لماذا تخشى الثورة؟ لماذا تعتقد أنها مرادف للفوضى؟ لماذا تصدق من يريد إقناعك بأنها ستأتي لك بمن هو أسوأ؟ لماذا تنظر إلى من يقومون بالثورة على أنهم مخربون.. وإلى من يهتفون ضد النظام، على أنهم يقوّضون الأمن والاستقرار؟ أنت من القلة التي يشغلها رغيف الخبر أكثر من الحرية.. لا تعلم أن هذه الحرية هي الضمان الوحيد للقضاء على الفساد، وأنها هي التي تكشف انحرافات المسؤولين وأصحاب النفوذ، وتقطع أي يد تجرؤ على المساس بنصيبك من ثروة البلاد.. الحرية هي التي تسمح للإعلام بمحاسبة الحكومة، وهي التي تكفل استقلال القضاء، وهي التي تحمي صناديق الانتخاب من التزوير، وهي التي تجعل الحاكم يفكر ألف مرة قبل أن يخون شعبه، ويسرق منه مليماً واحداً.. أنت لستَ سعيداً.. تتطلع إلى حياة أفضل، ومعيشة أرحب، ورزق أوفر.. لكنك قلق من مغامرة التغيير.. بينك وبين نفسك تتمنى للثورة أن تنجح، لكن نداءاً خفياً بداخلك يشكك في تأثيرها، ويبالغ في قدرة النظام على قمعها أو الالتفاف عليها.. تحسد الثوار على شجاعتهم، لكنك تفكر دائماً في أمك وزوجتك وابنتك.. تعرف أنك مسروق ومظلوم ومقهور، لكنك تردد: ما باليد حيلة!.. تريد أن تنطلق نحو المستقبل، لكن قدمك ثابتة لا تتزحزح خطوة واحدة من على أرض الحاضر.. لديك قناة الجزيرة، لكنك مأخوذ بالتليفزيون المصري.. ترغب في معرفة الحقيقة، والاستماع إلى الرأي الآخر، لكنك ألفت أكاذيب الحكومة، وتعودت على وجوه منافقيها.. لا ينقصك الذكاء، لكنك لا تقارن ما يقوله الإعلام الرسمي بالواقع.. لا ترى في القنوات الفضائية الخارجية مبرراً لهدم النظام أو التآمر عليه، لكنك لا ترفض اتهامها بالعمالة.. تدرك أن اتهامات الحكومة لا تستند لأدلة، لكنك تقول: ما فيش دخان من غير نار! تثق بأن أقطاب النظام فاسدون، لكنك ما زلت تسلمهم ذقنك، وتحرر لهم شيكات على بياض.. تدقق النظر في وجوه الثوار، وتقول في ارتياح: هذا يبدو إخوانياً، وذاك يبدو جهادياً.. هذه تبدو سافرة، وتلك تبدو أجنبية.. تفسر ثورتهم على أنها تطبيق حرفي لأجندات خارجية، تظهر مالا تبطن، وتدخر لنا المصائب والكوارث.. ترجح أن لكل من هؤلاء الثوار ثأر شخصي مع الحكومة.. فربما سُجِن لهم قريب، أو عُذّب لهم صديق، أو خسروا في انتخابات، أو تجاوزتهم فرصة للترقي.. فإذا لم يكن كذلك، فلابد أنهم تقاضوا أجراً عن تشويه صورة مصر من أحد خصومها الكثيرين، أو نالوا وعداً بالسلطة إذا ما أطاحوا بالنظام.. أو قد يكونوا جاهلين ومندفعين، لا يحسبون للمستقبل حساباً، وسوف يندمون ويترحمون على هذا العهد يوماً ما، عندما تفلت الأمور، وتسقط البلاد منهم في الدمار والاضطرابات.. تميل إلى هذه الأفكار رغم سذاجتها.. لا تملك عليها دليلاً، لكنك تبلعها، وتهضمها، بل وتروج لها بين أصدقائك وأفراد أسرتك كي تتستر بهم، فلا ينكشف إهمالك وتقصيرك.. تتظاهر بالحكمة وأنت تبرر لنفسك هذا التضليل على أنه درع يقي من الأذى المحتوم.. فالمعرفة وقود الغضب، والغضب مؤلم وفاجع وثقيل الوطأة، وقد يدفع صاحبه للثورة، ومن ثم إلى المعتقل والتعذيب والإهانة، مخلفاً أسرته فريسة للضياع، ولن يغير ذلك في النهاية من الواقع شيئاً.. فلننعم إذن بالجهل، ولنُخف من المعلومات ما نستطيع، ولنغض الطرف عما نعرف، ولنشوه الحقائق، ولنزيف التاريخ.. هكذا ننجو، وهكذا نعيش في سلام.. هذه هي حيثيات إحجامك عن الانخراط في الثورة، ودعايتك المضادة لها، وسخطك على من أشعلها وشارك فيها.. لا مؤاخذة يا عزيزي، أنت مغفل! فكر قليلاً، وأنت تتأكد من ذلك.. حاول أن توسّع نظرتك لتشمل العقود الثلاث السابقة، وتذكر: كم من الفرص ضاعت؟ وكم من الأموال سرقت؟ وكم من الأبرياء سقطوا؟ وكم من الفاسدين صعدوا؟ وكم من الأطهار قُمعوا؟ أنت تعيش في الظلام، ولطالما تمنيتَ بصيصاً من النور يهديك إلى طريق الخلاص.. ثم جاءتك الثورة مكافأة على الصبر، وثمرة للانتظار.. إنها الأمل يحلق فوق رأسك، فإما أن تتعلق به، أو أن تقذفه بالحجارة.. البقاء في المنطقة الرمادية لا يختلف كثيراً عن إفشال الثورة، الذي لا يعمل عليه سوى دعاة الظلم والفساد.. فلا تكن منهم، واحزم متاعك، وغادر فوراً ذلك الحي الرمادي، فميدان التحرير في انتظارك...