رغم تراجع احتمالات حدوث انفراجة بسبب تمسك كلا الطرفين بمواقفهما وفشل جميع المساعي التي بذلت من بعض الأطراف لتطويق واحتواء التوتر بين سدنة العدالة، إلا أن الجهود المبذولة لتوصل لتسوية لأزمة المشتعلة بين القضاة والمحامين لم تتوقف، حتى الساعات القليلة الماضية، وسط تحذيرات من المستشار أشرف البارودي نائب رئيس محكمة الاستئناف لطرفي الأزمة من أن النظام السياسي في مصر هو الوحيد المستفيد من الأزمة القائمة، بهدف تشويه السلطة القضائية، لأنها هي التي تحدثت عن تزوير الانتخابات ووقفت في وجه النظام. ففي محاولة لإيجاد حل للأزمة، عقد حمدي خليفة نقيب المحامين ومحمد طوسون عضو مجلس نقابة المحامين اجتماعًا أمس مع المستشار عبد المجيد محمود النائب العام لبحث الأزمة، دون أن يفصح الطرفان عما دار في الاجتماع. يأتي هذا في الوقت التي تفاقمت فيه حدة الخلافات داخل نقابة المحامين، على خلفية فشل المحاولات الرامية لتسوية الأزمة حتى الآن، وسط تصاعد الأصوات المطالبة بقيادة جماعية لتسوية الأزمة، إثر اتهامات للنقيب بعرقلة عدد من التسويات، وهي اتهامات مصدرها محامون مقربون من سامح عاشور النقيب السابق. وكان خليفة أمر برفع لافتة كبيرة تتصدر مدخل النقابة العامة للمحامين وضعها عدد من المحامين المعتصمين تتضمن صور كاريكاتيرية ساخرة لكل من المستشار زكريا عبد العزيز رئيس نادي القضاة السابق، وخلفه المستشار أحمد الزند، وعبد المنعم السحيمي رئيس نادي قضاة، وهو ما اعتبره الرافضون استجابة لأحد شروط القضاة لتسوية الأزمة. وفي الإطار ذاته، كشف الدكتور يحيى الجمل الفقيه الدستوري أنه دخل على خط الوساطة لتطويق الأزمة وتلقى بالفعل إشارات إيجابية من الطرفين، إلا أن لجوء بعض المحامين، وعلى رأسهم منتصر الزيات للمزايدات وتوجهم انتقادات لاذعة للقضاة دفعته للتوقف عن طرح مبادرته لاحتواء الأزمة. وفي سياق متصل، شهد مؤتمر "تحقيق العدالة في مصر" الذي نظمه المركز "العربي لاستقلال القضاء" مواجهة حادة بين القضاة والمحامين، حيث هدد القضاة بالانسحاب من المؤتمر في حال استمرار المحامين بالإساءة للهيئة القضائية. جاء ذلك بعدما وصف المحامي مصطفى نصر الحكم بإدانة محاميي طنطا بالثأري، حيث تصدي له المستشار محمد الجنزوري رئيس محكمة جنايات الإسماعيلية وهدد بانسحاب جميع القضاة، وهو ما دفع بعض الحضور للتدخل لتسوية الأزمة. وحذر المستشار أشرف البارودي نائب رئيس محكمة الاستئناف طرفي الأزمة من أن النظام السياسي في مصر هو الوحيد المستفيد من الأزمة القائمة، بهدف تشويه السلطة القضائية لأنها هي التي تحدثت عن تزوير الانتخابات ووقفت في وجه النظام. ووجه انتقادات شديدة لكل من نقيب المحامين ورئيس نادى القضاة، وقال إن كليهما أقرب إلى الحكومة من أي طرف آخر، واتهم كليهما بأنه استغل الأزمة ليصنعا بطولات تغطي على ما كان يواجه كل منهما قبل الأزمة فتحول الأمر من قضية عامة إلى "خناقة في حارة"، على حد تعبيره. واعترف البارودي بأن الحكم على المحاميين بالحبس "كان في غاية السرعة وغاية القسوة"، وطالب بأن يتم التحقيق في القضية بشفافية تامة، وقال: "دائما ما كانت تستعمل المسكنات في هذه القضايا والنائب العام تهاون كثيرا ثم انتقل من حالة السكون الكامل إلى مرحلة الشطط"، على حد قوله. وقال، إن القضاء المصري لم يحصل على الاستقلال بالكامل ولا يزال تابعا لوزير العدل، وإن النيابة تعمل ب 20 % من اختصاصاتها في ظل قانون الطوارئ، وتعجب