لماذا لا يصدق الناس في بلادنا أي شيئ يصدر من الجهات الرسمية ، ويعتبرونه "كلام حكومة" على طريقة "كلام الجرائد" الذي ساء ذكره في بعض الأوقات من كثرة الأخبار غير الدقيقة أو الصحيحة ، الآن أصبحت عبارة "كلام حكومة" علامة مسجلة على قول غير الحقيقة ، وهذا الانطباع يشمل كل شيء ، من بيانات الجهات الأمنية ، إلى تصريحات الوزراء ، إلى وعود الحزب الحاكم ، وصولا إلى مؤسسة العدالة ذاتها ، وهي الحصن الأخير للمواطن وعماد الدولة كدولة ، يمكن أن تقبل باهتزاز صورة أي مؤسسة وتمضي الأمور على كل حال ، إلا هذه المؤسسة فإنها إذا انهارت لا سمح الله انهار البلد ولم تعد هناك دولة ، وإنما غابة ، لعل واقعة الشاب خالد سعيد الذي قتل في الاسكندرية كانت شاهدا على جزء من تلك اللوحة الكئيبة ، ولكن هناك ما يدور الآن من همس تحول إلى اتهامات عبر شبكة الانترنت حول واقعة مقتل ابنة المطربة المغربية "ليلى غفران" وصديقتها ، والتي تم فيها اتهام شاب مصري بائس ومهمش بارتكاب الجريمة ، وظل الشاب ينفي أن يكون قد ارتكبها ويردد أنه ضحية آخرين ، وظل محاميه يؤكد أنه لم يرتكبها وأنه ضحية بعض الكبار ، وظلت والدة القتيلة تردد ما يشبه هذا الكلام ، وترمي بإشارات إلى أن هناك "كبار" متورطين في القضية ،دون إفصاح ، وفي النهاية حكم القضاء بإدانة الشاب وحكم عليه بالإعدام مرتين بعد النقض في المرة الأولى ، ورغم هذه الإدانة المؤكدة إلا أن الرأي العام ما زال غير مصدق ، ويتهم جهات "غامضة" بأنها مسؤولة عن الجريمة ، وأن هناك متهما "خفيا" يتم التستر عليه ، وإبعاده عن عمد ، وتفاعلت الأحداث منذ أيام بعد ترويج مقاطع فيديو على شبكة الانترنت منسوبة إلى "شاهد" مفترض في القضية يتهم فيها نجل مسؤول كبير في الدولة بأنه متورط في الجريمة ، وأتتني أكثر من رسالة تتحدث عن ذلك وبعضها "يهديني" الرابط لكي أرى وأسمع ، من ذلك رسالة أتتني من ناشطة وكاتبة معروفة تقول فيها : (من يومين شاهدت الفيديو الخاص بالشاهد الذى اعترف بان مرتكب جريمة قتل ابنة ليلى غفران وصديقتها .. تلك الجريمة البشعة التى لا يرتكبها الا انسان اقرب الى الحيوانات المقترسة ، بل شخص تجرد من كل مشاعر الانسانية .. الشاهد اعترف فى الفيديو ان مرتكب الجريمة هو ابن "المسؤول الكبير" ، واعترف ان القتيلة اتصلت بامها من الحمام تستغيث بها قبل وقوع الجريمة ، منذ اطلاعى على تلك الحقائق وانا يتملكنى الغضب واشعر بالياس والاحباط ( واقول انها حقائق لان ليلى غفران نفسها لم تتهم المتهم وسخرت من اجراءات الداخلية فى برنامج العاشرة مساء ، ولان لا مصلحة لها ولا لغيرها ان يتهم ابن "المسؤول الكبير" بالذات ) ورغم انها حقائق الا ان القانون والعدالة لا تعترف بمجرد فيديو وكان من الاولى لليلى غفران ان تعلن تلك الحقيقة على الملأ والا تخفيها تحت ذريعة الضغوط والتهديدات التى مورست عليها أيا كانت النتائج ، فدم الابنة اغلى من ان يضيع بهذه السهولة فداء لمن يحكم أو يتحكم فى عباد الله ، ولكنه الجبن والخوف الذى اصبح الكل عبدا له) ، انتهى النقل عن الرسالة ، وهذا هو الجزء الذي يمكنني نشره منها ، كما أن الرسالة تفصح عن اسم المسؤول الكبير ، والحقيقة أني لا أتعاطف منطقيا مع تلك الرؤية ، وأتصور أن تداول القضية من خلال دائرتين مختلفتين وتطابق الإدانة والحكم في الحالتين يعني أن ذلك الشاب هو المتهم الحقيقي في الجريمة ، والحكم هنا هو عنوان الحقيقة بكل تأكيد ، ولكن الشاهد من ذلك أن مثل هذه الرسالة لا تعبر عن شخص كاتبها أو ألف مثله ، ولكنها انطباعات ملايين الشباب المصري الذي أصبح يشك في كل شيء رسمي يحدث في مصر الآن ، حتى لو كانت الشبهة فيه ضعيفة وغير منطقية ، من المسؤول عن هذا الانهيار المعنوي الخطير الذي تعاني منه الأجيال الجديدة ، ومن المسؤول عن النتائج المستقبلية عن هذا الشرخ الذي يعزل المواطن عن الدولة ، ويفقده الثقة في كل ما فيها ، وكيف يمكن إنقاذ الوطن من هذه "السوداوية" التي أصبحت شعار المرحلة ، هذه هي الأسئلة التي تفرض البحث عن إجابات عاجلة قبل فوات الأوان . [email protected]