ما يعنيني وأركز عليه ألا نصحو أو نبيت على مذبحة مروعة يروح ضحيتها الآلاف في رابعة العدوية ونهضة مصر، ولذلك كتبت أمس ناصحًا وزير الداخلية، ففي النهاية ستضحي به الدولة لتغسل سمعتها القذرة في حالة حدوث الكارثة الدموية. الحمد لله أن قيادات أمنية واعية حالية وسابقة نصحته النصيحة ذاتها خلال اجتماعه معها يوم الخميس الماضي، كما نشرت صحف القاهرة يوم أمس السبت، محذرة إياه من أن يصبح مطلوبًا للمحكمة الجنائية الدولية، وأن يشيل الليلة وحده، لأن القوى السياسية ستتخلى عنه حينها. الوزير غير نهجه تمامًا بعد انقلاب 3 يوليو، وقد كان فيما مضى يقابل بهجوم عنيف من القوى التي استدعت ذلك الانقلاب، بل اعتبرته وزير الداخلية الإخوان، وكثيرًا ما طالبت بإقالته. تحول منذ ذلك التاريخ إلى أبرز صقور استخدام القوة ضد مؤيدي الرئيس مرسي، ويقال إنه يستعجل تنفيذ خطة فض الاعتصام، فيما قيادات أمنية عاقلة تذكره بالفاتورة الباهظة التي سيدفعها الوطن، وهو سيكون شخصيًا كبش الفداء أمام العدالة. لو قرأ وزير الداخلية التاريخ ربما يراجع نفسه، فكل صقور استخدام القوة في القهر والقتل الجماعي، وحتى في تعذيب المعتقلين السياسيين، انتهوا إلى السجون ولم يحمهم الإعلام الذي كان يحرضهم، والسياسيون الذين كانوا يزينون لهم تلك العمليات بأنها دفاع عن الأمن القومي. كان سلوبودان ميلوسيفتش رئيس صربيا السابق، يعتبره الصرب بطلاً قوميًا لهم وزعيمًا يحمي هويتهم وأرضهم ضد مسلمي البوسنة. باركوا المذابح التي ارتكبها وأشهرها مذبحة سربرنيتسا التي قتل فيها 8 آلاف مدني دفنوا في مقابر جماعية. كلما ارتكب مذبحة هتفوا له وتغنوا باسمه، لكن كل ذلك انتهى تمامًا بعد أن أصبح مطلوبًا من المحكمة الدولية في لاهاي كمجرم حرب، وصار على صربيا التي أرادت أن تغسل نفسها من مذابح مروعة أن تتبرأ منه وتطارده للقبض عليه وتقديمه كبش فداء. مات هذا الرجل الدموي في زانزانته بالمحكمة الدولية بعد محاكمات طويلة، قيل إنه ترك وحيدًا خلالها للمرض، فالكل حتى الأطباء المعالجين كانوا يخجلون من التواصل معه بسبب سجله الدموي، وحتى بعد موته خجلت صربيا التي كانت تعتبره بطلاً قوميًا من استقباله فنقل جثمانه إلى موسكو. في إفريقيا التي جمدت أنشطة مصر في اتحادها، تعرض مسئولون عديدون لعقوبات مماثلة وقبضت عليهم دولهم، وقامت بتسليمهم للمحكمة الدولية، منهم رئيس وزراء رواندا الأسبق جون كابماندا المتهم بمذابح بروندي رواندا عام 1994، حيث سلمته رواندا بنفسها مع قائد الميليشيات عمر سيرشاغو والعمدة جون بول أكابسو و6500 من المنفذين لتلك الجريمة. كما تم ملاحقة واعتقال رئيس شيلي السابق الجنرال بيونشيه في مستشفى بلندن عام 1994، عندما كان يعالج من آلام في الظهر بموجب طلب اعتقال عالمي أصدره القاضي الإسباني بالتسار جارسون، وتضمن ملفه 94 حالة تعذيب ضد مواطنين إسبان. ويذكر أن هذا الجنرال الديكتاتور استولى على الحكم في شيلي بانقلاب عسكري في 11 سبتمبر 1973، وأعقب ذلك بعمليات قمع أدت إلى مقتل 3 آلاف شخص، مما جعله محل متابعة قضائية، خاصة أنه فرض على شيلي واحدًا من أشد الأنظمة العسكرية قمعًا واستبدادًا. كذلك لاحقت السنغال رئيسها السابق حسين حبري الذي حكمها بين عامي 1982 و1990 بتهم إصداره أوامر باغتيال آلاف من معارضيه السياسيين، لكنه استطاع الفرار إلى السنغال. لماذا نذهب بعيدًا ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي يقضي عقوبة السجن حاليًا ويحاكم بجرائم قتل المتظاهرين، وهم أقل بكثير جدًا مما قد تسفر عنه مذبحة فض الاعتصام؟! قراءة التاريخ ليست فقط للذكرى، بل لكي يعرف المسئول أين يضع قدميه دون أن تقوداه إلى منزلق سحيق. المسئول القوي هو ذلك الذي يتصرف بحكمة فيشهد له التاريخ ولا يشهد عليه. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.