لم يكن عزل مرسي هو الزلزال الذي قسم المصريين إلى فريقين، بل كان انتخابه في الحقيقة هو الزلزال الذي هزّ أركان الدولة العميقة في القضاء والشرطة والجيش والإعلام وإدارات الدولة الكثيرة.. وهي المستقرة منذ عقود على مكتسبات خاصة مادية واجتماعية ليس من السهل التفريط في بعضها، لم يكن من السهل على كل هؤلاء تقبل رئيس من جماعة طالما توجسوا منها خيفة بل شراً، وطالما تتابعت بعض مكونات تلك الدولة الراسخة على محاكمة أعضائها وسجنهم ومصادرة بعض أموالهم، ثم تقفز الجماعة فجأة إلى سدة الحكم وتوضع في أيديها إلى حين – في الظاهر على الأقل – مقاليد الدولة المصرية. لم يكن أمام تلك المكونات وتوابعها في الفن والثقافة وغيرها من خيار غير الاستعداد للإجهاز على المشهد كله، وبدأ الاستعداد لذلك مبكراً، وزادت أخطاء الرئيس قليل الخبرة وجماعته وما أبدوه من عناد وتقوقع داخل صندوق ثبت أنه أضيق من سمّ الخياط.. زاد كل ذلك من إصرار أركان الدولة العميقة على تنفيذ خطتها. كنا نستشعر ذلك منذ الأشهر الأولى للرئيس، كتبت على صفحتى (على فيس بوك) في 12-8-2012 ما نصه (سيدي الرئيس، إننا نفرح بصلاتك التراويح في مساجد التجمع الخامس، وسنكون أشد فرحاً إذا صليتها في القصر الجمهوري لتكون على مقربة من الدولة وأخبارها ومهامها، بل أقترح عليك أن يكون لك على الأقل أربعة نواب أولهم للشئون الأمنية (الخارجية والداخلية)، وثانيهم للاقتصادية وثالثهم للخدمية ورابعهم للخارجية، على أن يتواجد واحد منهم باستمرار وبالتناوب في القصر الجمهوري في حال عدم تواجدك أو وقت راحتك للمتابعة الفورية للأحداث وحل المشكلات.. لا يجب أن ينام القصر الجمهوري بعد اليوم إذا أردنا النجاح!! سيدي الرئيس، إنك في صراع مع الوقت! كثيرون يراهنون بل يعملون ليحدث ما لا نود ذكره! فبالله عليك، إن مشروعنا الحضاري الذي حلمنا به وجاهدنا قدر وسعنا من أجله هو اليوم على محك الخطر، يكاد يختنق بآليات الدولة العميقة، فحتامَ تترك لها العبث بنا؟ ألم تأتك أنباء تقاعس الشرطة عن نجدة المستغيث بل اختفاؤها عمداً من الشوارع وتركها لكل ألون البلطجة؟ ألم يخبرك مخبروك بأن بعضهم يرد على الاستغاثة بأنهم في إجازة 100 يوم أو حتى أربع سنوات؟ سيدي الرئيس، إذا كنت حقاً تسلمت السلطة كما أذاع المجلس العسكري فاليومَ اليومَ قبل الغد.. فهل تسرع قبل أن يسرعوا إليك؟!) هكذا كنا نحسّ ونشاهد ونبلّغ كوادر الإخوان بذلك كل يوم.. لكن أصوات الناصحين ذهبت هباء منثوراً! وجاءت توابع الزلزال في 3/7 لترسم نهاية لتراجيديا سوداء عاشها المصريون خلال عام شارك الجميع في صناعتها، وكان ينبغي أن يتحمل الجميع كذلك النتيجة.. لكنها ألقيت على ظهر فريق دون فريق! وكان الشارع وفقراؤه الخاسر الأكبر من ذلك الصراع الذي لا يؤثر عادة في الكبار. وصلنا إلى رمضان شهر الرحمة والقرآن إذن، ونحن شعبان لا شعب واحد، كالذي كان في 25 يناير، ولكن العدل والإنصاف يغيبان عن المشهد بقسوة بالغة، وأنا أربأ بجيش مصر الكريم وقياداته الوطنية أن تعمّق جراح المشهد، فما عهدنا منهم ذلك! نحن أمام شعب كُممت أفواهه وأغلقت وسائل إعلامه.. وشعب لم توقف له وسيلة إعلامية واحدة، ووسائل إعلامه تنهش لحم الآخر وتلصق به كل النقائص وتتشفى فيه كما لو كان عدواً وليس أخاً مكسور الخاطر والجناح! وثمة شعب يُهدى إلى متظاهريه الماء البارد والعصائر وأشياء أخرى وتحرسه القوات.. وشعب آخر يُحاصر متظاهروه ويضربون بل يقتلون.. ويعلوه أزيز طائرات مزمجرة – شارك من قوته في ثمن شرائها – تلقى إليه من علٍ بيانات التهديد والوعيد! هكذا تستطيع أن تعدد معالم كثيرة لا تخطئها العين ولا تستطيع الدعاية الكاذبة أن تخفيها لشعبين يعاملان معاملة مختلفة، فنحن في عصر الصورة والأحداث تنقل على الهواء مباشرة، ولا مجال لتكرار أحداث 54 كما ينصح الشامتون! شعبان كانا يوماً شعباً واحداً، إنه جرح لن يلتئم عما قريب، لكن بشيء من العقل والحكمة والخوف من عقاب الله عاجله وآجله يمكن أن نطهر الجرح ونعالجه حتى يأذن الله له بالشفاء. ليس من سبيل أمامنا إلا الحوار والمصالحة، فالفريقان المختصمان لا يستطيع – ولا يريد – أحدهما أن يقضي على الآخر، لكن طول الصراع يؤدي إلى هلاك لا يريده المخلصون. د.السيد خضر أستاذ اللغويات – جامعة المنصورة