لا بوادر تلوح في الأفق تنبئ بحل للأزمة بين القضاة والمحامين عما قريب، ولا مؤشرات تبدو على تدخل وشيك من القيادة السياسية لوضع حد للأزمة المحتدمة التي دخلت أسبوعها الثاني، مع استمرار كلا الطرفين في التصعيد إلى أقصى مدى، والاستمرار في الإدلاء بالتصريحات التي تزيد الأزمة اشتعالاً، ففي الوقت الذي أرجع فيه المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة إلى صراعات داخلية بنقابة المحامين، واجه اتهامات مضادة منددة بموقفه خلال وقفة احتجاجية أمام النقابة العامة وحملوه مسئولية تصاعد الأزمة، واتهام القضاة بالتحول لسلك من "الفاسدين والمرتشين"، على حد اتهام المتظاهرين. وقرر مجلس نقابة المحامين أمس خلال اجتماع ساخن في نادي المحامين بطنطا مع عدد من مجالس النقابات الفرعية مد الإضراب إلى يوم الأحد القادم، ووضع شروطًا للتسوية للأزمة تتمثل في العفو عن المحاميين المحبوسين بتهمة التعدي على رئيس نيابة ثاني طنطا، أو تقدم الطرفين لمحاكمة عادلة. وتعهد حمدي خليفة نقيب المحامين باستمرار الإضراب وعدم قيام المحامين بتسديد الرسوم القضائية لوزارة العدل لحين انتهاء الأزمة بالشكل اللائق، ودعا الرئيس حسني مبارك إلى ضرورة التدخل لتسوية الأزمة وفرض حل على جميع الأطراف بعد إخفاق الجهود التي بذلت حتى الآن لحلها. وتبنى الاجتماع- الذي شهد قيام عدد من المحامين بالتعدي على مندوبي الصحف ووسائل الإعلام- موقفًا متشددًا من الأزمة محملاً القضاة مسئولية عرقلة حلها حتى الآن، وطالب بضرورة تفعيل المادتين 50 و54 من قانون المحاماة والخاص بتوفير ضمانات للمحامين في التعامل مع القضاة تمنع تكرار هذه الأزمة. بموازاة ذلك، فشل اللقاء الذي جمع نقيب المحامين مع النائب العام المستشار عبد المجيد محمود في التوصل لتسوية للأزمة، رغم حرص الطرفين على عدم الإدلاء بتفاصيل ما دار في الاجتماع، وهو اللقاء الرابع بين الطرفين خلال هذا الأسبوع. ونفى الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب ما تردد عن طرحه مبادرة لتسوية الأزمة تدور حول إلزام الطرفين بالرد عليها بالقبول لها بشكل تام أو رفضها بشكل تام، وذلك لقطع الطريق أمام أي محاولات لعرقلتها. وجاء ذلك في ضوء عدم تلقيه ردودًا إيجابية حولها مما دعاه للتنصل منها ونفي تقديها. في الإطار ذاته، رفض نادي قضاة مصر عقد لقاء بين حمدي خليفة والمستشار أحمد الزند معتبرين أن هذا اللقاء سابق لأوانه، وهو أمر يضفي مزيدا من التوتر على الأزمة بحسب مصادر، جاء ذلك على لسان المستشار عبد الله فتحي وكيل نادي القضاة الذي أكد استحالة عقد اللقاء قبل إصدار المحكمة الاستئنافية حكمها في الدعوى المقامة ضد المحامين المحبوسين. يأتي هذا في الوقت الذي أعلن فيه محامون مستقلون عن تشكيل لجنة محايدة لإدارة الأزمة من جانب حكماء المحامين، لاسيما الذين لم يدلوا برأيهم في الأزمة وعدد من القضاة الذين التزموا الحياد، ومن بين أعضاء اللجنة الدكتور أحمد كمال أبو المجد، والدكتور يحيى الجمل، والدكتور محمد سليم العوا، ورجائي عطية، وسامح عاشور وغيرهم، فيما ترددت أسماء المستشارين أحمد ومحمود مكي والمستشار هشام الخضيري من جانب القضاة. من جهته، قال المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة إنه لن يحيد على موقفه فيما يخص الأزمة الحالية