- حالة الإستضعاف التي يمر بها المسلمون في مصر حالياً في مقابلة إستقواء الأقلية هي حالة لم تحدث في التاريخ المصري منذ الفتح الإسلامي إلا في عهدين، العهد الفاطمي الرافضي حيث قرب اليهود والنصارى من أروقة الحكم وجعل لهم الوزارة والجباية نكاية في الأغلبية السنية في البلاد، والمرة الثانية كانت في أثناء الحملة الفرنسية على مصر حين إتخذ نابليون من بعض النصارى جنوداً وأعواناً نكاية في الأغلبية من المسلمين الذين واجهوه بالجهاد الديني، وعصرنا الحالي هو ثالثة الأثافي، وهو يختلف عن سابقيه في أن الحالتين الماضيتين كانت هناك أقلية تحكم، فليس بغريب أن تحن الأقليات إلى بعضها، أما في العصر الحالي فإن حالة الإستضعاف للمسلمين وهم أغلبية في بلادهم، ولا تحكمهم أقلية ما، فأمر تحار فيه العقول، ألا أن تتبدد الحيرة بأن يقال أن الحكم الحالي هو في فساده وغربته عن الشعب في وضع أشبه بأقلية حاكمة تحن لمثلها من الأقليات !!. - في عصر الإستقواء الأول وإبان حكم الخليفة الفاطمي العزيز بالله، وكان يبالغ في تقريب اليهود والنصارى فعين اليهودي (منشا) نائباً له على الشام وعين من النصارى وزراء كان منهم كاتبه (عيسى بن نسطورس)، وفي المقابل كان إضطهاده وكثرة مظالمه مع أغلبية الشعب، فتعرض رجل يوماً لموكب العزيز بالله وقدم له مظلمة أشتهرت في التاريخ لأن مطلعها كتب فيه " بالذي أعز اليهود بمنشا، وأعز النصارى بعيسى بن نسطورس، وأذلَّ المسلمين بك إلا كشفت ظلامتي ". - وما أنسب تلك الجملة الشهيرة لعصرنا، وما أصلحها لأن نتوجه بها إلى الحكام عندنا, نقول لهم "بالذي أعز اليهود بإسرائيل وأعز النصارى بالبابا، وأذلنا بكم إلا كشفتم ظلامتنا "، وما لنا من مظلمة إلا وجودكم ذاته، يا من أذللتم المسلمين وعبثتم بالبلاد وبدستورها وقوانينها، وعثتم في الأرض فساداً. - ولأن الإنحراف دائماً ما يبدأ بسيطاً، ثم يجد مرتعاً خصباًُ في وسط الضعف والإنحلال، فإن الأمر بدأ بفكرة تفتق عنها ذهن أحدهم حتى ينفي كل شبهة عمن يريد أن يدخل في دين الإسلام في مصر- بلد الإسلام والأزهر-بأن يلزم من يريد أن يدخل الإسلام من أقباط مصر أن يقابل أحد القساوسة أولاً، حتى يتم التأكد من أنه يدخل في الإسلام طوعاً وليس كرهاً ً!!، إذاً كان غرض هذا العبقري الذي تفتق ذهنه عن هذه البدعة أن يتم التأكد- وفقط التأكد- أن الأمر طوعاً وليس كرهاً !!. - وهي بالطبع بدعة منكرة، وإنحراف لم يأت به الشرع، ولكنه إنحراف في ظاهره بسيط، ومع الضعف وإستقواء الأقلية تحول التأكد من عدم وجود ضغط إلى أن أصبحت مهمة القس ليس سؤاله عن الضغوط، بل محاولة إعادته إلى دينه وإثنائه عن قراره، وكان هذا يتم في أقسام الشرطة !!، وهي كارثة مجافية لنص الدستور وروحه بكل المقاييس، وهي جريمة بمعيار الشرع الذي يشجع الناس على الدخول في دين الله، لا أن يعرضهم لضغوط عكسية. - ومع إستمرار ضعف السلطة وإستقواء الأقلية حدث أن أرادت زوجة كاهن وتدعي وفاء قسطنطين أن تدخل في الإسلام، ورأي المسيحيين في دخولها إلى الإسلام وهي زوجة كاهن حرج بالغ، فقامت مظاهرات صاخبة تطالب بأن تتم محاولات إقناعها بالعودة إلى المسيحية في مقر الكنيسة وليس في قسم الشرطة، بدعوى أن القس الذي سيتولى إقناعها لا يستطيع أن يمارس مهمته في قسم الشرطة في وجود الضابط ولو كان ذلك في غرفة مغلقة – كأنه سيحضر ارواحاً أو عفاريت لا تحضر في قسم الشرطة – وكان أن أخذوا المسكينة معهم إلى داخل أسوار الكنيسة ولم يسمع عنها أحد بعد ذلك، ولا نعلم أهي على قيد الحياة أم سيقت إلى الموت، وهكذا بعد أن كان الأمر يتقصر على التأكد من عدم وجود ضغوط تطور الأمر إلى مقابلات الإقناع ثم تطور -في حالة وفاء قسطنطين- إلى التسليم إلى الكنيسة بدعوى أنها حالة خاصة كزوجة راهب. - ومع إستمرار الضعف تحولت الحالة الخاصة إلى قاعدة، وأصبح هناك شغب وصراخ وتجمهر وضغوط تمارس من الكنيسة مع كل مسيحي يريد أن يدخل إلى الإسلام !!