من خطايا جماعة الإخوان المسلمين الناتجة عن غياب الإدارة العلمية، تلك الإدارة التى تبدأ أولاً بإدارة الفكر، لتأتى إدارة الحركة بعدها على هدىِّ منها، أن خطابها السياسى بل والعام ومنذ 11 فبراير 2011 وإلى اليوم، كان موجهاً فقط إلى نخبة عاجزة لم تكن وما زالت تمثل إلا نفسها. وأغفلت الجماعة الشعب، نتيجة لسياسة «الطبطبة» تلك، هذا الشعب الذى انبثقت منه وعملت وسطه وله، طوال ثمانين عاماً. مشكلة جماعة الإخوان المسلمين، لا تتمثل فقط فى أخطائها على قلتها وعظمها، ولا حتى فى غياب الرؤية، ولكن الأهم على الإطلاق، أنها لا تكتشف أنها على خطأ، وخطأ عظيم، حتى ولو بعد حين ومهما طال! هذه النخبة العاجزة، التى انشغلت بها جماعة الإخوان، طوال ما يزيد عن العامين ونصف، هى فى الحقيقة التى سطت على عوائد حراك الشباب منذ 25 يناير 2011 وإلى «تمرد»، ولكن الجماعة ليس فقط تفتقر لأداة إعلامية «جاذبة»، ولكنها أيضاً لا تفطن إلى أهمية التجميع «اليومى»، بل وعلى مدار الساعة لعورات الخصم السياسى ولأكاذيبه، ومن ثم تفنيدها تحت عنوان «قالوا وفعلوا.. ونعقب»، وصدقونى أنا لا أتجنى على هذه الأقلية العاجزة، ولدىَّ واقعة من كثير جداً، تمثل دليلاً على ذلك العجز والفلس الذى تتميز بهما، فلقد دعتنى الجمعية الوطنية للتغيير التى تمثل هذه النخبة أغلب أعضائها، لأشارك فى اجتماعها والقوى السياسية، الذى انعقد فى مقر حزب الجبهة الديمقراطية بالمهندسين، فى السابعة مساء الأربعاء 26 يناير 2011، وقد اشترطت شرطاً وحيداً للاشتراك فى ذلك الاجتماع، وهو مشاركة الشباب فيه، وبالفعل وللأمانة وجدت أنهم وجهوا الدعوة إليهم. خلصوا فى نهاية ذلك الاجتماع، إلى بيانٍ يُطالب مبارك بنفى التوريث وبانتخابات برلمانية نزيهة، وهموا لينصرفوا فاستوقفتهم، قائلاً: هل دعوتمونى لأستمع إليكم وفقط؟ فقال الأستاذ السيد الغضبان الذى كان يدير ذلك الاجتماع: بل بالعكس نحن نود أن نستمع إليك، ولكنك لم تطلب الكلمة. فقلت لهم: كيف نطالب والشباب مساء أمس فى التحرير بسقوط مبارك، وكيف تنزلون أنتم اليوم هكذا بسقف المطالب؟ فقال لى: لنصوت إذًا على اقتراحك! إلى هنا، وبالتأكيد لم يكن لأحد من الحضور يومها، إلا ليرفع يده بالموافقة على تعديل البيان تماماً، أو للدقة إلغاء بيانهم، وصياغة بيان جديد، يحوى ما اقترحته، وبوضوح، وقد فعلوا. تلك النخبة، التى كانت تريد أن «تتعايش» يومها مع مبارك، هى ذاتها التى وبكل «شجاعة» اليوم، تريد خلع مرسى المنتخب وفق آلية ديمقراطية! نعود لخطايا الإخوان المسلمين، وسنقصر حديثنا فقط، على الشرطة والقضاء، فنقول: أولاً: لم تستثمر جماعة الإخوان المسلمين، مطالب «الميدان» منذ فبراير 2011، الخاصة بالتطهير، بل وعلى النقيض هدَّأتها. ثانياً: بل ولم يستثمر البرلمان المنتخب بعد ذلك، مطالب الأقلية التى ظلت فى الشارع، وكانت تزايد عليها فى هذا الشأن تحديداً «التطهير»، تحت عنوان «الثورة فى الميدان مش فى البرلمان». بينما كنت أطالب الجماعة وقتها، ب«تأجيج» هذا المطلب فى الشارع، ثم «الاستجابة» إليه تشريعياً، وبالمناسبة لم يكن قد ظهر يومها بعد حديثٌ، عن «الأخونة». ثالثاً: فطنت الجماعة إلى أهمية هذا الشأن بعد الانتخابات الرئاسية، إلا أنها انتهجت «البأبأة» أى تصريحات وتصريحات وتصريحات....، عن ضرورة التطهير وعن فساد بعض الأجهزة وعن الثورة المضادة وعن الدولة العميقة وعن أذناب فلان وعلان، دون بلورة رؤية وانتهاج سبيل إلى إعادة الهيكلة ومن ثم التطهير، وكان من شأن هذه «البأبأة»، أقصد هذه التصريحات الغزيرة والفقيرة، أن تحقق أمرين: 1 فقدان هيبة الجماعة وحزبها ومسئوليها. 2 أن من كان يرتعش من هؤلاء الفسدة ويخشى المجهول، عرف المجهول بل وتجرأ عليه وتبجح، بعد أن تيقن أنه «بؤإيئى» وأيضاً ليس لديه رؤية أو خطة أو سبيل. رابعاً: أقدم الرئيس على خطوة رائعة، يوم أن صرف المجلس العسكرى، وكان عليه يومها، أن يقرن هذه الخطوة الجسورة، ب«حزمة» معها، ولم يفعل، لأن الرئيس لم يعين مستشارين «رغم وجودهم»، كما أنه لا ينفتح على أحد، والأهم أنه لا يعطى للشأن أهميته المناسبة، وفرصه الشمولية.
يا سيادة الرئيس، ورغم كل ما تقدم، ما زالت «كل» الشئون ممكنة، ورغم كل الأخطاء والتى ما زالت مستمرة، ما زالت هذه الشئون كلها، وصدقنى ممكنة، ولكن علينا أولاً أن نصمت إلا قليلاً ونعمل كثيراً جداً. ولكن هذا لن يتم إلا بعد مراجعة لأدائنا، وبلورة رؤية هى غير موجودة ولم تكن موجودة. وهذا أيضاً لن يتم، إلا لو انفتحت يا سيادة الرئيس. ولن تنفتح يا سيادة الرئيس، إلا لو اعترفت أمام نفسك أنه لا يوجد فى الدنيا «السوپر مان»، وأن جماعة الإخوان فقيرة. محسن صلاح عبدالرحمن عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.