فى نهاية شهر يناير من عام 2001 ، نشرت جريدة الحياة اللندنية ، خبرا عن إعتداء " مجهولين" علي روائي سوري يدعى " نبيل سليمان " لم يكن من المشاهير قبل حادث الاعتداء والمكان الذي وضع فيه الخبر ، وكذلك توقيت نشره ، يتضمن إشارة بالغة الدلالة : فالخبر جاء على صدر الصفحة الاولى ، واحتل الجهة اليسرى منها ، اسفل "المنشت" الرئيسي مباشرة ويدرك كل من يعمل في مهنة الصحافة ، ان لصق الخبر في هذا الموقع من الصفحة الاولى يكفل له حظا وافرا من الاطلاع عليه وكان من الطبيعي ان يثير هذا المنحى من الجريدة التساؤل حول اهميته وأولويته ، خاصة وان اخبار تساقط شهداء الانتفاضة الفلسطينية ، كانت الجريدة في ذلك الوقت قد شرعت فى إدراجه فى ذيل صفحاتها الداخلية حتى هذه اللحظة لم يكن مغزى النشر وعلى هذا النحو جليا ، وان اثار كما اسلفنا بعض التساؤلات ، بيد انه في اليوم التالي مباشرة ( فى عدد 1/2/2001) واصلت "الحياة" متابعة حادث الاعتداء ، وعلى صفحتها الاولى ايضا وبعنوان اكثر إثارة : " معلومات عن بعد ديني متزمت للمعتدين " ، حيث احال مراسل الحياة فى دمشق ، ما ذكره من معلومات إلى ما اسما ب "مصادر مطلعة" أي الى مصدر مجهول ، ويبدو ان كاتب الخبر ، التجأ الي هذا التجهيل لتمرير قصة مزعومة ، تتوسل الايحاء بوجود عنصر إسلامي " متزمت" وراء الاعتداء على "نبيل سليمان" . يقول الخبر : " ... قالت مصادر مطلعة ل " الحياة" ان صفحات من الرويات الاخيرة لسليمان ارسلت امس فاكسيا الى عدد من الجهات الرسمية . الامر الذي اثار انتباه الجهات المختصة فى التحقيق بحادثة الاعتداء الى ضرورة البحث عن بعض الجهات المتزمته دينيا التى قد تكون عبرت عن غضبها ولو متأخرة مما ورد فى رواياته . واشارت المصادر ( المجهولة طبعا م س ) الى وجود علاقة بين ما جرى للناقد والروائي المعروف وطبيعة معظم رواياته التي تعج بالجنس والاعمال الاباحية " الطريف في الامر ان قارئا سعوديا من مكةالمكرمة ، ضبط هذه "الفبركة" في رسالة الي رئيس تحرير الحياة نشرتها الجريدة فى 9/2/2001، تهكم فيها القارئ من كاتب الخبر قائلا " ... لقد غاب عن هذه "المصادر المطلعة" انه بسبب التقنيات الحديثة ، اصبح من السهل على اجهزة الامن الوصول الى جهاز الفاكس الذي ارسلت منه هذه الصفحات .. وفى هذا السياق لماذا لم يلفت (كاتب الخبر ) نظر هذه "المصادر المطلعة" الى هذه الحيثيات التى يعرفها كل من عنده إلمام بمثل هذه التقنيات " والاكثر طرافة ان نبيل سليمان نفسه وفى ذات الخبر كذب ما زعمه مراسل الحياة ، عندما استهل الاخير الخبر بقوله " رفض الروائي نبيل سليمان اتهام جهة محددة بالاعتداء عليه .. وحرص على عدم استفزاز أي جهة او أي شخص " .. كما حرص سليمان على رفض محاولات " الاصابع الخفية" ، رد الحادث ألى ابعاد امنية سياسية ، في اشارة من هذه " الاصابع" الى إلصاق التهمة بالسلطات الامنية السورية . فعندما سأله كاتب الخبر حول ما إذا كان هناك ، علاقة بين الحادث ووجود اسقاطات لشخصيات في رواية سمر الليالي علي شخصيات امنية راهنة اجاب سليمان : "حصلت الرواية على موافقة للطباعة والتوزيع قبل سبعة اشهر ، ولو كانت هناك علاقة لحصل الحادث وقتذاك" وعارض قيام اى شخص بقراءة مفترضة للنص والمقارنة بين شخصيات راهنة وشخصيات في الرواية " ومن الاهمية هنا ان نسجل شهادة احد اصدقاء نبيل سليمان ، وهو رئيس فرع اتحاد الكتاب والصحافيين الفلسطينين في سوريا عبد الرحمن غنيم : تحت عنوان "من ضرب نبيل سليمان ... ؟ بجريدة الحياة (4/2/2001) كتب غنيم قائلا " اسألوا نبيل سليمان اولا ، واسألوا زوجته السيدة سميعة ، فربما كان عند سميعة الخبر اليقين " وهي إحدى الشهادات الخطيرة الصادرة من صديق سليمان وربما عائلته ايضا ، كما يبدو من لغة الخطاب ، وتشير بوضوح الى ان المسألة جنائية ، وانه ربما يكون لها بعد عائلي، وان البعد السياسي والامني والديني منها براء ، او انها كما وصفها رئيس اتحاد الكتاب العرب على عقلة عرسان فى جريدة السياسة اليومية الكويتية (عدد 6/2/ 2001 ) .." خناقة مع الشبيحة " حاول الخبر إذن إختلاق ازمة بين المثقفين السوريين من جهة وبين السلطة وما اسماه ب "اتجاه ديني متزمت " من جهة اخرى ، ورغم ان الروائي السوري ، تعرض للضرب في "حادث سرقة" ،كما ألمح إلى ذلك على عقلة عرسان (اخبار الادب القاهرة عدد 369 بتاريخ 11/2/2001 ) ، وربما "لأسباب أسرية" كما اشار إلى ذلك صديقه الكاتب الفلسطيني عبد الرحمن غنيم ، ورغم ذلك اصر دعاة التنوير في مصر بالذات ، وجريدة الحياة اللندنية التي تبنت تأليب الرأي العام الخارجي على النظام المصري ، وتأديبه إعلاميا عقابا له على إقالة على أبو شادي على أن يجعلوا منها قضية رأي ، وعلى أنها حرب يشنها " المتطرفون" الإسلاميون والسلطة على " حرية الإبداع " . ولا يخفى على احد ان هذا المنحى وهذا الاصرار ، لم يكن يجرى بمعزل عما كان يحدث فى مصر ، إذ ان حادث ضرب سليمان ، كان متزامنا مع محاولات قلة من الكتاب المصريين ، الشوشرة والضغط على الحكومة لإثنائها ، عن قرارها بإقالة "الشلة" التى سمحت ، بنشر روايات البورنو و أدب "غرف النوم" على حساب دافع الضرائب المصري وللحديث بقية السبت المقبل إن شاء الله تعالى [email protected]