، وأصبحت المطالبات علناً وعنوة (بتسليم) هذا الشخص وفوراً إلى الكنيسة كأنه مجرم هارب من دولة بينها وبين مصر إتفاقية تبادل مجرمين !!، أو كأن الكنيسة أصبحت سلطة فوق السلطة وأصبحت دولة فوق الدولة، وكلما كسبت خرقاً إستثنائياً إذا به يتحول في المرة التالية إلى قاعدة راسخة ..وهكذا دواليك، والمذهل في أحداث قرية (سمسطا) الأخيرة حين تجمهر مئات من المسيحيين ورشقوا قسم الشرطة بالحجارة وحطموا وأتلفوا أن ضابط القسم بدلاً من أن يستدعي قوات الأمن المركزي للأخذ على يد المجرمين – على غرار ما تفعله مثلاً مع طلبة الجامعة المسالمين- إذا به يقسم لهم بأغلظ الأيمان أن المسلم غير موجود بالقسم ويطلب من القس أن يدخل معه لتفقد القسم ليتأكد بنفسه أنه ليس موجوداً، يعني الشرطة تعرضت للتفتيش من قبل المتجمهرين لإثبات أن المطلوب تسليمه ليس في القسم، فماذا لو كان بالفعل في القسم ؟!، ومن يحمي هذا المواطن إن كانت الدولة تريد تسليمه لمن ينكل به !!، هذا لا يحدث حتى مع المطلوب للثأر فكيف بمن يريد الدخول في الإسلام، كأننا عدنا إلى عصر محاكم التفتيش !!. - إن تسليم (المسلمين) طالما نطقوا بالشهادتين أو حتى مجرد محاولة ردهم عن دينهم الجديد هو منكر عظيم وإثم مبين، مخالفة صريحة للشرع، وبالتالي هو مخالفة للدستور الذي ينص في مادته الثانية إلى أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وهي حالة غير متصورة في بلد الأزهر الذي لا نجد أثراً لشيخه ولا للمفتي ولا تعليق لهم على هذا الأمر، فلا نعرف أهم من الأموات فنبكيهم مرة، أم من الأحياء فنبكيهم ألف مرة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلمه) متفق عليه، ومعنى : (لا يُسلمه): أي لا يلقيه إلى الهلكة، ولا يتركه عند من يؤذيه، بل ينصره ويدفع عنه"فتح الباري" (5/97)، وقال صلى الله عليه وسلم : ( ما من امرئ يخذل امرءا مسلماً في موطن يُنتقص فيه من عرضه, وينتهك فيه من حرمته, إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه, وينتهك فيه من حرمته, إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته) رواه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب. - ومن سنن الله في خلقه أنه من إبتغى رضا الناس بسخط الله سخط عليه الله وأسخط عليه الناس، والعبقري الذي فكر في هذا المنكر أول الأمر أراد أن يتجنب الفتن الطائفية، فكانت النتيجة أنه فتن الذين يريدون أن يدخلوا إلى الإسلام في دينهم، ثم أوجد فتنة طائفية جديدة مع كل مسيحي يريد أن يدخل في الإسلام، فأوقد حالة قابلة للإشتعال كل يوم، والحل الوحيد هو في إبطال هذه العادة المنكرة وأن تقوم الدولة بواجبها في حماية المواطنين وليس في تسليمهم إلى جهات غير مسؤولة وبطرق غير شرعية، والحل الحقيقي والأشمل يتمثل في أن يظهر فينا من يحق الحق ويبطل الباطل، ونسأل الله أن يعجل لنا بفرج من عنده فقد بلغت الروح الحلقوم. [email protected]