جمال سلطان لا يصدق المواطن أن يهتم الرئيس مبارك بحل الخلاف بين محمود عباس وحركة حماس في فلسطين ، بينما هو يرفع يده من الحريق الذي يدمر أعرق وأخطر مؤسسات الدولة المصرية ويمثل فضيحة عالمية للنظام والدولة في مصر معا ، وهو حريق القضاء ، وكأنه حريق يقع في جزر الواق واق ، وعندما يبالغ الرئيس مبارك في تجاهله لأزمة القضاء ويصور نفسه غير معني بالمسألة لأنه حريق داخلي لا شأن له به ، فإنه بهذا الموقف الفكاهي يزيد من حجم الاتهامات التي يعرفها القاصي والداني عن المسؤول في إشعال هذا الحريق ، لا يصدق الناس أن الرئيس مبارك الذي يجد من وقته ساعات لاستقبال لاعب اسكواش ، لا يجد من وقته ساعة واحدة لكي يجتمع بمجلس إدارة نادي القضاة ليستمع إلى شكاواهم ووجهة نظرهم ، كان الرئيس مبارك في أيام إقبال سلطته وحيويته كرئيس دولة لا يمل من الاجتماع بقيادات الأحزاب ، وقيادات النقابات الحساسة كالصحفيين ، وغيرهم في اجتماعات لا تخلو من الود والانفتاح والروح المرحة ، أما مبارك في أيام إدبار سلطته ، فإنه يفعل هذا الذي نراه مع القضاة أنفسهم ، أحد أركان سلطات الدولة الثلاث ، وأخطرها على الإطلاق ، لأن السلطتين الأخريين التنفيذية والتشريعية يمكن جبر أي مشكلة فيهما ، ولو بإزاحة عناصرها بالكامل وإعادة تشكيلها خلال أشهر ، أما السلطة القضائية ، فإن انهيارها لا سمح الله لا يمكن جبره أبدا ، وتتعرض الدولة ، كدولة ، إلى خطر الانفلات والتفتت والفوضى العارمة ، مبارك يعلم ذلك بكل تأكيد ، وأركان حكمه يعلمون ، ومع ذلك يتعاملون بكل عجرفة وكبر مع مطالب القضاة ، ويتحدثون عن "حريق القضاء " بوصفه حريقا في مكان بعيد عن مصر حكومة وشعبا ودولة ، ولكن الرئيس ونجله لا ينسيان ، بطبيعة الحال ، أن يتوجها إلى الشعب المصري بخالص أمنياتهما الجميلة ، أن يتم إطفاء هذا الحريق ، يا سلام ، هل هذا الكلام يليق برئيس مسؤول دستوريا عن سلطة القضاء وحمايته ، هل هذه "الملاوعة" تليق برئيس يحكم دولة في حجم مصر ومكانتها وعراقة مؤسساتها ، ثم من الذي أرسل المستشار عدلي حسين إلى نادي القضاة ، ثم أرسل المستشار قورة ، ثم أرسل أحمد كمال أبو المجد ، ثم أرسل أحمد فتحي سرور ، هل أرسلهم الشيخ أحمد الصباحي مثلا ، أم أنها قلق " من يعرف خطر الحريق " وجلس في الظلام يراقب منتهاه ، خوفا من أن تصل نيرانه إلى بيته ، فيحاول البحث ليس عمن يطفئ النيران وإنما عمن يحجم آثارها ويحصرها في حدود لا تصل إليه هو شخصيا ، دعنا من حكاية أن الرئيس ليس طرفا في القضية ، فمن الذي يصدر القرار بتعيين المجلس الأعلى للقضاء ، هل هو شخص آخر غير رئيس الجمهورية ، ومن الذي بيده توجيه احترام إرادة جموع القضاة بالتوقف عن العبث في موضوع سن الإحالة للمعاش ، هل هو فتحي سرور مثلا ، ولنفترض أن الرئيس ليس طرفا في نزاع خطير داخل مؤسسة القضاء ، فهل هذا يعني أنه غير معني بهذا الحريق الذي يوشك أن يحرق البلد كلها ، لقد قال المستشار زكريا عبد العزيز رئيس نادي القضاة عندما سألوه عن الحل : إن من أحضر العفريت يصرفه ، وأظن أن هذه أقصى كلمة جارحة مستورة يمكن أن تصدر عن قاض حكيم ، ويبقى أن يستوعب الآخرون الرسالة حتى لا يضطروا القضاة في النهاية إلى أن يقولوا للأعور يا أعور في عينه . [email protected]