الأمريكان مدهشون دوما، فالنائبان بمجلس الشيوخ جون ماكين وليندسي جراهام اللذان زارا القاهرة في إطار الجهود الأمريكية لحل الأزمة السياسية ينتميان إلى الحزب الجمهوري، أي أنهما من الحزب المعارض للرئيس أوباما الذي ينتمي للحزب الديمقراطي. هذا هو الانفتاح والتسامح السياسي، وتلك هي الديمقراطية عندما يطلب الرئيس من نائبين بالحزب الذي يعارضه القيام بوساطة في بلد صديق، ولم يطلب ذلك من نواب حزبه، ولم يعترض عليه حزبه، وهو لايخشى من أنهما لو نجحا في مسعاهما فإن ذلك قد يُحسب لحزبهما، ويسحب من رصيد حزبه، ويؤثر على فرصه في الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة، كما أن أوباما لا يسعى للاستئثار لحزبه الحاكم بكل المهام الخارجية للحفاظ على المصالح الأمريكية لأنه يثق في وعي الناخب لذلك ينفتح على المعارضة وينسق معها ويتفاوض باستمرار مع قادتها لتمرير الموازنة والقوانين المهمة، وبعد انتهاء ماراثون الانتخابات تجد الأغلبية والمعارضة متشابكة الأيدي حيث يعمل الأمريكان كفريق عمل واحد لذلك هم ناجحون ومتقدمون وجديرون بقيادة العالم. جون ماكين كان منافسا لأوباما في انتخابات الرئاسة الأولى التي أجريت في 2008، وماكين المهزوم لا يجد غضاضة في أن يوافق على أي مهمة يكلفه بها الرئيس الذي فاز عليه ، لا عداء ولا كراهية ولا أثر للهزيمة بداخله تنعكس على طريقة تعامله مع الرئيس بعكس ما يحصل في بلادنا، فبعد أول انتخابات رئاسية حقيقية خرج المهزومون أشد عداوة للفائز، ولم يتركوه حتى انقلبوا عليه، ومن المفارقة أن المتنافسين في الرئاسة قبل الانتخابات كانوا أكثر قربا من بعضهم البعض، لكنها السلطة التي تجعل الحروب والاغتيالات والانقلابات أمر طبيعي في العالم الثالث ، بينما في الغرب الديمقراطي لا عقد ولا استكبار ولا عنجهية ولا عداء دائم بين المتنافسين، إذ بمجرد أن تُعلن النتائج يتصافح الخاسر مع الفائز ويهنئه، ويذهب الحاكم الجديد لمقر الحكم، ويذهب الخاسر إلى عمله أو بيته. ليندسي جراهام رفيق ماكين في الزيارة كان قد حذر قبل مجيئه للقاهرة من خطورة صعود التطرف الإسلامي في مصر إذا لم تحل الأزمة ويتحقق الاستقرار، وقد سارع البعض في فريق السلطة إلى التهليل بتصريحه وفهمه على أنه نقد حاد للإخوان وانقلاب أمريكي عليهم، لكن جراهام كان يقصد التحذير من صعود التيارات المتشددة أو الجهادية بعد قمع التيارات المعتدلة التي قبلت الديمقراطية وفازت بها ثم وجدت نفسها تخرج من السلطة بالقوة إلى السجن، لذلك وفي القاهرة كان جراهام متسقا مع توازنه السياسي ومشددا مع زميله على ضرورة الحوار الذي يشمل الجميع دون استثناء أو إقصاء. جراهام دعم رأي زميله ماكين بأن ما حصل في مصر يوم 3 يوليو هو انقلاب، وهو المواقف الأمريكي الأكثر وضوحا حتى الآن ، ولما حاول صحفي أن يتحذلق ويطلب منه تفسيرا لمعنى الانقلاب فإنه كسياسي مباشر لا يميل للتنظير أو التفلسف قال إن وصف البطة هو بطة ، لا يحتاج الأمر للبحث في القاموس عن المعنى ، أي إن الانقلاب هو انقلاب، وهنا تدخل جراهام بنفس المباشرة لتوضيح المعنى أكثر قائلا: "من في الحكم ليسوا منتخبين، ومن تم انتخابهم حاليا في السجن، الوضع الراهن غير مقبول". إذن هذا هو المعنى العملي للانقلاب لدى النائبين البارزين والمؤثرين ، والاثنان أصابا سلطة الانقلاب في تلك الليلة بصدمة جديدة وبارتباك آخر، خصوصا وأن تصريحهما جاء في أعقاب لقاءات لهما مع كل أطراف السلطة التي ربما كانت مطمئنة إلى أن الزيارة ستكون داعمة لها ومتشددة باتجاه الخصم الإخواني في الاعتراف بأن ما حصل ثورة شعبية. سلطة الانقلاب مازالت في مأزق إقناع أطراف دولية كثيرة بأنها نتجت عن ثورة شعبية يجب التعامل معها وحدها وإشاحة الوجه عن مرسي ونظامه، ولذلك لا تتوقف عن الاتصال بكل السبل بدول العالم لإقناعها بأنها ليست انقلابية، وهي أول مرة يضطر فيها نظام إلى توضيح نفسه وشرح مبرراته وتأكيد شرعيته طوال أكثر من شهر دون أن يتحقق المراد. كان للنائبين رسالة أخرى مهمة وهي المطالبة بالإفراج عن السجناء السياسيين، والمقصود هنا قادة الإخوان حيث قال جراهام : في النظم الديمقراطية، يجب أن نتحدث مع بعضنا البعض، من المستحيل أن تتحدث مع شخص في السجن. النائبان عندما يطالبان بالإفراج عن المعتقلين بما فيهم مرسي، فإنهما بذلك يقولان إنهما يدركان أن هؤلاء معتقلون سياسيا، فلا توجد قضايا جنائية حقيقية ضدهم، إنما هو تنكيل بهم للضغط عليهم وإجبارهم على التسليم بالواقع الجديد. ولو كان لدى السلطة قضايا جنائية مقنعة ضد الإخوان وحلفائهم لما سمحت لشخصيات رسمية دولية كبيرة ووفود عربية ودولية بزيارة مرسي وخيرت الشاطر في المعتقل والتفاوض معهما. هل يمكن زيارة متهم جنائي والدخول في حوار معه في قضايا سياسية كبيرة ؟!. إذن ، لماذا لا يكون الحاكم الفعلي للبلاد وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي واقعيا وعمليا ومباشرا وواضحا مثل الأمريكان ويفرج عن مرسي وعن جميع المعتقلين ليلة العيد لتكون بادرة طيبة تزيل جانبا من الاحتقان وتعجل بفض الاعتصامات بالرضا وتسهل الحوار والتفاوض من أجل وطن هو للجميع ولن يكون أبدا لفريق واحد؟!. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.