التطور الذي طرأ على نشرة أخبار الفضائية المصرية يعطي إحساسا بأن قائدا محترفا فاهما يكمن وراءه. لا يمكنني شخصيا أن اتجاهل هذا الاحساس لا سيما أنني لا أكتم فرحتي أبدا برؤية ضوء أو إبهار، ولست من هؤلاء الذين يلعنون الظلام في كل وقت، ويرفعون عقيرتهم بالبكاء، فإذا ضحكوا أو ابتسموا رددوا "اللهم أجعله خيرا". الزميل عبداللطيف المناوي حقق وما زال يحقق الكثير لقطاع الأخبار في التلفزيون الرسمي، وما أدراك ما التلفزيون الرسمي، الذي عودنا دائما على أن يكون الخبر الأول عن استقبالات الرئيس والثاني عن رسائله والثالث عن السيدة الأولى والرابع عن جولات السيد جمال مبارك في قرى الفقر! هذا الهرم الخبري الذي لا يثير إهتمام المتابعين يتشابه تماما مع الصحف اليومية "القومية" التي ما زال رؤساء تحريرها يصرون على إدارتها كتابعة للحزب الوطني أو الحكومة، حتى هبط توزيعها إلى أدنى المستويات طوال تاريخ الصحافة المصرية. المناوي يقدم شكلا مختلفا للأخبار وهذا يتوافق مع ثقافته التي لم يتلقها في مدارس الاعلام المصري، وإنما في صحف دولية لها اسمها وبريقها تصدر من لندن، وتجربته الصحفية التي صقلتها إقامته سنوات طويلة في عاصمة الضباب باعلامها الحر المتقدم في المحتوى، المسنود بالتقنيات العالية. لابد أن المناوي عندما تولى قطاع الأخبار في التلفزيون المصري أدرك أن أمامه مشوارا طويلا لكي ينجح في عصرنة هذه المدرسة الرتيبة ثقيلة الدم التي ما أن يطل المذيع عليك ليقرأ أخبارها حتى تتصور من تكشيرة وجهه وتقدمه في العمر، أنه كان في يوم من الأيام يحمل رسالة إلى الوالي – كما في أحد أفلام عادل إمام – لكن الزمن تاه منه، حتى وصل أخيرا في عصر غير عصره! مشوار الألف أو حتى المليون ميل يبدأ بخطوة وقد بدأها المناوي بادخال الكثير من الامكانيات التقنية والفنية ليواكب المحطات الفضائية الإخبارية المعروفة، وأدخل أيضا الوجوه الشبابية الملمة بالتكنولوجيا الرقمية والانترنت، سواء في طواقم التحرير أو المذيعين الذين نحس من متابعتهم أن الدنيا جميلة وأنه يمكنك أن تضحك وتبتسم وتتفاءل ولا تلعن الدنيا. في أخبار التلفزيون المصري الآن تجد المذيعة أو المذيع يحاور على الهواء واقفا غير مكتف ببدلته وربطة عنقه، مسئولا يتحدث من السودان أو بغداد أو قيرغيزيا وهو ما لم يكن يحدث من قبل. وترى المراسل يطل من مكان إنفجار في النجف أو دارفور أو جبال اليمن ثم ينهي تقريره بفلان الفلاني، التلفزيون المصري، واسم المكان الذي يتحدث منه. ولولا الحدود الحمراء والروتينية التي تقيد الجهات الإعلامية الحكومية أو الرسمية لرأينا قطاع الأخبار في التلفزيون المصري ينافس الآن قنوات العربية والجزيرة والبي بي سي. التفوق في المحتوى والتقنية الذي يسجله عبداللطيف المناوي ينسجم مع طاقاته الاعلامية والإبداعية وإختياره لموضوعاته في البرامج التي يقدمها، فهو وحده دون غيره في وسائل الإعلام المصرية الذي انتبه إلى أن هناك عنصرا فعالا غائبا اسمه ارتيريا يمكنه أن يؤثر في أزمة مياه النيل إيجابيا لصالح مصر، وهو وحده الذي التقط الرئيس أسياس أفورقي ليحاوره بأسئلة ذكية وحيوية. قبل المناوي وهو صحفي ورقي أصيل امتهن العمل التلفزيوني كانت السيدة زوجته رولا خرسا تتميز عن سائر مذيعي ومذيعات التلفزيون المصري بلغة بيضاء رصينة وموضوعات منتقاة وثقافة عالية متشعبة في القضايا المختلفة. ولا أدري لماذا خسرها التلفزيون المصري لصالح قناة "الحياة" وإن كنت أظن أن المناوي فضل ذلك في نفسه، فنحن في بلاد لا يسير فيه المتعثرون على طريق الناجحين مستلهمين خطواتهم وإنما يتساءلون بحسرة العاجز الحاسد: "لماذا هم ولسنا نحن"..! [email protected]