إن الأمم الجادة المتحضرة تحترم كل ما أقرته من نظم وما وضعته من دساتير, ولا تسمح لأحد – أيًا كان موقعه – بمصادرتها أو بالخروج عليها. فالكل في تلك الأمم – حكامًا كانوا أو محكومين – مطالب بالاحتكام إلى الدستور, والعمل في ظله من أجل تقدم البلاد وإسعاد العباد. أما الأمم العابثة المتخلفة, فهي التي تعجّ بالهمج الرعاع الذين لا يحترمون دستورًا ولا يخضعون لقانون, فهم ضد كل نظام, لا يحكمهم إلا الهوى, ولا يرضيهم إلا تحقيق المطامع, وإشباع النزوات. ومما يُؤسف عليه, أن في مصر ثلة تقاتل وتبذل كل ما تملك – من وسائل خسيسة – لإزالة كل مكتسبات الثورة وهدم كل ما هو قائم, والانتقال بالبلد من الشرعية إلى إثارة الفوضى والهمجية! تأمل ما صرّح به بعضهم بلا حياء – بالصوت والصورة: (الإسلاميون أكثر من سبعين في المائة, لكننا نجحنا في إرباكهم بالفوضى من خلال القضاء والإعلام, وبالتحالف مع رجال الأعمال والأحزاب العلمانية, نجحنا في حل التأسيسية الأولى, وحل البرلمان, وإثارة الشارع على الإسلاميين). وما بقي من مكتسبات الثورة إلا (مؤسسة الرئاسة), ومن ثمّ, فقد عزموا العزم ومعهم فلول النظام البائد – في 30 يونيه - على هدمها, وإسقاط أول رئيس منتخب بإرادة شعبية حرة في تاريخ مصر. إن هؤلاء قد انكشفت سوءاتهم, وأعلنوا عن سوء طويتهم, في عدائهم السافر للمشروع الإسلامي من جانب, وفي كراهيتهم لإحقاق الحق وإبطال الباطل والفساد من جانب آخر. فأخشى ما يخشاه العلمانيون أن تتكرر التجربة التركية الناجحة في مصر, وهذا ما أعلنوه أكثر من مرة, فقد سئل أحدهم – وقد كان مرشحًا للرئاسة – فور إعلان النتيجة, هل سترشح نفسك في الانتخابات القادمة؟ – أي بعد أربع سنوات – قال: ومن يقوى على منافسة مرسي حينئذ، وقد حقق من الإنجازات ما لم يستطع أحد منافسته؟! ثم ذكر التجربة التركية. وأشد ما يخشاه فلول النظام البائد أن يكشف نهار الثورة فسادهم, وأن يضيع عليهم ما حققوه من ثروة باهظة, ومكانة فارغة بالباطل. وهذا هو سر حصار هؤلاء وهؤلاء للرئاسة ومحاولة إرباكها بالصياح والشغب والكذب والتزوير والسب والتجريح وإثارة الفوضى بالدعوة إلى العنف والاعتداء على مؤسسات الدولة بالهدم والتخريب. إذا كان موقف هؤلاء وهؤلاء، قد أصبح عاريًا مكشوفًا, فإن الكثير من الوطنيين المخلصين ومن عامة الشعب العظيم قد ضاق ذرعًا من تردي الأوضاع من جانب ومن أداء الرئاسة وأخطاء الإخوان القاتلة من جانب آخر, فانضموا إلى هؤلاء جميعًا يبغون الخلاص والتغيير.. ومع تفهمي وتقديري لموقف الوطنيين الشرفاء, وبعض أبناء شعبنا العظيم, إلا أن عدم الرضا عن أداء الرئاسة, أو عن أخطاء الإخوان, لا يمكن أن يبرّر أبدًا – بأي حال وتحت أي ظرف – الخروج على الشرعية, ووأد أول تجربة ديمقراطية بإسقاط أول رئيس منتخب في تاريخ البلاد. إن ما دعت إليه بعض القوى السياسية في يوم 30 يونيه, من إسقاط الرئيس – قبل إكمال مدته – وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة يُعد اعتداء سافرًا على دستور البلاد, وافتئاتًا على إرادة هذا الشعب العظيم الذي خرج واختار رئيسه في انتخابات حرة نزيهة, شهد لها العالم أجمع. وإني لأتساءل – بكل إنصاف: كيف يعمل الرئيس في وسط هذا الجو الخانق؟! بل كيف ينجح وهو محاصر – منذ أن جاء إلى سدة الحكم – بصياح وشغب بعض القوى السياسية, ومحاولة إرباكه بإثارة القلاقل والأزمات المفتعلة من حين لآخر وتهييج الإعلام الكاذب للشعب, بالشحن والتحريض؟! كيف صبر هؤلاء وصمتوا صمت أهل القبور على مدى ستين عامًا على الظلم والقهر, وإذلال العباد وضياع البلاد, ولم يطيقوا أن يصبروا على الرئيس أن يكمل مدته, وهي أربع سنوات؟! إن الرئيس لم يُعط فرصته ولم تكتمل بعد مدته, ومع ذلك حقق ما لم يحققه غيره – رغم ما يُحاط به – وحسبه أنه أنهى حكم العسكر وأنقذ البلاد من الإفلاس, وأعاد لمصر عزتها وسيادتها بعد الذل والانبطاح, وحرص على حماية أهم مكتسبات الثورة وهي (الحرية ) – وهي بيت القصيد - التي أساء البعض استغلالها في هدم كل ما هو قائم من مؤسسات الدولة، ولو أدى إلى سفك الدماء وتخريب البلاد! إن الأمم لا تقاس بلقمة العيش والرفاهية – مع أهمية كل ذلك, وإنما تقاس بمدى ما تتمتع به من حريات تصون حقوق الأفراد والجماعات, وتعلي من شأن كرامة الإنسان! إنني لا أدافع عن الرئاسة ولا عن الإخوان, بل أدافع عن أهم مكتسبات ثورتنا, التي أعادت للإنسان ذاته, واسترد من خلالها كرامته, وخرج وقال كلمته في اختيار رئيسه. إنني أربأ بالوطنيين الشرفاء من أبناء هذا الشعب العظيم من أن ينخدعوا بشعارات كاذبة, ودعاوى باطلة تريد أن تقتل أجمل مكتسبات ثورتنا.. بل عليهم أن يفضحوا كل من أراد تشويه جمال ثورة مصر – التي بهرت العالم كله – بعودتها من نور الحرية إلى ظلمة العبودية, ومن الاحتكام للشرعية إلى الاحتكام للعبث والهمجية, وذلك بوأد أول تجربة ديمقراطية في تاريخ مصر العزيزة الأبيّة!