قبل عدة أشهر كتبنا في هذا المكان عن سفيرنا في أحدي الدول الخليجية الذي شارك في بطولة محلية للتنس أقيمت هناك، وتفرغ لمباريتها علي حساب واجبات ومهام وبرتوكول عمله الدبلوماسي،وأصطحب معه طاقم السفارة بأكمله لمشاهدته وتشجيعه أثناء دورة التنس التي فاز ببطولتها..! وكنا نعتقد أن وزارة الخارجية سوف تعلق علي هذه القضية أو تهتم بما ذكرناه عن إغلاق نفس السفير لنادي الجالية المصرية بهذه الدولة وترفعه عن مقابلة المصريين المتواجدين بها،ولكن شيئا من ذلك لم يحدث،واستمر السفير في حياته العادية واستمرت معاناة المصريين العاملين هناك عادية أيضا..! وهذا النموذج الذي ذكرناه يقدم صورة واضحة لنوعية السفراء الذين تختارهم وزارة الخارجية للعمل وتمثيل مصر في الدول الأفريقية والعربية،وهي الدول ذات الأهمية الإستراتيجية الفعلية لمصر،وحيث لا تركز الخارجية في اختياراتها إلا مع السفراء الذين يتوجهون لأوربا وأمريكا وكأن هذه الدول هي التي ستحقق وتتطلب التمثيل المشرف فقط..! وماذا كانت النتيجة لهذه السياسات والاختيارات ؟ والجواب هو ما نلمسه اليوم من ضعف التواجد والتأثير المصري في هذه الدول وتراجع الدور المصري بشكل عام،وظهور قوي إقليمية جديدة تقوم بدور مصر وتضعف من مصالحنا ومن قيمتنا أيضا..! ولقد كان الإخفاق المصري في أفريقيا مثالا آخر علي ضعف الأداء الدبلوماسي هناك،وعلي قصور في الإدراك والتوقعات والتعامل مع الدول الأفريقية كما قال ميليس زيناوي رئيس وزراء إثيوبيا بأفكار قديمة وبالية وبتصورات تقوم علي أساس أن دول منابع النيل غير مستقرة وفقيرة وغير قادرة علي استخدام مياه النيل..! ولقد ساهم في هذه الإخفاق وفي تراجع الدور المصري عربيا وأفريقيا أن الإعلام المصري أيضا قد تجاهل هذه الدول ولم يمنحها حقها في انتقالها لمن مجتمعات بدائية إلي مجتمعات حديثة وظل يتعامل معها بفوقية واستعلاء وكأنه يصدر إليها الأوامر والتوجيهات،ولم يلتف كثيرا إلي كل الأصوات التي تحدثت عن وجود متغيرات فكرية وثقافية وتنموية هائلة في هذه الدول جعلتها أقرب إلي العولمة وروح العصر مما نحن عليه..! ولأن إعلامنا استمر قابعا في محليته،وغارقا في مشاكل الداخل وقضاياه،ومكتفيا بالتحدث عن أمجاد الماضي وفضل مصر علي هذه الدول فإن المثقفين في مصر ظلوا أيضا علي أفكارهم ومفاهيمهم القديمة في النظر لكيفية التعامل مع هذه الدول وفي تقدير حجمها وثقلها وتأثيرا..! وقبل سنوات قليلة وفي عاصمة خليجية اقتصادية هامة فإن أحد المسئولين عن الجامعات المفتوحة في بلادنا ذهب للترويج لفكرة إقامة فرع لهذه الجامعة بالدولة الخليجية المذكورة،وأقيم له احتفال في أحد الفنادق الكبرى ليتحدث فيه عن فكرة وأهداف الجامعة وما ستضيفه إلي المسيرة التعليمية بتلك الدولة..! وتحدث المسئول الجامعي،وبدا متلعثما ،عارضا لأفكار تعليمية وتنظيمية من الماضي،ومتفاخرا بها،ومتحمسا لها وكأنه يقدم جديدا وإعجازا غير مدركا أن معظم الموجودين في القاعة الذين يرتدون الزى الوطني هم من خريجي كبري جامعات العالم من هارفارد وبيل وجورج تاون وأكسفورد..،وأنهم يديرون أكبر البنوك والمؤسسات المحلية وأنهم ينتمون إلي عصر جديد من التعليم والمعرفة وأنهم كانوا في قراره أنفسهم يستهزئون بكل ما يقوله..! وحاول هذا المسئول بعد هذا العرض الذي قدمه أن يجد استجابة فهم لمشروع إنشاء فرع للجامعة المصرية بهذا البلد فلم يجد من يبدي تجاوبا أو حماسا..ولم ير المشروع النور بعد..! والواقعة تروي وتحكي قصة إغراقنا في المحلية،وإهمالنا أن نتعرف وندرس ونتفهم واقع وظروف الآخرين حتى يمكن أن نتعامل معهم وأن يكون لنا دور مؤثر في قضاياهم ومشاكلهم،لأن القضية لا تتعلق بالبحث عن الريادة وإنما بالبحث عن المصلحة الوطنية،والمصلحة الوطنية لا تأتي بالتقوقع والانعزال وعدم التأثير..،فسياسة التراجع والانكفاء علي الداخل،وغياب الرؤية والتخطيط والمسئولية لم نجن من ورائها إلا التقهقر للخلف والتعامل معنا بلا مبالاة..ومزيد من الجرائم ضد المصريين بالخارج..فالمصريون في الخارج يشعرون بأنهم بلا حماية وأن أحدا لا يهتم كثيرا بهم..فالسفير في ملعب التنس يحمل كأس البطولة..وهذا من الأهم..!