تُشَنُّ في هذه الأيام عدة حملات إعلامية على ما يسمى ب"زواج الصغيرات" سواء على مستوى الصحف أو القنوات التليفزيونية أو مواقع الإنترنت، وذلك على الرغم من حاجة المجتمع الشديدة للالتفات والتركيز على مشكلات اجتماعية أشد بأسًا وأشد تنكيلاً بالمجتمع وأفراده من هذه المشكلة، هذا إن صح أن نطلق عليها مشكلة من حيث الأصل، فإذا تدبرنا مثلاً نِسَب العنوسة في المملكة أو نسب الطلاق أو نسب العنف الأسري أو ارتفاع تكاليف الزواج أو غياب الهوية لدى الشباب أو غيرها من المشكلات التي تكاد تعصف بالأسرة والمجتمع، إذا تدبرنا هذه المشكلات وقارنا بينها وبين ما يسمى "زواج الصغيرات" لما وجدنا وجهًا للمقارنة، فنسبة حالات زواج الصغيرات قليلة للغاية بل لا تكاد تذكر، إلا أن الآلة الإعلامية الغربية والليبرالية هي التي تضخمها وتجعل منها مشكلة المشكلات. ومع ذلك وإضافة إليه نستطيع أن نستشف بوضوح حالة من التناقض المدهش بين الدعوة إلى تقنين سن الزواج ورفعه إلى 18 عامًا للحد من زواج الصغيرات باعتباره أكبر المشكلات الاجتماعية التي تواجه الأسرة في المجتمع السعودي، وبين دعوات أخرى مشابهة كالدعوة للاختلاط في الصفوف الدراسية الأولية وما بعدها وما يترتب عليه من الاقتداء بالنموذج الغربي المنفتح في العلاقات بين الأطفال من الجنسين. ولنا أن نندهش أكثر فأكثر حينما نقرأ المواد التي أسفرت عنها مؤتمرات المرأة الدولية منذ بداية القرن الماضي وحتى الوقت الحاضر من ضرورة رعاية المراهقين –وخاصة الشابات- لتثقيفهم بالأمراض المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي، كالإيدز، وحث الحكومات على وضع سياسات لتشجيع تأخير إنجاب الأطفال لوجود احتمال أن يكون الحمل الذي يحدث للمراهقات سواء المتزوجات منهن أو غير المتزوجات له آثار معاكسة بالنسبة لأمراض ووفيات الأم والطفل!!! ويقصد بمصطلح "المراهقين" في المواثيق الأممية غير المتزوجين من غير البالغين. وتهدف هذه المواد إلى إشاعة العلاقات غير المشروعة بين المراهقين والمراهقات، وتطالب كذلك بتثقيفهم ثقافة جنسية وإنجابية تكفل لهم التمتع بالعلاقة في ظل جو آمن بعيدًا عن تحمل مسئوية طفل يكون نتيجة لهذه العلاقة أو أية أمراض تكدِّر عليهم صفو الممارسة الجنسية المحرمة. لقد وصلت الحرية الجنسية بين المراهقين في الغرب مبلغًا مرعبًا، ويكفي لنا أن ننظر في نسب حمل المراهقات في أوروبا والولايات المتحدةالأمريكية، ففي أمريكا وصلت العام الماضي إلى 750 ألف فتاة تحت سن العشرين سنويًا، وفي بريطانيا وصلت هذا العام إلى 40 ألف فتاة تحت سن 18 عامًا. إن الدعوة إلى انفتاح الأطفال والمراهقين من جانب، ورفع سن الزواج من جانب آخر، من شأنها أن ترفع الكلفة بين الجنسين من المراهقين، وأن تشعل نار العشق في ضلوعهم لتنتشر العلاقات غير المشروعة، وتتزايد المشكلات الاجتماعية وتتفاقم بمعدل لا محدود، وهو عينه ما يعاني منه الغرب ويحاول تصديره هو ومن دار في فلكه من العلمانيين والتغريبيين إلى بلداننا الإسلامية. الغرب يدعو لتأخير سن زواج الفتيات ويشن حملاته على زواج الصغيرات من جانب، ثم هو يفتح لهم الحبل على الغارب لممارسة الزنا والفواحش دون رقيب أو نكير، بل ويمهد لهن السبل لذلك، ويوفر لهن سبل الوقاية من الحمل والأمراض الجنسية، ويخفض لهن سعر وسائل منع الإنجاب، بل وييسر لهن التخلص من الحمل حال حدوثه.. أفليس ذلك -بربكم- تناقضًا بلا حدود؟