نتيجة الجهل والتخبط السياسي، ونتيجة الأحقاد وتنافر الفصائل الشعبية، وبسبب تناحر القوى السياسية وعدم توحد كياناتها، والصراع على السلطة لتحقيق المصالح والأطماع بالداخل والخارج، وضمان البقاء والهيمنة، ونتيجة التَوجُس والريبة من كيانات الإسلام السياسي، ونتيجة رُعُونة الأداء وقلة الخبرة وعدم القدرة على لم الشمل وإرضاء الجماهير المنقسمة، ونتيجة اختزال الثورة الشعبية في فَصيلٍ واحد، انحصر الشعب المصري المغلوب على أمره بين شقي الرحى، ولا مناص من التوجه نحو خيارين كلاهما مر: تأييد الشرعية المفترى عليها، أو مؤازرة الثورة المزعومة وإهدار الشرعية. وللأسف الشديد يتأرجح المشهد السياسي المُتَخَبِط بين القمة والهاوية. القمة وما أدراك ما القمة.. وكما قال أحد المستنيرين المخلصين: يأبى السَحابُ أن يُطلَ قَطْرَهُ على الرمم.. كل الرِمَم.. الذين تَوسَدوا طُهْرَ القمم..
فلا بديل ولا سبيل للصعود إلى القمم –من غير الرمم-سوى إرادة الجماهير الواعية، ورغبة الشعوب المستنيرة من خلال صناديق الاقتراع، وإجراء انتخابات حرة نزيهة. ولا يكفي أن يكون تدني أداء الحكومة الشرعية، وإخفاق الحزب الحاكم مبررًا جوهريًا لموقفٍ عسكري وأمني مؤازرٍ لهوجةٍ شعبيةٍ أو ثورةٍ مصطنعةٍ للإطاحة بالكيان الشرعي برمته، الممثل في رئاسة الجمهورية والحكومة، والانقلاب على رئيسٍ منتخبٍ لأول مرة في تاريخ مصر، وتعطيل دستور صاغته جمعية تأسيسية وطنية منتخبة، وأقره غالبية الشعب بإرادةٍ حرةٍ، وإجراءاتٍ نزيهة. والثورة الحقيقية تأتي لهدم الفساد وإعادة البناء، وهذا ما حدث في ثورة 25 يناير الشعبية وغيرها من الثورات، أما تصويب الأخطاء وتصحيح الأوضاع لا يتأتى بالتمرد والانقلاب على الشرعية، وإنما يجب الالتزام بالإجراءات القانونية داخل الإطار الدستوري الذي نسجه الشعب من خلال القنوات الشرعية.
إن مؤازرة الجيش والشرطة للثورة المزعومة ضد أنصار الشرعية، واللجوء إلى استخدام القوة المفرطة لفض الاعتصامات، والمواجهة الدامية بين أبناء الوطن الواحد، ومبالغة وسائل الإعلام والإصرار على توجيه اتهامات مجحفة، وتأجيج نار الفتنة، سيؤدي حتمًا لإهدار أهم مكاسب ثورة 25 يناير، والانحراف نحو الهاوية، والعودة إلى نقطة الصفر. وبذلك تتحول الشرعية الانتخابية إلى صراع الشوارع وإراقة الدماء، والثأر والانتقام، والتخريب والدمار، وخضوع الواقع الدستوري إلى إرادة طوائف الجماهير المتنافرة، والبقاء للأقوى، وهذا التحول سيؤدي حتمًا إلى فوضى عارمة وهيمنة الشارع على مُقَدْراتِنا، وضرب الإجراءات الانتخابية عرض الحائط، وفقدان هيبة الدولة واستنزاف مواردها، وإهدار آلية العملية الانتخابية التي لا بديل عنها ولا خيار سواها لضمان نزاهة الممارسات الديمقراطية، وإعلاء رغبة الجماهير الواعية التي تعلو فوق كل رغبة. نسال الله صلاح الهمم مع الصاعدين إلى سماء طهر القمم.. نسأل الله النجاة من فساد الزمم التي تهوي بنا إلى قاع النقم.. نسأل الله العفو والعافية مع السائرين إلى دروب النور والنعم.. إنه سميع مجيب الدعاء..