الأستاذ صالح أبو رقيق رحمه الله، أحد أبرز الرموز التاريخية لجماعة الإخوان المسلمين، وأحد مؤسسيها وعضو أول مكتب إرشاد للجماعة، وكان رئيس تحرير أبرز مطبوعاتها وصحفها، فوجئت أول أمس برسالة تأتيني على بريدي الإلكتروني من نجله الدكتور مهندس أحمد، والمقيم حاليًا في الولاياتالمتحدةالأمريكية من سنوات بعيدة فيما يبدو، وقد أرسلها على بريدي الإلكتروني بعد قراءته لمقالي "الإسلاميون في حاجة لقرار شجاع"، وأنا أترك القارئ مباشرة مع سطور رسالته التي يبدو أنه كتبها بعفوية كاملة وبدون أي محاولة للاستجابة لمشاعر المظلومية التي يسهل اصطناعها من قبل قيادات الجماعة، والتي طالما أبدعوا في استخدامها، قبل أن يثبت أنها كانت أحد أهم أسباب الخواء السياسي والتنظيمي الذي انتهى بالجماعة إلى أسوأ كارثة سياسية في تاريخها، لأنها أفقدتهم القدرة على الاستفادة من الأخطاء، لأنه لا يعترف بها كأخطاء أساسًا، يقول صاحب الرسالة: .... بارك الله فيك وزادك من الحكمة والصواب والبصيرة ولعل الله يكشف عن بصيرة من تخاطبهم ويلهمهم القرار الشجاع حتى يحفظ الله الوطن وأبناءه من شرور الفتن والمؤامرات وللإسلام كرامة على أرض الكنانة وفي كل بقاع الأرض وهو على كل شيء قدير، أخي الكريم لقد قرأت مقالك (الإسلاميون في حاجة إلى قرار شجاع) والذي أتفق معك في كل كليمة كتبتها، واسمح لي أن أقص عليك ما يثبت أن قادة هذه الجماعة الأوائل والذين يتهمون الآن ضمنيًا بأنهم أيضًا إرهابيون وذلك بسب الخطأ الفادح الذي وقعت فيه قيادات الجماعة الحاليين الذين لم يقرؤوا التاريخ جيدًا وصموا آذانهم عن النصح. في حديث مع والدي المستشار صالح أبو رقيق رحمة الله عليه، وكان عضوًا في مكتب إرشاد الجماعة منذ عهد المغفور له الإمام حسن البنا وكان والدي أيضًا رئيس قسم شمال إفريقيا في جامعة الدول العربية آن ذاك، قلت ذات يوم بعد أن خرج من السجن في عهد أنور السادات وكنت شابًا وقتها في كلية الهندسة جامعة القاهرة، قلت له كيف أنكم كنتم شركاء عبد الناصر في الحركة المباركة وكانت لكم في البلاد شعبية وثقل أكثر منه ومن معه من الضباط ومع ذلك لم تنقلبوا عليه حينما بانت نواياه تجاهكم بعد أن اتهمكم بالخيانة بالتخابر مع الإنجليز بغير علمه رغم أنه كان يعلم وكان كل شيء يتم بالترتيب معه ثم أرسلكم إلى السجون ثم أفرج عنكم عندما احتاج العون منكم ثم أحيكت مؤامرة المنشية، ألم تكنوا في ذلك الوقت قادرين على قلب الأوضاع عليه ومقاومته لكشف الحقائق؟ قال لي: يا ابني إذا فعلنا هذا كنا سوف نوقع البلاد في فتنة لا يعلم إلا الله مداها وتسيل الدماء وتزهق الأرواح فآثرنا أن نسجن ونذوق ألوان العذاب حفاظًا على البلاد ودماء العباد احتسابًا عند الله. هؤلاء يا أيها الفاضل هم الرجال الذين صدقوا مع الله ومع أنفسهم فوفقهم الله للقرار الشجاع ولعل البقية الباقية تسمع وتأخذ العبر من التاريخ كما قلت ومن قياداتهم الأوائل الذين ضحوا بالغالي والنفيس في سبيل الله وليس الحكم، والقائد الشجاع هو الذي يعرف متى ينسحب من المعركة قبل أن يهلك جنوده، وأخيرًا أدعو الله أن يحفظ مصر وأبناءها من كل سوء ومن كيد الأعداء في الداخل والخارج ويولي من يصلح ويحفظه من فتنة السلطان، والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته، من الولاياتالمتحدةالأمريكية، أحمد صالح أبو رقيق. انتهت رسالة "أبو رقيق" ، وليس لي تعليق عليها ، ولكني أسرح بخيالي ، ماذا لو عمل محمد مرسي والإخوان وفق هذه الرؤية بعد مظاهرات 30 يونيو المهيبة ووضوح أن الجيش قرر التحرك ، ماذا لو أربك مرسي خصومه وأعلن في خطابه الأخير قبول التحدي الديمقراطي وقرر الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة أو الاستفتاء على بقائه ، ألم يكن حقق نصرا أخلاقيا له ولجماعته ولجميع تجاربها في العالم كله ، تؤكد أنهم ليسوا شرهين للسلطة ولا طلاب سلطة ولا يتعاملون مع الديمقراطية كسلم يطاح به بعد "ركوب الدولة" ، ألم يكن قد حفظ جماعته وحزبه من الاستباحة والسحق ، ألم يكن قد حمى أبناء التيار الإسلامي من الدم والنار والسجون والمطاردات ، ألم يكن قد حمى ثورة مصر بجميع قواها الحقيقية والنبيلة من كل الاتجاهات من تلك الانتكاسة التي وضعت مستقبلها على محك مقلق ومخيف ، ألم يكن قد حمى وطنه مصر من هذا النفق المظلم والانقسام الأهلي المروع ، ألم تكن مصر هذه الأيام في عرس ديمقراطي جديد وكرنفالات استحقاق انتخابي تاريخي جديد بدلا من كونها في "مأتم" وعزاء للديمقراطية وكآبة تظلل الجميع . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.