بين طرفي منصة العدالة القضاة والمحامين، وهو ترك الأمر في أيدي القضاء ليحكم بينهما، متحدثًا عن صراعات داخلية في نقابة المحامين قال إنها تلعب دورًا مؤثرًا في توسيع وتضخيم المشكلة بين طرفي منصة العدالة، واتهم "قلة" من المحامين يقفون وراء هذه الأحداث، وقال إنه لابد من محاكمتهم لمعرفة من المخطئ. وفي تصريحات لبرنامج "مصر النهاردة" على التلفزيون المصري، ما وصف الزند ما يحدث بأنه أمر يثير الأسى والحزن واللوعة، وقال: اتفقنا نحن القضاة أن نرسم خارطة طريق وأن نتمسك بموقفنا في ضرورة معاقبة المخطئ سواء كان قاضيًا أو محاميًا، وعزا تمسك القضاة بموقفهم إلى أن "الأزمة استفحلت وطالت ولم يجد معها الحلول السلمية ولهذا لجأنا للطريق الشرعي ألا وهو القانون". ورغم الانتقادات التي تواجهها محاكمة المحامين أمام جهة قضائية لكونها "الخصم والحكم"، رفض الزند التشكيك في القضاء المصري، وقال إنه مشهود له بالنزاهة وثوبه أبيض ناصع ويكفي أننا نحظى باحترام المجتمع المصري كله. وتساءل: ألسنا نحن القضاة الذين أصدرنا حكم الحبس سبع سنوات لصاحب العبارة ممدوح إسماعيل، وألسنا القضاة الذين أعدنا الأراضي لأصحابها في الغربية ويكفي مواقفنا الكثيرة أمام الحكومة، فلماذا في هذه القضية يأخذ إجراءات استثنائية، ألم يجمعنا قاعة واحدة نحن والمحامين فلماذا هذا الصراع أجيب أنا: لأن القضية خرجت من نطاقها الطبيعي ولابد من تدخل القضاء لأنه هو الحكم العادل بيننا وبينهم. ونفى الزند أن يكون وصف المحامين بأنهم إرهابيون أو بلطجية، وقال: لم أصفهم بهذه الصفات لكني وصفت الفعل الذي قاموا به قلة من المحامين الذين أساءوا للمهنة وقلت عن فعلهم بأنهم قلة مارقة ولم أقل إرهابيين ولا بلطجية، قلت إن ما يحدث يمثل نوعًا من الترويع والإرهاب والبلطجة، فأنا وصفت الفعل وليس الأشخاص وهم اقتحموا مكتب المحامي العام ومعهم مطاوي ودمروا المكتب وضربوا وكيل النيابة. وتساءل: هل هذا الأمر يحدث في أي بلد في العالم كبير أو صغير، فكيف يكون هذا السلوك في مصر صاحبة السبعة آلاف حضارة، صاحبة القضاء رفيع الشأن، لذا على المخطأ أن ينال عقابه ليسود العدل على الجميع. واستطرد الزند: نحن تعاملنا مع المحامين بكل تحضر وأرسلنا لهم بيانا ملتزما وحكيما ومهذبا نقول فيه: إننا ندعو كل حكماء مهنة المحاماة الرفيعة وكل من يحمل نوايا طيبة تجاه هذه الأزمة أن يشارك في حل هذه الفتنة، وللأسف جاء ردهم عنيف وبأنهم لم يصمتوا وقالوا بالحرف الواحد ردًا على بيان نادي القضاة: التصعيد والإعداد لغضبة شاملة وعارمة، وكأننا في حرب رغم أننا لن نتجاوز ولم نهين أحدًا. واعتبر الزند أن زيارة الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب إلى نادي القضاة كانت بدافع شخصي لحل الأزمة وليس بصفته رئيس البرلمان، وقال نحن قدرنا زيارته واحترمنا موقف ونسعى معه لحل المشكلة، لكن بالقضاء والقانون والدستور حفاظًا على هيبة القضاء وعدالته وحفاظًا أيضًا على مهنة المحاماة الموقرة كما وصفها نادي القضاة، فلابد من محاكمة هؤلاء القلة الذين أساءوا لمهنة المحاماة. وحول البيان الذي صدر من حمدي خليفة نقيب المحامين، قال المستشار الزند إنه بيان يحمل في طياته اللوم والعتاب للقضاء ونحن رفضنا هذا الأسلوب لأنه لم يحمل هؤلاء القلة من المحامين أي مسئولية عما حدث.