في صيف عام 2004 استيقظت صباحاً ،وكعادتي أستغل وقت تناول الفطور لأتابع الأخبار من على شاشات الفضائيات خاصة وأن الأحداث كانت ملتهبة في عراق ما بعد الاحتلال مابين مداهمات واعتقلات واغتيالات وقتل وتهجير وغيرها من الممارسات التي تقوم بها قوات الإحتلال الأمريكي ، فلفت انتباهي خبر مفاده أن القوات الأمريكية تلقي القبض على مثنى حارث الضاري المسؤول الإعلامي في هيئة علماء المسلمين واثنين من مرافقيه . ذهبت الى عملي الصحفي ،وبعد متابعة الموضوع تبين أن الدكتور مثنى وبينما كان عائداً الى مقر الهيئة في جامع أم القرى بمنطقة الغزالية بعد أن انتهى من إجراء مقابلة تلفزيونية على قناة LBC اللبنانية من مكتبهم في بغداد، والذي كان وقتها في منطقة الجادرية ، اعترضت طريقه دورية أمريكية ، ولم تنفع التوضيحات التي قدمها الضاري للجنود الأمريكيين خاصة بعد أن عرفوا هويته معتبرين ذلك فرصة ذهبية. كان الإتهام الذي وجه للضاري ساعتها أن جهاز كشف المتفجرات يشير الى وجود آثار مواد متفجرة على الأصابع ، ولا يمكن لتلك التهمة أن تنطلي على أحد لأن ملايين المشاهدين كانوا قد رأوا الضاري خلال ذلك اللقاء، لكن الإعلام الأمريكي وقتها أراد إجبارنا على تصديقه وتكذيب أعيوننا وعيون الملايين التي كانت تتابع اللقاء. لكن ما هي إلا أيام قليلة حتى أطلق سراح الدكتور مثنى ومرافقيه دون توجيه أي تهمة له لعدم ثبوت شيء ضده. واليوم وبعد مرور ست سنوات على هذا الحادث، تحاول الإدارة الإمريكية صرف الأنظار عما خلفته من دمار وخراب في العراق وهي تهم بالرحيل، فقد أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية تقريراً تتهم فيه مثنى حارث الضاري بتمويل القاعدة في العراق وتطالب بإدراج اسمه على لائحة الإرهاب . الفارق بين الحادثتين إن القوات الأمريكية في الحادثة الأولى سارعت الى إطلاق سراح الضاري بعدما رأت أنها وقعت في خطأ كبير سيكلفها الكثير من المشاكل التي ستتواجهها نتيجة لذلك، فقد كانت تمر بأشد مأزق منذ احتلالها للعراق وهو خسارتها في معركة الفلوجة الأولى وكسر شوكة الجيش الأمريكي وذهاب هيبته ، إذ كانت مدن العراق كلها تشتعل تحت أقدام القوات الأمريكية . أما اليوم فقد اختلف الأمر فالقرار جاء بناءً على طلب من الحكومة الأمريكية والعراقية كما ذكرت وسائل الإعلام، وبغض النظر عن المغزى من هذا القرار وأسبابه وتوقيت إعلانه؛ فإن الحقيقة التي لابد من إدراكها هو أن هذا القرار يأتي بعد أن نكلت قوات الإحتلال والقوات الحكومية بالأصوات المناهضة للإحتلال بالقتل والاعتقال ما اضطر الكثير منهم لمغادرة العراق ، والأخطر من ذلك التشويه المتعمد الذي اتبعته الإدارة الأمريكية والحكومة الحالية لصورة المقاومة العراقية عن طريق نسب عمليات القتل والترويع وعمليات التفخيخ التي تقوم بها المليشيات العميلة ومحاولة الصاقها بالمقاومة ، إضافة الى إنشاء ما سمي بمجالس الصحوات التي كانت بمثابة الدرع الواقي للأمريكان من ضربات المقاومة، كل ذلك وغيره جعل الإدارة الأمريكية تتشجع لاتخاذ مثل هكذا قرار بعد أن صنعت حكومة باعت العراق وأهله ولم يكن لها من هم سوى سرقة الأموال و التقتيل والتهجير لكل معارض لسياستها التي بات يرفضها من هم داخل العملية السياسية فضلا ًعن المعارضين . إن إصدار مثل هذا القرار وفي مثل هذا الوقت بالذات له دلالات لصالح الدكتور مثنى الضاري وليست ضده من حيث كونه يأتي للضغط على قوى المعارضة والممانعة في محاولة لاسكات صوتها الرافض للاحتلال وللعملية السياسية بعد أن اقتنع القاصي والداني بأن هذا الصوت هو الأصدق والأقوى والأجدر بالجميع في الداخل والخارج الإصغاء له ، إذ لم يجن الشعب العراقي من العملية السياسية وما أفرزت من حكومات إلا القتل والدمار والخراب. إن الممارسات التي تقوم بها الادارة الامريكية والحكومة الحالية ضد قوى المعارضة والممانعة تدل على أن لهذه القوى تاثيراً فعالاً على المشهد العراقي وإلا لما أعطت لها كل تلك الأهمية ، فمطالب هذه القوى تتركز في إنهاء الإحتلال وإطلاق سراح السجناء وعودة اللاجئين والمهجرين وتوفير الخدمات وإعمار ما دمرته آلة الحرب، وليس في ذلك مطلب غير مشروع ، وهي في الحقيقة المطالب نفسها التي إتخذها من دخلوا في العملية السياسية شعارات براقة لهم؛ لكن سرعان ما تبين للشعب العراقي كذبهم وزيفهم، وهذا هو الفارق الذي جعل ثقة الجماهير تزداد أكثر بقوى المعارضة والممانعة واتضحت للمواطن البسيط قبل غيره النوايا المبيته من قبل كل طرف. ومع ازديات مآسي الشعب العراقي أخذت الأوراق تتكشف يوماً بعد يوم فبدأ الوعي يزداد لدى المواطن وأخذ يردد مطالب قوى المعارضة والممانعة نفسها، وهذا ما أقض مضاجع الإدارة الأمريكية والحكومة الحالية فحاكت مسرحية قرار وزارة الخزانة الأمريكية ويريدون منا أن نصدقه . كاتب واعلامي عراقي