد باتجاه الهند.. أمريكا كانت خارج مسارات تفكيره.

فى الهجوم الإرهابى يوم الحادى عشر من سبتمبر، كانت هناك «بجعة سوداء»، لم يفكر فيها أو يتخيلها أى عضو فى الكونجرس الأمريكى قبل حدوثه، من خلال تمرير قانون يفرض إقفال قمرة قيادة الطائرات، أثناء الطيران، كمجرد احتياط لمواجهة عملية اختطافها. إن مثل هذا القانون، كان كفيلا بمنع كارثة مقتل نحو ثلاثة آلاف شخص برىء، إضافة إلى ألف شخص آخرين، ماتوا بحوادث سيارات على الطرق البرية، فى الشهور الثلاثة التالية، بعد أن باتوا خائفين من استخدام الطائرات فى أسفارهم المحلية بين الولايات، ولننس مؤقتا، حربين واحتلالين لأفغانستان والعراق.

فى الشأن الفلسطينى، هناك «بجع أسود» كثر، يُنهى صلاحية مراكز أبحاث وخبراء «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، وحواسيب ومحطات تلفزة «فوكس»، وقد لا يدركها من آلت إليه سلطة القرار فى غزة ورام الله، فثمة مواقف وأحداث لا تقبل القياس على سابقاتها فى الماضى، ولا تكون مجرد امتداد لهذا الماضى، بقدر ما تكون قفزات نوعية و«بجع أسود». لكن كثير من الناس فى هذا الكون، يتصرف كما لو أنه قادر على تحويل مسار التاريخ، باعتبار أن «الآخر» مصاب بالزهايمر أو الخرس. نتنياهو مثلا، يعتقد أنه قادر على التفاوض لأكثر من ستين عاما. كى يحافظ على ما تمت سرقته والاستيلاء عليه وهضمه بالتمدد والإحلال والاستيطان والقرصنة، وبوليصة تأمين أمريكية.

إن ما لم يحدث بعد، ليس مستحيل الحدوث، هكذا كان مصير الاتحاد السوفييتى، وظهر غورباتشوف ك«بجعة سودا» غير متوقعة، وكان «الخطأ الأنجح فى التاريخ» كما يسميه أستاذ العلوم السياسية فى جامعة كاليفورنيا (تريسمان).

جورج كينان، دبلوماسى أمريكى صغير الرتبة، اقترح فى عام 1947 فى مقالة قصيرة صحفية «سياسة احتواء الاتحاد السوفييتى»، بعد نحو أربع عقود من نشر هذه المقالة، تفكك الاتحاد السوفييتى، عبر سياسات لم يدركها السوفييت، وكانت تتم فى إطار مضمون المقالة، والتى كانت فى حينها «بجعة سوداء» بامتياز.

أين «البجعة السوداء» فى تكهنات خبراء الأسواق والاقتصاد؟ لماذا لم تساعدهم كل هذه الخبرة والمعرفة فى التكهن وتوقع اللاممكن فى اليونان وإسبانيا وأسواق الأسهم، وارتفاع نسبة البطالة وغيرها، وعواقب هذه الأحداث، وأكثر الخبراء هم من أصحاب «الشك العلمى»؟

لا أحد يتخيل أو ربما يجهر فى الحديث عن «أصوليات يمينية» قد تحكم قبضتها على مفاصل القرارات السياسية والثقافية فى أمريكا وأوروبا الغربية، لا أحد دق ناقوس خطر قادم، يحمل معه حروبا دموية ممتدة، ومصادرة واسعة للحريات، وتعميق الفجوة بين الفقراء والأغنياء.

لعل صوت الإعلام الجديد الصاخب من كل الجهات، يضاعف إرباك الناس، ويؤدى إلى تعثر قراءة الظواهر والأحداث، والاكتفاء بقراءة سطح المشهد، وإهمال ما بين السطور، وننسى أحيانا أن قطرات المطر العابرة هى التى تشكل المحيط.

لنعترف، أن لكل شعب أسراره ومنظوماته المفاهيمية التى لا تطفو على السطح، فسور الصين العظيم، ليس مجرد حجارة وساتر أمام الأعداء، بل مفاهيم وفلسفات، وكذلك نيل مصر، وعبقرية مكانها، لا «جهينة» فى الوطن العربى، ولا فى الغرب، كان عندها النبأ اليقين حول مستقبل نظام مبارك، إن كثيرا من «البجع الأسود» كان يسبح فى فراغات هذا النظام، وهى فراغات مسكوت عنها، أو لا يعبأ بها المصابون بالعمى السياسى والبصيرة العرجاء، أو الذين يزرعون البصل ويحلمون بحصاد اللؤلؤ.

إن هناك خيارات أخرى، لا تعترف بأجندات تقليدية، ولا حتى بعقارب ساعات الخبراء وكتبة التقارير التى تدلك العواطف، وتبرز الورم، باعتباره عافية، صحيح أن هناك كثيرين تحدثوا عن «شقاء» الإنسان العربى، لكن قلة تحدثت عن «الوعى بهذا الشقاء، الذى ينقل الإنسان من مفعول به إلى فاعل».

المهم، ألا نقلب الصفحة التى فيها ما لا يروق لنا، ولا نهز أكتافنا ونزمّ شفاهنا، عند بحثنا عن مقتربات غير مطروقة فى حياتنا لاجتراحها.

فى عالم يبحث عن «البجع الأسود»، لا بد أن تسود ثقافة الأسئلة والمساءلات المستدامة، التى تعاين تفاصيل الواقع، وتبتعد عن الأجوبة المعلبة المحفوظة وثقافة اليقين وامتلاك الحقيقة.

مطلوب خطاب بديل للسائد، وصولا إلى «البجعة السوداء»، الموجودة فى فكرة تقول «إن التاريخ غير قابل للمكوث عند لحظة ما»، حتى لو كانت ثورة أو لحظة حاسمة. ولعل ذلك هو مكر التاريخ، ومكائده غير المحسوبة.

ولنتذكر فى هذه الأيام، أن أمام النخب الفلسطينية وهى تتجول فى نيويورك الآن، «بجعات سوداء» يمكن صيدها، إذا ما امتلكت هذه النخب خيال التأمل والتوقع وحس التاريخ ومكره، لتجاوز «بجعات بيضاء» عارية من الريش، ثبت فشلها.

أخشى أن تستمر ثقافتنا، حاملة نزعة مزمنة للفرار من مواجهة سؤال «البجعة السوداء».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.