يعرف الكثيرون الشهيد حسن البنا ..رحمه الله رحمة واسعة.. إنهم -للأسف- يربطونه بالصورة الشائعة عن الإخوان المسلمين.. تلك التي كونتها مسيرة أعدائهم ومعذبيهم منذ نحو خمسين سنة.. نتيجة بعض الأخطاء التي وقع أحدهم فيها عندما قتل النقراشي بدون إخبار أي أحد حتى الإمام الشهيد نفسه، وهي الحادثة التي تبرّأ منها الشهيد حسن البنا -رحمه الله- وقال: (ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين). لكن هذه الكلمة الرائعة الفاصلة أخفاها أعداء الإخوان، وظلوا يتاجرون بمقتل النقراشي الذي كان من نتيجته أن صدر أمر اعتقال جماعي للإخوان المسلمين. • وقد أدرك الشهيد حسن البنا أنه هو الذي سيأخذون منه الثأر على الرغم من أنه أعلن براءته.. • فهؤلاء الأعداء قد أقروا تخطيطهم المسبق الذي خدعوا به الملك فاروق عندما صوروا له أن الإمام حسن البنا خطر على ملكه .. ووقف وراء مقتل الشهيد حسن البنا اليهود؛ لأنهم لا ينسون جهادهم ضدهم وانتصارهم عليهم في حرب 1948م، ومع اليهود -بالتأكيد- الإنجليز أصحاب وعد بلفور سنة1917م. • والحق أن حسن البنا كان هدية من الله إلى الأمة الإسلامية، فمنذ تعلم في كلية دار العلوم جامعة القاهرة، واتصلت حياته بالإسماعيلية بدأ بنشر التربية الإسلامية، يغرس بذور الإيمان، راجيًا من الله أن يتعهدها بالسقي والغذاء، وكان له حديث أسبوعي عرف باسم (حديث الثلاثاء). • وكان يعامل الناس بكل رفق وأناة ونوع من المرح، حتى إنه كان يجلس مع تلامذته على مائدة طعام فذكر واحد منهم قول الرسول : ".... ثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفَسِه"، ووقع أصحابه في حرج شديد قال الأستاذ البنا: كلكم أعلم بثلثه.. • وكان شعاره (العملي): سنحارب الناس بالحب.. ويشهد للبنا بذلك كل من اتصل به عن قرب ولو لمرة واحدة.. فقد كان رحمه الله فيضًا من المشاعر النبيلة التي ترتكز بالأساس على المفاهيم والقيم الإسلامية التي لا تعرف قسوة أو غلظة.. ولذلك كان المنهج الإسلامي في الإصلاح هو منهج التربية وغرس القيم والمبادئ.. دون اعتماد على العنف أو فرض الآراء بالقوة حتى لو كانت آراء صحيحة.. وهو الأمر الذي لم تستفد منه - للأسف- حركات إصلاحية تالية حاولت استعجال قطف الثمار وحصد النتائج مبكر!! فكان ما عانينا منه عقودًا طويلة.. • كان مالك بن نبي يصف القرآن الذي يقرؤه الإمام حسن البنا وكأنه ينزل عليه اليوم؛ لأنه صادر من أعماق قلبه وعقله. • وفي يوم من الأيام زار العلامة الشيخ (محمد الغزالي-السقا) المعروف باسم (محمد الغزالي) علمًا أن اسمه مركب من محمد والغزالي.. ورأى الشيخ الغزالي الدموع في عيون الإمام حسن البنا، ففزع الشيخ وسأله: • لماذا هذه الدموع يا إمامنا؟ • فقال له: لقد سُرقت حركة الإخوان المسلمين -التي أصبحت مركبًا ذلولاً لأهل الطموح السياسي والمغامرين.. أما إني يا تلميذي العزيز محمد الغزالي: لو أستقبل من أمري ما أدبر لرجعت إلى مرحلة التربية الفردية.. و(المأثورات)، أي: التربية القائمة علي الدين والعلم وترقيق القلب (لأن هذا القلب هو المضغة التي إذا صلحت صلح بها الجسد كله)، وقال له: يا غزالي.. لقد أديتُ واجبي لكن بعضهم أصرَّ على ألا يفهم لهوى في نفسه، وأنا أشكوهم إلى الله. وكان الإمام الشهيد حسن البنا يتوقع نهايته، ويكاد يبصرها بنور الإيمان..حتى ذلك اليوم الذي زار فيه الشيخ البنا المركز العالمي لجمعيات الشبان المسلمين (12 ش رمسيس) - أو استدرج إلى هذا المكان .. وهذا ما أميل إليه.. وعندما خرج من المركز العام للشبان المسلمين الذي أصبح في أيامنا (وهمًا وصورة محنطة) تناوشته الرصاص من كل مكان فمات شهيدًا على باب الشبان المسلمين... وقد منعوا أن يمشي أحد في جنازته إلا عددًا يعدّ على أصابع اليدين منهم كبار أسرته.. ومات الشهيد وزوجته النقية حامل.. وبعد شهور وضعت جنينها -فكان طبيعيًّا أن تسمى (استشهاد حسن البنا) .. وها هي استشهاد اليوم -بفضل ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا﴾- أستاذة كبيرة في الاقتصاد الإسلامي، وإنه لشرف لها أن يكون من بين المشرفين عليها والمناقشين لها عظيم من عظماء مصر بالإجماع وهو الدكتور عبد العزيز حجازي رئيس الوزراء الأسبق في مصر، كما أن الدكتورة استشهاد تزوجت بواحد ممن أعرفهم شخصيًّا منذ أربعين سنة وهو من أكبر الجراحين في مصر والخليج، وهو الأستاذ الدكتور عبد الله عياد .. وأخيرًا نقول كما قال الله في القرآن: ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا﴾، ونقول كذلك من كتاب الله: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾، ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾. * أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية رئيس تحرير مجلة التبيان