من خروج المحامين في المظاهرات بالآلاف لحادثة فردية ولم يخرجوا للمطالبة باستقلال القضاء وقتما اعتصم القضاة للمطالبة بمنحهم الاستقلال عن السلطة التنفيذية، وأضاف: إذا كان المحامون يرون أن الحكم الذي صدر نتيجة لعدم استقلال القضاء فأقول لهم: أين كنتم عندما اعتصمنا للمطالبة بذلك؟. من جهته، أرجع المستشار نور الدين يوسف الرئيس بمحكمة استئناف القاهرة الأزمة إلى "مؤامرة خارجية مرسومة لنا منذ سنوات"، وقال إن هناك "مقالات منذ الثمانينات تحدثت عن مخططات أمريكية وصهيونية مرسومة لبلادنا، منها إنشاء دولة مسيحية في الجنوب وإثارة الأزمات بين الطوائف في الشمال"، وأوضح أن الطوائف ليست بالضرورة طوائف دينية، لكن يمكن أن يكون في صورة مقل ما هو قائم من خلاف بين المحامين والقضاة. واعتبر أن ما حدث هو نتاج مشكلة اجتماعية من الدرجة الأولى، وقال إن العنف الذي يشهده المجتمع انتقل إلى الطبقات العليا وإن من الأسباب التي تؤدى إلى هذا العنف هو زيادة الفروق بين الطبقات، وأشار إلى أن العلاج يكون في المساواة الاجتماعية وتقريب الفوارق بين الطبقات وتفعيل مبدأ تكافؤ الفرص نشر الديمقراطية وتفعيلها بين أفراد المجتمع. من ناحيته، اعترف مختار العشري عضو مجلس نقابة المحامين بأن الانشقاقات في نقابة المحامين ونادى القضاة زادت من الأزمة، وقال: منذ سنوات ويحدث أحيانا تعد من جانب أعضاء النيابة على المحامين والعكس وتنتهي المشكلة بسرعة, لكن ما حدث في الأزمة الأخيرة كان غريبا، والإعلام له دور كبير والانشقاق في نادى القضاة ونقابة المحامين لهما دور أيضا. وأضاف: ذهبت بنفسي بعد الأزمة إلى طنطا وسمعت إلى المحامين وإلى وكلاء النيابة والقضاة، والحقيقة التي خرجت بها أن هناك مشاكل سابقة بين المحامي المحبوس إيهاب ساعي الدين وبين نيابة ثاني طنطا، وأشار إلى أنه في يوم المشكلة حدثت مشاجرة بين المحامي والحرس ودخل المحامي إلى غرفة مدير النيابة يستغيث به فصفعه مدير النيابة على وجهه. وقال: ما حدث من رفض النيابة العامة تطبيق المادة 50 من قانون المحاماة وانتداب قاض تحقيق وإصرارها على التحقيق بنفسها ثم إصدار الحكم بهذه السرعة هو ما فاقم الأزمة، وأوضح أن غضب المحامين لم يكن لحبس محام، لكن لأن هناك عدم تحقيق كامل لمبادئ العدالة. إلى ذلك، هاجم المحامي بهاء الدين أبو شقة، عضو مجلس الشورى الاعتصام الذي نظمته نقابة المحامين، احتجاجًا على استمرار حبس محاميي طنطا، في محاولة للضغط على القضاة للقبول بتسوية للأزمة، فيما وصفه بالتهريج والمهزلة. وصرح أبو شقة لفضائية "المحور"، أن نقابة المحامين قررت إحالته مع 74 محاميًا آخر للتحقيق لرفضهم الاعتصام مع جموع المحامين وخرقهم لقرار النقابة بضرورة مقاطعة الجلسات، رافضًا الالتزام بالقرار بالتوقف عن الترافع أمام المحاكم لكونه يتعارض مع مصالح المواطنين. وتابع قائلاً: لماذا نقاطع الجلسات؟، من في النهاية سيدفع الثمن أليس المواطن!!.. وأين العدالة في أن أظلم الناس الذين وكلوني لأدافع عنهم؟، مضيفًا: أنا منحاز دائمًا للعدالة ولهذا رفضت قرار النقابة بالإضراب لأن الذي يدفع الثمن هو المواطن. وتساءل بانفعال: لماذا النقابة تحقق مع 75 محاميًا من رموز المحامين في مصر هل ستفعل ذلك مع صغار المحامين، المحصلة النهائية هي أن المواطن خسران خسران ، ووصف هذا الإضراب بأنه غير حضاري وضد العدالة الإنسانية، وقال إنه يعد الأول من نوعه في تاريخ مصر، ولم يسبق أن شاهد ذلك في حياته.