كنت أدرك أن الأمر سيصل بإخوننا الأتراك يوماً لهذه النقطة الحرجة ويقعون فريسة للديون الشخصية فى ظل الإندفاع الجنونى نحو حمل بطاقات الإئتمان(الديون) البنكية للدفع والسداد المؤجل بفوائد.لقد كنت أقف فى حيرة شديدة عند قيامى وعائلتى بعمليات تسوق (نقدا ) بالمراكز والأسواق الحديثة بإستانبول مثل كارفور وميجروس وآق مركز وجالاريا وغيرهم وذلك برؤيتى لعربات الناس وهى تحمل كميات كبيرة من المواد الغذائية والكماليات والمستهلكات وبعد تعطيل صف الدفع النقدى للخزائن لدقائق طويلة لأجل حساب كل هذه البضائع على حساب الذين اشتروا إحتياجات محددة وواضحة غير مطلقة العنان ، يقدم المديون بطاقة للمحصل ثم التوقيع على قصيصة ويمر دون سداد شىء لأن الدفع فيما بعد.. شىء جميل وسهل ! وكانت زوجتى وأبنائى يسألوننى كثيرا لماذا لا تحصل على بطاقة وأنت لك حساب بنكى منذ سنين طويلة ؟ فيكون ردى البسيط تذكيرهم بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم " رحم الله رجلا عرف قدره " وكذا عدم وجود ضرورة لكل هذه المشتريات طالما ليس لدى قيمتها فى جيبى ، يعنى بتعبير مصرى عامى" اللى معهوش ما يملكوش ومايلزموش".أقول هذا بمناسبة الأخبار التى أوردتها الصحف التركية طوال الشهور الماضية وحتى هذه اللحظة عن حجم الديون وأعداد الأفراد الذين وقعوا تحت الديون ذات الفوائد البنكية وإحتمالات وقوع مشكلة إجتماعية – إقتصادية كبيرة من وراء الإندفاع بالشراء بنظام بطاقات الدفع المؤجل.لقد أشفقت على حال إخوانى الأتراك من الوقوع فى براثن أعمال وأفعال الشياطين أى أصحاب الشركات الرأسمالية والمتعددة الجنسيات التى تبرم إتفاقيات مع البنوك لكى توزع بكل سهولة تلك البطاقات على الناس لكى يصل أعداد البطاقات بتركيا إلى 24 مليون بطاقة وتحقق الشركات والبنوك أرباحا ضخمة على حساب الفقراء.إن البعض بتركيا يحمل ليس بطاقة واحدة بل أكثر وينطلق الناس مثل الطيور نحو مراكز التسوق لحمل كل ما هو لازم وغير لازم والحساب يجمع ثم تأتى الطامة بعدم القدرة على السداد لأن الفوائد تضاعف الحساب. ومع هذا لا يمكن التقليل بأى حال من دور هذه البطاقات لدى البعض وخاصة رجال الأعمال الذين يسافرون للخارج كثيراً لأجل إنجاز أعمال شركاتهم ومصانعهم وتجاراتهم دون ضرورة حمل نقود فى الجيب تتعرض للضياع.لكن أليس حري بسواد وعوام الناس وأصحاب الدخل المحدود أن يراجعوا أنفسهم ويفكروا لماذا تعطى لهم البطاقات بسهولة؟ هذا الإسراف وضع الأفراد فى ربقة الديون المحلية وهى بالتأكيد ذات بعد دولى فأصبح الحال ديون رسمية حكومية وديون شخصية داخلية.شىء مؤسف أن يصل عدد الذين وضعوا فى القائمة السوداء بالبنوك عبر هذا النظام إلى 830 ألف مواطن أى تصاعد الرقم 8 أضعاف عن عام 2001 وقال تقرير للبنك المركزى التركى صدر مؤخرا أن الديون وصلت مليار دولار منها 150 مليون دولار فقط فى الشهور الثلاثة الأولى لهذا العام وهناك حوالى 110 ألف مديون لم يتمكنوا من أى سداد والباقى متعثر ومتأخر والفوائد مستمرة.كما حذرت جمعية حماية المستهلك التركية من إستمرار التوجه نحو الهاوية مع عدم مراعاة البنوك مواد القانون الذى صدر مؤخرا من حكومة العدالة بوضع شروط مقيّدة قد تعالج هذه الأزمة بتخفيف السداد للفوائد بالتقسيط على المديونين .وقالت رئيسة الجمعية أن القانون لم يحل المشكلة لأن الفوائد البنكية موجودة وعالية تعضل المديون عن السداد. إن هذه الوضع غير المحبب يصيب المرء بالأسى لشعب يمثل قطعة غالية من الأمة الإسلامية التى وضع لها رب العالمين القرآن والحديث الشريف لكى تسير عليهما دون الوقوع فى الضلال. أتذكر هنا وأنا أتعرض بالحديث عن هذه المشكلة القائمة بالمجتمع التركى والتى أرجو أن يؤخذ منها العبرة والدرس خاصة وأننى شعرت بوجود توجه بمصر أيضاً لدفع الناس نحو هذه الهاوية.أتذكر مع هذه المأساة الإلكترونية أن الله تعالى يقول بقرآنه " إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا : آية 17/ الإسراء" إن هذه البطاقات فى أيدى الفقراء وأصحاب الدخل المحدود تبذير وإندفاع خطير رائحة التآمر الغربى تفوح منه لإغراق المسلمين فى الديون على مستوى الأفراد بعد إغراقهم بالديون على مستوى الحكومات ومنها تركيا التى تحتل المرتبة الثانية ديوناً بعد الصين الشعبية.من ثم يلزم علينا جميعا فى كل بقاع الأمة الإسلامية الحيّطة أمام هذا الفخ الغربى المعسول بالسّم وأن نشترى فقط ما هو قيمتة بالجيوب ونرحم أنفسنا بالتحكم فى الشهوات من التبذير ونتجه نحو إدخار المال – هو محدود لدينا أصلاً - للتنمية الشاملة لكى نعيد بناء أوطاننا وعدم نسيان أن الغربى يشترى بالقطعة والحبة والجرام لبيتة وليس بالجُملة ولعلنا نتذكر بمناسبة الحديث عن أزمة بطاقات الديون الإئتمانية بتركيا أن الديون الخارجية كانت من بين أسباب إنهيار الدولة العثمانية وتلويح الصهيونى تيودر هرتزل للسلطان عبد الحميد الثانى بسداد ديون دولتة مقبل بيع فلسطين ثم جاء تجميد الخلافة الإسلامية منذ 82 سنة وللآن.أسأل الله تعالى أن يحفظ تركيا وكل الجغرافيا الإسلامية وينور طريقنا بالقرآن الكريم ومبادىء وقواعد الإسلام لكى لا نتعثر ونقع فى شباك شياطين الإنس بطريقة إلكترونية !. كاتب وصحفي مصري مقيم بتركيا