تكلمت في مقالات سابقة عن طريقة المفكر السياسي الزميل الدكتور عبد المنعم سعيد في التنظير ل"إصلاحات" جمال مبارك الاقتصادية.. وسعيد يعتمد على الأرقام والإحصائيات وشهادات الجهات الأجنبية التي تقيس حركة الاقتصاد المصري..فهو كثيرا ما يستعرض الفاتورة الإجمالية للمكالمات الهاتفية أو عدد السيارات الجديدة التي اشتراها المصريون.. ويعتقد الرجل أن المصريين أسعد حالا منذ استظلوا بمظلة نجل الرئيس الإصلاحية.. وأن الشكوى ليست كما تقول المعارضة من الفقر والبطالة والمرض وإنما محض سخط عام بسبب حصة المصريين من "التورطة".. بمعنى أن البلد باتت فيها فرص كبيرة وغير مسبوقة للإثراء .. وأن "الحناقة" التي نراها بينهم وبين الحكومة ترجع إلى عدم الرضى لنصيب كل منهم من "الكعكة" والتي لا يخضع فيها نظام المحاصصة ل"المحسوبية" وإنما "للشطارة" و"الفهلوة"! كلام السعيد يعتبر من نمط "النخبوي" الذي لا يفهمه العامة.. فالناس لا تعرف إلا الأسعار المكتوبة على السلع، والتي تتغير بمعدل مرة أو مرتين صعودا لا هبوطا في اليوم الواحد! حيث تتآكل مدخراتهم قبل منتصف الشهر على فواتير الطعام والعلاج والدروس الخصوصية والمواصلات والكهرباء والمياه وليس على السيارات التي يستخدمها السعيد في التأكيد على "سعادة" الشعب المصري وغناه وأنه "محدث" نعمة ولا يعاني إلا من "البطر" وانكار ما يرفل فيه من "نعيم" الوطني وأمانة السياسات! حتى "كرة القدم" و تطوير استاد القاهرة وحصولنا على "كأس أفريقيا" جعل منها ارهاصات جادة وحقيقية على مفارقة مصر عصور "الظلمات" إلى أفاق التنوير والتطور! ومهما اختلفنا مع د. عبد المنعم سعيد، فإنه يتكلم من خلال تحليل سياسي راق ورصين.. ربما يكون في كلامه نوع من "المراوغة" التي يجيد استعراضها بأناقة أو "تلبيس" الحق بالباطل.. غير أنه في النهاية يحاول الاحتفاظ ب"وقاره العلمي" حتى لو كان خلفه كما كبيرا من الهزل لا الجد.. ولا يمكن بحال أن يقارن ما يكتبه سعيد وبين ما يلفظ به أحمد عز من لغة باتت موضوعا للتندر واطلاق النكات على المصريين بكل اللهجات العربية. أحمد عز منذ أيام أعلن أن "تكاثر كميات الزبالة في مصر دليل على ان الحالة الاقتصادية للناس تتحسن، وبالتالي دليل على صحة السياسات الحكومية في هذا المجال"!. بعض المحللين يربطون فعلا بين "الزبالة" و"السياسة" وربما بعضهم ربط ذلك بالحالة المصرية على وجه الخصوص سيما "مجلس الشعب" الذي شهد تراشقا بالألفاظ بين النواب أكدت فرادة النموذج المصري في التدليل على صحة النظرية التي تربط بين السياسية والزبالة، ناهيك عن النماذج التي فرختها حضانات السياسات الرسمية من رحم برلمانها المؤمم بالتزوير: مثل نواب النقوط والمخدرات والقروض والقمار ونواب سميحة وما شابه. ويبدو لي اننا ربما سنضطر إلى الاستعانة بتحليلات الدكتور عبد المنعم سعيد لسبر غور الظاهرة "المصرية" في سياق ما تعلمناه بأن مصر فعلا ولادة.. وأن رحمها لا يزال خصبا جوادا يدفع إلينا كل يوم بنماذج هي فعلا عنوان المرحلة والتي كانت آخرها التباهي ب"الزبالة" وتكدسها في الشوارع باعتبارها انجازا وطنيا كبيرا ودلالة على "سعادة " المصريين !.. وحسبنا الله تعالى ونعم الوكيل. [email protected]