مازالت معركة استقلال القضاء مستمرة منذ اندلاعها قبل أكثر من عام مضى، وقد اشتد وطيسها في الأيام القليلة الماضية وبلغت ذروتها يوم الخميس الموافق 27 ابريل 2006، حيث جرت جلسة النظر في صلاحية اثنين من القضاة العظام اللذين قادوا ثورة الاستقلال، وهما المستشاران الجليلان هشام البسطويسي ومحمود مكي، وانعقد بعدها جمعية عمومية غير عادية للقضاة في ناديهم حضرها عدة ألاف منهم لاستمرار الضغط من أجل مطالبهم العادلة وللتضامن مع زملائهم المحالين لمجلس الصلاحية.. وكذلك لرفض العدوان على زملائهم الذين تعرضوا للعدوان يوم الاثنين الماضي وعلى رأسهم المستشار محمود حمزة رئيس محكمة شمال القاهرة وشقيقه وكيل النيابة. كما جرت في نفس اليوم عدة تجمعات ومظاهرات بالقرب من نادي القضاة ودار القضاء العالي ونقابتي المحامين والصحفيين وأماكن مختلفة في وسط القاهرة، حيث جمع بين كل هذه التجمعات والتظاهرات عنوان واحد هو التضامن مع قضاة مصر الشرفاء، وقد تم الاعتداء على كثيرين من المتظاهرين والمتضامنين مع القضاة والقبض على عدد منهم في ذلك اليوم المشهود. وليس بعيدًا عن أحداث القضاة، ذلك الذي جرى مع الصديق الأستاذ "حسين عبد الغني" مدير مكتب قناة الجزيرة بالقاهرة حيث تم القبض عليه مساء الأربعاء من مدينة "دهب" أثناء تغطيته لأحداث التفجيرات الأخيرة وتم عرضه قبيل الفجر على نيابة أمن الدولة العليا بتهمة مضحكة، واستمر التحقيق معه طوال اليوم، حيث منعت القناة من تغطية أحداث هذا اليوم الهام من محاكمة للقضاة الشرفاء وتغطية جمعيتهم العمومية وتغطية التضامن من قطاعات واسعة من الشعب معهم، ثم أخلى سبيله بضمان مالي مساء الخميس بعد انتهاء كل هذه الأحداث، وكان ذلك جزء من سيناريو التغطية على أحداث يوم مشهود من أيام التاريخ . الحقيقة أن مطالب حركة الاستقلال في القضاء هي مطالب عامة وليست فئوية فهم يطلبون سرعة صدور قانون استقلال السلطة القضائية الذي أوصى به مؤتمرهم الذي عُقد عام 1986 وسمى مؤتمر العدالة الأول وترأسه القاضي العظيم المستشار يحيي الرفاعي، وقد صاغوا هذا المشروع بالفعل عام 1991 وظلوا يطالبون به منذ ذلك التاريخ حتى الآن، ولم يستجب لهم أحد حتى انفجرت ثورتهم منذ أكثر من عام كما سبق الإشارة إليه، واستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية التي تهيمن على كثير من شئونهم الآن هي حصانة وضمانة للعدالة الحقيقية التي ينشدها كل مواطن، وبالطبع ملامح هذا المشروع معروفة ليس المجال هنا لاستعراضها. وأما المطلب الوطني الثاني الذي يطالب به القضاة الشرفاء، وهو الإشراف الكامل على العملية الانتخابية بكافة أنواعها بدءا من إعداد كشوف الناخبين وإنتهاء بإعلان النتيجة وهو أكبر ضمانة للتحول الحقيقي للديمقراطية وإعطاء الشعب الحرية الحقيقية في اختيار من يمثله في كافة المستويات، فأصبح واضح لكل ذي عينين أن مطالب حركة الاستقلال في القضاة هي مطالب وطنية عامة وليست مطالب فئوية لفئة تطلب امتيازا لنفسها بالرغم من أن هذا من حقه إلا أنه لم يحدث بل كان المطلبين الرئيسيين هي صدور قانون السلطة القضائية كما صاغه ناديهم المنتخب بأغلبية كاسحة من كافة الأعضاء في مقابل تفعيل السلطة التنفيذية ممثلة في وزير العدل ومن مجلس القضاء الأعلى وهو غير منتخب وبالتالي غير ممثل لجموع القضاة، ولهذا واجب كل الشرفاء في هذا الوطن من كافة الفئات والقطاعات والأماكن التضامن مع مطالب القضاة الشرفاء في مطالبهم. فكما فشلت مقولة أن مطالب القضاة فئوية ستفشل مقولة أن الخلاف مع القضاء ليس خلاف السلطة التنفيذية معهم ولكنه خلاف بينهم البعض، وهي مقولة تثير السخرية أكثر ما تثير النقاش، فالكل يعلم أن الدور الرئيسي في إدارة هذه المعركة هو للسلطة التنفيذية والذي يقوم بذلك هو وزير العدل ويكفي أن قرار إحالة المستشارين الجليلين نواب رئيس محكمة النقض المستشارين هشام البسطويسي ومحمود مكي إلى مجلس صلاحية هو قرار وزير العدل، كما هو قرار المجلس الأعلى للقضاء وهو مجلس معين وليس منتخبا فالأمر كله بيد السلطة التنفيذية كما هو واضح لكل ذي عينين. إن الأيام القادمة تحتاج لاستمرار كل أشكال التضامن مع حركة استقلال القضاة بكافة الأشكال حتى تتحقق مطالبهم كاملة وهم الآن في اعتصام مفتوح حتى جلسة محاكمة زملائهم يوم ال11 من مايو 2006، وهو اليوم الذي سُتعقد فيه أيضا جمعيتهم العمومية ثم بعدها أيضا جمعية عمومية أخرى يوم 25 من نفس الشهر، فالحقيقة أن القضاة الشرفاء قد قاموا بأشرف حركة تحرر واستقلال في العصر الحديث وقدموا ثمنا غاليًا وكبيرا لوجه الله ولصالح الوطن ولجموع الشعب المصري، فواجب الجميع أن يردوا لهم الجميل وأن يتضامنوا معهم كنوع من التضامن مع النفس فالانتصار لهم هو انتصار للحق والعدل والحرية. [email protected] ---------------------------------------------------------------------