كما أن القانون لا يحمي المغفلين، فإن حركة التاريخ لا تجامل المغفلين. أخشى على حركة التاريخ التي صنعتها دماء شهداء الثورة أن يضيعها المغفلون. كادت حركة تاريخ أمتنا تتوقف يوم خطاب المخلوع الذي استدر به عطف البسطاء وأيده إعلام رجال المال الحرام من أنصاره تحت شعار ( كفاية كده – ده فاضلوا كام شهر ويمشي) ولولا يقظة القلة الصامدة في ميادين مصر لتوقفت حركة التاريخ. وفي تاريخنا الحديث قرأنا في كتب الدراسة عن (ثورة عرابي) وسمعنا عنها من ألسنة كبار السن (هوجة عرابي) ولا يخفى ما في هذا اللفظ من ميراث الدعاية المضادة التي جعلته يقف وحيدًا بعد أن انفض الناس من حوله. وفي ثورة 1919 نجح الاستعمار والدعاية المحلية المساندة له أو المخدوعة فيه أن يحولوا تيار الثورة من الالتفاف حول مبدأ الاستقلال إلى الالتفاف حول الزعيم، وخرجت الجماهير تهتف في شوارع القاهرة (الاحتلال على يد سعد ولا الجلاء على يد عدلي) وتشتت الجماهير خلف الرايات الحزبية لسعد زغلول وعدلي يكن، وغفلت عن هدف الثورة. ثم ظهرت (صوت العرب) تسوق الجماهير بالميكروفونات إلى تل أبيب، في الوقت الذي تحتل فيه الجيوش الإسرائيلية الأراضي المصرية، ولم يستفق الشعب المستغفل من اللطمة، بل استساغ الاستغفال وخرجت الجماهير تهتف لبقاء الزعيم. نكسات تلو نكسات تقودنا إليها جماهير المغفلين. وأخشى ما أخشاه اليوم على حركة التاريخ التي بدأتها الثورة المصرية، تسلط رجال إعلام بلا ضمير على عقول عندها قابلية للاستغفال. رجال إعلام يمارسون مع جماهيرهم دور مصارع الثيران، الذي يشغل الثور بالمنديل الأحمر وهو يزرع في رقبته سهامه. و عقول عندها استعداد لأن تلدغ من الجحر مرات ومرات، نفس الأشخاص الذين كانوا مصدر السب والقذف وإثارة الشائعات على ثوار الميادين في الثورة ، هم أنفسهم مصدر المعلومات والتحليلات لأصدقاء الثورة الجدد. عقول عندها استعداد لأن تصدق أن الذي يستخدم البلطجية وأطفال الشوارع للاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة لإشاعة الفوضى خدمة لأغراضه السياسية، ويضع يده جهارًا نهارًا في يد من نهب الشعب المصري وقتل أبناءه، هم من سيعيد له حق الشهداء، ويحقق العدالة الاجتماعية!!! عقول تبدي استعدادًا مدهشًا لتصديق ما لا يجوز تصديقه، يصدقون شائعات تستحق عن جدارة أن يكون مكانها برامج الطرائف والعجائب "صدق أو لا تصدق". عقول تصدر أحكامًا بلا دليل وتبني نتائج على غير مقدمات. ليست هذه نبرة تشاؤم، ولكنها صرخة لعلها توقظ الغافل. (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)