كان قرارا موفقا ذلك الذي اتخذه الرئيس مبارك أمس بالأمر بفتح معبر رفح أمام المساعدات الإنسانية لأهل غزة وحركة المسافرين منها وإليها خاصة الحالات الطبية وما في حكمها ، وأن يترك هذا القرار بدون سقف زمني ، إلى أجل غير مسمى ، كان هذا أقل ما يمكن أن يقبله المصريون كرد على هذه الهمجية التي حدثت من قوات العدو أمس ضد الأبرياء العزل من المتضامنين مع أهلنا في غزة في عرض البحر ، ثم الدفاع الفاجر عنها ومحاولة احتقار العالم كله ، ولا يقلل من إيجابية هذا القرار وقيمته والابتهاج به انتقادنا للموقف الأصلي بغلق معبر رفح والذي جعلنا نبدو كمن يشارك في الحصار على أهلنا في غزة ، الموقف المصري الجديد أتى مدعوما بقوة معنوية هائلة في العالم كله ، لا يجرؤ مسؤول أمريكي أو أوربي أو غيره أن يعقب على القرار المصري أو أن يتحفظ عليه ، إن لم يكن هناك تضامن فعلي صامت معه ، وهذه من أهم ثمار المعركة الخاسرة التي تورط فيها العدو بسلوكه الطائش والمهووس ضد قافلة الحرية ، إن العالم كله الآن يقف في حرج بالغ أمام هذه المأساة الإنسانية التي تشهدها غزة ، والتي أفاق العالم على حقيقة جديدة وهي أنها ستولد كوارث متتالية وإحراجات لا يبدو لها آخر على النحو الذي حدث في قافلة الحرية ومن قبلها قوافل أخرى ، ويصبح العالم كل عدة أيام على موعد مع أزمة أخلاقية حادة ومحك إنساني وسيل دماء بريئة يعرض المجتمع الدولي لخطر حقيقي ، فما الحل ؟ ، إذا كانت الدول الكبرى عاجزة عن أن تجبر الكيان الغاصب في فلسطينالمحتلة على فك الحصار عن الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة طوال سنوات وتحاول تجاهل المحنة أو التخفيف من عواقبها ، فهل سيتحمل العالم أن يصبح عاجزا حتى عن حماية أبنائه من مختلف الجنسيات الذين سيتعرضون حتما لمخاطر القتل بآلة الإرهاب الإسرائيلية كل عدة أسابيع ، المؤكد أن العالم لن يمكنه أن يتحمل ذلك ، ومن هنا كانت قيمة القرار المصري الذي يأتي كمخرج ، ليس لمصر وحدها وإنما للمجتمع الإنساني كله ، وهذه هي البداية الحقيقية لخسارة إسرائيل معركتها مع أهل غزة والمقاومة الفلسطينية فيها ، لا يمكن لسياسي عاقل أن يأمر بمثل هذه العملية الهمجية التي جرت في عرض البحر ضد سفن تحمل مئات المدنيين من مختلف أنحاء العالم ، ومن كل الجنسيات ، إسرائيل الآن ليست في مواجهة مع الفلسطينيين ، ولا في مواجهة مع العرب ، هي في مواجهة حقيقية مع العالم كله ، إن ضحايا العدوان لم يكونوا عربا أو مسلمين فقط ، بل هم من كل الجنسيات ، وحتى من لم يسقط منهم شهيدا أو جريحا ، فإنه سيخرج من هذا المشهد وهذه التجربة وهو أكثر كراهية للغطرسة الصهيونية وأكثر إدراكا بأنه أمام "نازية" جديدة حقيقية ، عيانا رآها ، وأكثر انحيازا ودعما وإيمانا بقضية أهلنا في فلسطين ، القافلة الإنسانية الرائعة كانت تحمل الأمريكي والبريطاني والفرنسي والدينماركي واليوناني والتركي والألماني والهولندي والمصري والكويتي والفلسطيني واللبناني وجنسيات أخرى عديدة ، وهو مزيج نبيل لا يجمعه سوى روح التضامن مع أبرياء محاصرين ، مع أطفال ونساء وشيوخ وعجائز يفرض عليهم الصهاينة الموت جوعا أو عطشا أو مرضا بدون دواء ، هؤلاء كانوا يمثلون ضمير العالم الحقيقي ، وبقية معاني الإنسانية فيه ، وإسرائيل لا تستطيع أن تتهم هؤلاء النبلاء بأنهم إرهابيون أو معتدون أو تلفق الأكاذيب عن حمل السلاح وهي النكتة السخيفة التي بدأوا يتراجعون عنها لما استخف بها العالم ، إسرائيل في ورطة سياسية وأخلاقية غير مسبوقة الآن ، لا يمكن التقليل من شأنها ، كما لا يجوز أن نتغافل عنها في أجواء الإحباط لنتفرغ لنقد حكام العرب ، الذين أشبعناهم نقدا من قبل بلا نتيجة ، فقد أدمنوا هذا "التوبيخ" فيما يبدو ، أتصور أن هذا خطأ وخذلان بدون وعي لأهلنا في فلسطين ، دعونا نركز على فضيحة العدو وعلى أزمته وعلى جريمته وأبعادها ونتائجها ، وعلى بشائر الانتصار لصمود الشعب الفلسطيني ، مدعوما بانتفاضة ضمير ملايين البشر عبر العالم ، من كل الجنسيات والأديان والطوائف والأعراق ، إسرائيل على أبواب هزيمة سياسية تاريخية الآن ، هم يدركون ذلك ، فهل ندرك نحن ؟! [email protected]