مقالات الأستاذ فاروق جويدة فى الأهرام وآخرها مقاله فى عدد الجمعة 5/21الذى كتبه تحت عنوان " إدانة رسمية لمنظومة الفساد " يصلح شاهدا ودليلا على خصوصية الديمقراطية المصرية فى طبعتها الأخيرة ، هناك إتفاق ضمنى غير مكتوب سارى المفعول إلى الآن بين كل من النظام والشعب إلى أن يطرأ جديد وإن كان الأخير قد رضى به مضطرا لضعف قوته وقلة حيلته وهوانه على نفسه وعلى النظام ، هذا الإتفاق مضمونه أن " للناس أن يقولوا ما يريدون وللنظام والحكومة أن يفعلوا ما يشاءون " وتلك كما ترى قسمة ضيزى " جائرة وظالمة " ، فالكلام إذا ظل كلاما وفقط لا يطعم ولايسمن ولا يغنى من جوع ولا يعالج من مرض ولايبنى بيوتا ولا يزوج أولادا ، وبالجملة ليس له فائدة ولا طائل من ورائه إلا إذا ترتب عليه عمل ، ولن يكون كذلك إلا إذا صدر من طرف مرهوب الجانب يستطيع أن يفرض إرادته ، أما الفعل الذى هومن نصيب الطرف الآخر الأنانى فيبدأ بمرحلة التمهيد وتهيئة المناخ بالطوارىء والإعتقالات والمحاكمات العسكرية و تزويرالإنتخابات ، وينتهى بمغانم كثيرة يأخذونها ،عضوية فى البرلمانات وأرصدة فى البنوك بالملايين والمليارات وأراض شاسعة وشركات عملاقة وقرى سياحية وإحتكارات وطائرات ومطارات خاصة وفسح وسفريات وعلاج للزوجات و الأولاد ، والأحفاد والأقارب وربما المعارف والجيران . فى مقاله المهم يتساءل الأستاذ فاروق جويدة بحسرة : "هل هناك دولة فقيرة يتسرب منها15 مليار جنيه في المساج والأوزون والعدسات اللاصقة وعمليات التجميل.. هل هناك دولة تضم كل هذه العشوائيات واعلي نسبة في الفقر في العالم وتنفق15 مليار جنيه علي عمليات شد الوجه وتذاكر الدرجة الأولي وحمامات الساونا وزرع الشعر ، ويمضى الرجل إلى أبعد من ذلك فيشكك صراحة فى كل ما يصدر عن هؤلاء من أرقام وبيانات و تصرفات فى أموال الميزانية العامة للدولة التى تزعم الحكومة أنها أنفقتها على البنية الأساسية والصحة والتعليم والدعم وما أشبه يقول : " نحن أمام قضية تهتز لها أركان السماء لأنها اعتداء وحشي علي أموال الغلابة والبسطاء وإذا كان هذا ما حدث في الخدمات الصحية فماذا يحدث في ميزانيات الدعم الذي لا يصل إلي أصحابه والأرقام الرهيبة التي تعلنها الحكومة وماذا يحدث في مشروعات الصرف الصحي والمياه والإسكان والمرافق وكيف نصدق كل هذه الأرقام التي تدعى الحكومة أنها تنفقها على المواطنين ، ما حدث في قرارات العلاج علي نفقة الدولة يمثل جانبا من منظومة الفساد التي شملت كل شيء وتقرير الجهاز المركزي للمحاسبات حول قرارات العلاج علي نفقه الدولة إدانة رسمية لمنظومة الفساد واعتراف صريح به ، ويختم الأستاذ جويدة --الذى يعتبرفى نظرى آخر حلقة فى السلسلة الذهبية لكتاب الأهرام -- مقاله النارى الكاشف الفاضح بقوله : " إن أسماء المتورطين في هذه الجريمة لدي الجهاز المركزي للمحاسبات وفيهم أسماء كبيرة ورنانة.. وإذا تمسك مجلس الشعب بقراره بتأجيل مناقشة التقرير أو إخفائه والتستر عليه فإنني أطالب النائب العام المستشار عبد المجيد محمود بأن يطلب هذا الملف ويبدأ التحقيق مع جميع الأسماء التي وردت فيه ، لا يعقل أن يكون مصير جميع قضايا الفساد في السنوات الأخيرة أرشيف السلطة ومكاتب المسئولين ، يبدو أن طوفان الفساد اجتاح كل شيء " إنتهى ، إذن قال الكاتب الكبير كلمته ومضى ، ولكن ما الفائدة ؟ وماذا بعد؟ المصلحة العامة وأمانة المسئولية تحتمان على الذين أقسموا على رعاية مصالح الشعب رعاية كاملة أن تأخذهم الحمية والغيرة على هذه المصالح التى ضيعت وأموال الغلابة التى أهدرت ، وإستأثر بها أولئك الذين لا يشبعون ولا يملأ أعينهم إلا التراب ، فيجرى تحقيق سريع يعاقب من يثبت خطؤه ليلقى جزاء ما قدمت يداه ، خاصة أن الحقائق ذكرت فى جريدة حكومية لها مصداقية عند صناع القرار وليس فى إحدى جرائد المعارضة التى لا يقرأها السيد الرئيس حسب تصريح مشهور لسيادته ، كما أن المنطق يقول أنه يجب أن يتحرك نواب الشعب " الحقيقيين "تحت القبة ويفعلوا شيئا دفاعا عن حقوق الناس الغلابة ، لكن هذا الطريق محفوف بالإحباط واليأس حيث الأغلبية إياها تنتظر فى نهايته بالمرصاد رافعة شعار الجاهلية الأولى " إنصر أخاك فى الحزب والحكومة ولو كان ظالما " تدعمها لائحة تتربص بهؤلاء النواب كما ينتظرهم على أحر من الجمر الطلب المزمن الموقع من عشرين عضوا بقفل باب المناقشة والإنتقال إلى جدول الأعمال ، وربما يسأل المرء الرشيد نفسه أى برلمان هذا و أية أعمال تلك التى بسببها تضيع الحقائق ومعها أموال الشعب ، ولكنه سؤال لا محل له من الإعراب فى المرحلة الراهنة التى هى أزهى عصور تجريف ثروة ،الوطن ، طبيعى أن يقفز إلى ذهنك سؤال : وأين الشعب الذى هو أنا وأنت وهو وهى ؟ الواقع يقول أن "غالبية " الشعب فى غيبوبة عما يجرى حوله ، رغم أنه المالك الأصلى وصاحب الحق الأصيل فى هذا البلد الذى إعتبره الآخرون " عزبة " يفعلون بها ما يشاءون ويتصرفون فيها كما يتصرف المالك فى حر ماله ، وأصبح المثل الشهير " مولد وصاحبه غايب " هو أبلغ وأصدق تعبير عما يجرى فى مصر بمعزل عن الشعب صاحب الحق ، لكن شعاع من الامل أصبح معقودا الآن على رصيف مجلس الشعب الذى أصبح مجلسا حقيقيا معبرا عن آمال الأمة وآلامها ، وإن تعجب ف العجيب حقا فى هذا السياق أن النظام و كتابه والمتحدثين بإسمه والمدافعين عن سياساته الفاشلة يرون أننا يجب أن نقبل أيدينا بكرة وعشيا ونرسل لهم فاكسات وبرقيات شكرنشكرهم فيها شكرا جزيلا ونعترف لهم بالجميل الذى طوقوا به رقابنا و لن ننساه لهم أبدا ما دام فينا نفس يخرج وقلب ينبض ، لماذا يا سادة ؟ لأننا ننعم بحرية لا ينعم جيراننا وأشقاؤنا بمعشارها ، ولماذا لا نقارن حريتنا بمن هم أفضل منا فى هذا المجال ؟، تماما كالتلميذ الفاشل الذىنجح بمادتين يحاول أن يقنع نفسه وأهله بأنه أحسن حالا فيقارن نفسه بزميله الأكثر فشلا ، فصل القول أن حرية التعبير ليست هى المنى والطلب و لا هى غاية المراد من رب العباد إذا لم تحدث التغيير المنشود ، و لا جدوى منها وليست مطلوبة لذاتها إذا ظل أصحابها قابعين بعيدا يهتفون ضد قافلة الفساد التى تسير فى طريقها لا تلوى على شىء ، واثقة الخطوات يشد بعضها بعضا ، لا تلتفت وراءها ولا تنظر حولها ، ولا ترى فى الكادر إلا نفسها ولا تسمع إلا صدى صوتها