أكد الصحفي الأمريكي كاي بيرد الذي أمضى سنوات طويلة من حياته في منطقة الشرق الأوسط، عاش فترة منها في مصر، أنه ينبغي على الإدارة الأمريكية الاهتمام بالخطوة الأخيرة التي اتخذتها الحكومة المصرية بتمديد العمل بقانون الطوارئ لعامين قادمين، بدءًا من مطلع يونيو القادم وحتى 31 مايو 2012. ويعتقد بيرد في تقرير نشره موقع "CNN" بالعربية، أنه ينبغي على واشنطن أن تهتم لهذا الأمر، لأن نظام مبارك "قائم في جزء منه نتيجة لضرائب الأمريكيين التي تحمي هذه الدكتاتورية وتدعمها بعدة مليارات من الدولارات سنويًا"، في إشارة إلى المعونة الأمريكية التي تحصل عليها مصر. ويضيف: "رغم أن الرئيس باراك أوباما والرؤساء الأمريكيين السابقين كثيرًا ما صرحوا علنًا بالحاجة إلى نشر الديمقراطية والعمل بها، فإن الانتخابات في مصر كانت أبعد ما تكون عن الديمقراطية، ولكن، لماذا لم يتغيّر أي شيء؟". بيرد الذي عاش طفولته كلها تقريبًا في منطقة الشرق الأوسط، يقول إنه قلق بشأن هذه المسألة في المنطقة كما لو كانت تهم وطنه رغم أنها كذلك، ويرى أن الحداثة، إن لم تتعرض لهزيمة قاسية، فإنها ركنت على رف قصي في معظم أنحاء العالم العربي. وفي العام 2010، يقول إن "الفرعون البالغ من العمر 82 عامًا، يحكم مصر، في إشارة إلى الرئيس حسني مبارك الذي يحكم مصر منذ عام 1981، ويعتقد أن مصر في ستينيات القرن العشرين، كانت أكثر ديمقراطية وعلمانية مما هي عليه اليوم. يقول بيرد إن والده كان موظفًا في وزارة الخارجية الأمريكية، وكان يعمل في القاهرة في الفترة بين عامي 1965 و1967، وفي تلك الفترة كان الضابط جمال عبد الناصر، يحكم مصر. ورغم اعتباره ديكتاتورًا من قبل بعض الناس والأنظمة، إلا أنه يقول إن عبد الناصر كان قد انتخب رئيسًا عام 1956، وكان سياسيًا يحظى بالشعبية في جميع أنحاء مصر، بينما يعتبر أن أنور السادات، لم يكن أبدًا يحظى بشعبية عبد الناصر، فتوجه للإسلاميين في أعقاب وفاة الأخير، باعتبار أنهم لا يشكلون خطرًا، فانتهي به الأمر مقتولاً بأيديهم. وخلص قائلاً: ".. فلا السادات ولا مبارك كان يمكن أن يصلا إلى الحكم لو أجريت انتخابات ديمقراطية حقًا"، ملمحًا بذلك إلى عدم تمتعهما بالشعبية في أوساط المصريين، على عكس الرئيس عبد الناصر. يقول: مع أن عبد الناصر أصبح أوتوقراطيًا، إلا أنه على الأقل قدم للعرب رؤية علمانية.. وحتى اليوم، مازال رمزًا لحقبة مفقودة عندما كان الأمل يحدو العرب، من كافة الطبقات والقبائل، للوصول إلى دولة عربية حديثة وعلمانية وتقدمية. ويصف عبد الناصر بأنه كان خطيبًا مفوهًا ويتمتع بالذكاء، وعرف زملاؤه عنه أنه غير قابل للفساد، فلم تكن لديه هفوات شخصية باستثناء أنه كان يدخن ثلاث علب سجائر يوميًا وكان يعشق الأفلام الأمريكية. يقول عنه صديقه الصحفي، محمد حسنين هيكل إنه كان يحب مشاهدة حكاية فرانك كابرا حول عيد الميلاد "إنها حياة رائعة"، وكان مارك توين الكاتب الأمريكي المفضل بالنسبة له، حيث كان يقضى ساعة أو ساعتين كل مساء في قراءة المجلات الأمريكية والفرنسية والعربية. يؤكد التقرير إن معظم الشباب العربي في عقد الستينيات من القرن العشرين كان يتوق إلى الحداثة العلمانية.. فهم أرادوا أن يصبحوا مهندسين أو أطباء أو محامين، وكانوا ينشدون الثقافة الأمريكية مثل جمال عبد الناصر. يقول الصحفي الأمريكي بيرد إنه عاش في المعادي، أحد أحياء القاهرة الراقية، وتبين له لاحقًا أن الشاب أيمن الظواهري، الذي أصبح طبيبًا والرجل الثاني في تنظيم "القاعدة"، كان يعيش في الحي نفسه والتحق بالمدرسة الثانوية، وأنهما بنفس العمر تقريبًا، وأنه كان يشاهد أفلام هوليوود على شاشة في الهواء الطلق في نادي المعادي الرياضي. ويعتقد أن الظواهري كان يتطلع للعمل في مجال الصحة العامة، وهي ذات طموحات معظم الشبان العرب في عصر عبد الناصر، ورغم أنه كان مسلماً عاديًا، فإن الظواهري لم يبد أي تطرف حتى بعد إعدام زعيم جماعة الإخوان المسلمين، سيد قطب، في العام 1966، لكن بعد حرب يونيو 1967 يؤكد بيرد أن الظواهري وشبان آخرين بدؤوا طريقهم إلى "الجهاد الإرهابي". ويربط التقرير بين تنامي الظاهرة الإسلامية ونكسة يونيو 1967، وينقل في هذا الإطار عن صادق العظم، الفيلسوف السوري الذي تلقى تعليمه في جامعة ييل، وصفه هزيمة عبد الناصر في حرب يونيو باعتباره "صاعقة" و"صدمة " للروح العربية. فإذلال عبد الناصر عكس هزيمة لفكرة العلمانية في مسار الحداثة العربية، المتمثلة برؤية عبد الناصر حول إمكانية توحيد الشعوب الناطقة بالعربية تحت راية القومية العربية التقدمية، وبالتالي فقدت مصداقيتها بعد الهزيمة. وبمرور الوقت، بدأ الإسلام السياسي يملأ الفراغ السياسي القائم.. فقد كتب الظواهري نفسه في مذكراته عام 2001 أن "النكسة.. أثرت في إيقاظ الحركة الجهادية". ويعتقد صادق العظم أن الجهاديين خسروا بالفعل، فهو يقول: "قد تكون هناك معارك في العقود المقبلة، وسيسقط فيها العديد من الضحايا الأبرياء، ولكن من غير المرجح أن يزيد عدد من أنصار الحركة المتشددة، بل ومن المحتمل ينخفض تأييدها ودعمها في العالم العربي والإسلامي.. وتشكل هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 مؤشراً على أنها تعيش في الرمق الأخير، بدلاً من كونها بداية للتحديات العالمية." لكن إذا كان العظم محقًا، فيجب على الجيل الجديد من الشبان العرب أن يجدوا الأمل في حياتهم في مكان آخر، وطالما أن "الملوك والفراعنة المهترئين على عروشهم يخنقون حقوق هذه الشعوب ويمنعونهم من الحصول على انتخابات ديمقراطية ويحرمونهم من حرية التعبير،" فإن "الجهاد" سيظل يوفر البديل اليائس، كما يخلص التقرير.